الأقباط متحدون - انتقال السلطة زمان
أخر تحديث ٠٨:٠٧ | الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢ | ٦ أبيب ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٢٠ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

انتقال السلطة زمان

لا جديد تحت الشمس، وآليات التفكير عند حضرتك هى بذاتها تلك التى كانت عند جدك ساكن الكهوف منذ مئات ألوف السنين، كل ما حدث من تغيير هو أنك اكتسبت معارف جديدة نتيجة لتقدم العلم، غير أن هذه المعارف عجزت حتى الآن - وستظل عاجزة إلى الأبد - عن الانتقال بك بعيداً عن طريقتك فى التفكير فى الغابة القديمة، سيتغير الشكل، غير أن المضمون سيظل كما هو، ترى ماذا كانت طريقتك القديمة فى انتقال السلطة؟ بكلمة القديمة أقصد فى عصر القبيلة البشرية الأولى، هناك ملك له عشرات الأبناء وربما المئات، وله أيضاً عشرات الزوجات وربما المئات، أما ثروته الواضحة للجميع فهى كمية المواشى التى يمتلكها بعد أن تعلم استئناس الحيوانات البرية، لم يكن البشر قد عرفوا بعد الاستقرار حول الأنهار ثم الزراعة وملكية الأرض، لم يكن هناك ماض يمدهم بالخبرة والحكمة، ولم يكن هناك مستقبل يشغلون أنفسهم بالتفكير فيه، كان هناك الحاضر فقط، هناك الغريزة فقط، وهى نفس الغريزة التى كانت العامل الحاسم فى انتقال السلطة، لابد أن يكون الملك قوياً طوال الوقت لحماية القبيلة من الأعداء، والأعداء هنا هم الآخرون، كل الآخرين، لذلك عندما ينتابه المرض أو الضعف أو الشيخوخة تنتهى حاجة القبيلة إليه، هنا يتقدم أولاده الشبان ويقتلونه ثم يطبخونه ويأكلونه، ليس لأسباب نسميها الآن وحشية بل لدوافع صحية وسياسية، منها أن عضلاته القوية ستذوب فى عضلاتهم، وعقله الراجح سيسكن عقولهم، ثم يستولون على نسائه ومواشيه، وبعد ذلك يكون من الطبيعى أن يختاروا أكثرهم قوة ليكون ملكاً عليهم.

إنها مرحلة التهام الأب، كما يعرفها علماء التحليل النفسى، وكما يعرفها كل أب، وذلك عندما يتمرد عليه ابنه المراهق ويثور ضده، باحثاً عن التحقق كفرد له كيان مستقل داخل الجماعة الإنسانية، وهنا يجب أن نعترف بأنه بغير الثورة ضد الأب يستحيل تحقق الفرد وهو فى النهاية ما يدفع الحياة إلى الأمام. ما يهمنى فى الأمر كله ككاتب دراما هو مشهد الالتهام فى الغابة، لم يكن الحديد والنحاس قد اكتشفا بعد، ولذلك لم تكن هناك «حِلَل» كبيرة يسلقون فيها البشر، غير أنهم كانوا يعرفون حفلات الشواء «الباربيكيو». لقد عرف الإنسان لذة تناول اللحم المشوى بالصدفة، سقطت صاعقة على الغابة أحرقت عدداً من الحيوانات، عندما جرب أن يأكل قطعة منها، اكتشف واحداً من أعظم اكتشافاته، وهو أنها لذيذة جداً، وأنه يمضغها بسهولة «هل تعرف شخصاً لا يحب الكباب والكفتة والفيليه المشوى؟» أريدك أن تتصور نفسك واحداً من أولاده فى هذا الاحتفال الجميل على مشارف الغابة تحت ضوء القمر، بذمتك ألن تشعر بالبهجة ولذة الالتهام؟

بالطبع سيكتشف البشر طرقاً مختلفة بعد ذلك لتبادل السلطة، غير أنهم إلى الأبد سيستمتعون بالتهام شيخ القبيلة السابق، فى الوقت الذى يترقبون فيه بشغف تلك اللحظات التى سيأكلون فيها شيخها الحالى، مع الأخذ فى الاعتبار أن العصر الحديث أمدّنا بأنواع من المقبلات والمشهيات والمخللات جعلت انتقال السلطة أمراً ممتعاً.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع