CET 00:00:00 - 23/07/2009

مساحة رأي

بقلم: القس رفعت فكري
بين الحين والآخر يتطرق الحديث إلى المادة الثانية من دستور جمهورية مصر العربية والتي تنص على " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع " وقد دار جدل خلال الفترة الأخيرة على صفحات الجرائد والمجلات بين الدكتور أحمد فتحي سرور الذي دافع بشدة عن وجود هذه المادة مؤكداً عدم تعارضها مع حقوق الإنسان وقد اختلف معه ورد عليه الأساتذة الأجلاء عادل جندي وكمال غبريال واسماعيل حسني وغيرهم , كما نشر الأستاذ عمرو بيومي خبراً في المصري اليوم يقول " استنكرت الكنيستان الإنجيلية والكاثوليكية التصريحات الصادرة عن القمص مرقس عزيز، كاهن الكنيسة المعلقة بمصر القديمة، والتى شبّه فيها المادة الثانية من الدستور المصرى بـ«حائط الفصل العنصرى» بين إسرائيل والأراضى الفلسطينية، مطالبة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، باتخاذ موقف «حازم» مع الكاهن" . ومن خلال هذه الحوارات وغيرها  حول هذه المادة يمكننا أن نقول أن هناك ثلاثة مواقف رئيسية تجاه هذه المادة فهناك من يدافع عنها وعن حتمية بقائها وهناك من يطالب بضرورة إلغائها وهناك من يطالب بتعديلها .
وبداية من هذا المقال ولعدة مقالات مقبلة سنناقش معاً هذه المادة ومدى تأثير وجودها في نص الدستور المصري وهل يمكن تحقيق المواطنة في ظل وجودها أم لا ؟

وبداية نستطيع أن نؤكد أنه بالعودة إلى دساتير مصر السابقة سنكتشف أن الوثائق الدستورية التي عرفتها مصر في بداية إطلالها على التنظيم الدستوري خلت من أي إشارة إلى دين الدولة أو إلى الشرائع الدينية كمصدر للتشريع وهذا واضح في لائحة تأسيس مجلس شورى النواب سنة 1866 والأمر العالي للائحة مجلس النواب الصادر في فبراير سنة 1882 والقانون النظامي المصري الصادر في مايو 1883والقانون النظامي رقم 29 لسنة 1913 المختص بالجمعية التشريعية المصرية والواقع يقول إن النص في الدستور على أن الإسلام دين الدولة لم تعرفه الدساتير والوثائق القانونية في مصر إلا مع صدور دستور 1923 إذ نص في المادة 149 منه على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ثم تبنت الدساتير اللاحقة هذا النص فورد بعباراته في المادة 138 من دستور 1930 والمادة الثالثة من دستور 1956 وإن كان قد جرى إغفاله في دستور الجمهورية العربية المتحدة المؤقت لعام 1958 وفي الإعلان الدستوري الصادر في سبتمبر 1962 إلا أن النص عليه عاد مرة ثانية في المادة الخامسة من دستور 1964 ولكن دستور 1971 خطا خطوة أكثر إيغالا في الربط بين القانون والدين لأن السادات عقب تسلمه السلطة بعد وفاة عبد الناصر، كان واضحا من مجمل سياساته أنه يتودد ويتقرب للجماعات الإسلامية التي أغتالته في حادث المنصة الشهير في أكتوبر من عام 1981 وأنه كان يبحث عن شرعية جديدة تميز نظامه عن نظام يوليو 1952 وتمثلت هذه الشرعية في إكساب الدولة طابعا دينيا فيما عرف وقتئذ بدولة العلم والإيمان وفيما لقب به الرئيس المؤمن فلم تكتف المادة الثانية من الدستور بأن الإسلام دين الدولة كما كان الحال في الدساتير السابقة بل اعتبرت الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع وفي حقيقة الأمر كانت هذه أول مرة في التاريخ القانوني المصري الحديث يكتسب الربط بين النظام القانوني والشريعة طابعا دستوريا منذ العدول عن اعتبار فقه الشريعة هو النظام القانوني الحاكم والأخذ بنظام التقنيات الحديثة سنة 1883 بعد أن أدخلت هذه المادة إلى الدستور المصري لأول مرة في دستور 1971 وعدلت في 22 /5 /1980 لتصبح الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بدلا من كونها مجرد مصدر رئيسي دون أداة التعريف وجرى مع هذا التعديل في سلة واحدة تعديل آخر للمادة 77 من الدستور بإطلاق مدد ولاية رئيس الجمهورية دون حد أقصى بإطلاق "المدد الرئاسية" لكي تكون بلا حدود، بعد أن كان حدّها الأقصى مدتين، أي 12 عاماً. وكان الرئيس السادات قد قارب هذا الحد الأقصى (11 عاماً). أي أن المادة الثانية بنصها الحالي هي بمثابة صفقة أو رشوة تبادلية لتمرير مواد أخرى تخدم أغراض الحكام وليس مقاصد الشريعة وهكذا صوت المصريون وقتئذ بالموافقة على أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع مثلما صوتوا بالموافقة على أن يكون رئيسهم رئيسا إلى الأبد .

وكما يقول أحد المسلمين الليبراليين المستنيرين ( وهذا النص الدستوري يحتاج منا إلى إعادة قراءة بروح متأنية وبمزيد من التعقل لخير الأجيال المقبلة من أبناء هذا الوطن، فنحن ومنذ القديم، دولة متعددة المذاهب والأعراق والديانات ، فإن الديانات الثلاث الرئيسية قد احتضنت بعضها بعضاً وتعانقت على أرض الكنانة، بعد أن أفسحت الديانات الفرعونية القديمة المكان لها، وظلت الثقافات المنبعثة عن هذه الديانات متألقة، حتى أننا اليوم نرى في عادات المصريين ما هو فرعوني الأصل ومنها ما هو مسيحي، ومنها ما هو إسلامي الطبع، فقد عاشت الحضارة القبطية لما يزيد عن ألف ومائتي عام، بعد دخول المسيحية، كحضارة مصر الرئيسية، ثم ما لبثت أن امتزجت مع حضارة الإسلام مع القرن السادس الميلادي حتى اليوم.وعن المذاهب، ففي المسيحية يوجد الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليون (بمذاهبهم المتعددة) وسجل التاريخ وجوداً للإسلام الشيعي على أرض مصر في عهد الدولة الفاطمية (التي أنشأت أصلاً الجامع الأزهر معقل الإسلام السني اليوم)، ثم الإسلام السني حتى اليوم.

وفي القطب السني، لا غضاضة أن تكون حنبلياً أو مالكياً أو شافعياً أو حنيفياً، هذا معناه أن الساحة الوحيدة التي لا يمكن مراقبتها أو الحجر عليها هي ساحة الفكر والدين والضمير، فهي ساحة مطلقة السراح، وهل توحيد ساحة الفكر والدين لو استطعنا إلى ذلك سبيلاً _ هو الحل؟ لا بالمرة، فلا زال المؤرخون حتى اليوم لا يعرفون هل كان انضمام الإمبراطور قسطنطين للمسيحية وتوحيد الإمبراطورية كلها في هذا الاتجاه لعنة أم بركة!! وحينما قرر الفرعون "أخناتون" توحيد العبادة المصرية وإغلاق كل معبد مخالف لمذهبه وتكفير كل الديانات المغايرة تمزقت إمبراطوريته في حياته وانكمشت مصر داخل حدودها الإقليمية!! وحين انتهى زمن الاجتهاد بعد الخليفة العباسي "المتوكل" وسيطر الدين الواحد والقطب الواحد (الإسلام السني) سجل التاريخ تراجعاً للحضارة العربية لصالح الأتراك والألبان وغيرهم، ودخلنا نفق التخلف المظلم خلال العصور الوسطي!! هذه الأمثلة هي غيض من فيض، ويمكن سوق مزيد من الأمثلة. إذن، التعدد بركة، ولا يجوز نصرة دين أو ثقافة بالقوة على دين آخر، فكم بالأحرى حينما يكون ذلك دستورياً وقانونياً؟!!)
أما عن مفهوم الدستور كما قُصد له أن يكون , ومفهوم دين الدوله فلهما حديث آخر في الأسبوع المقبل .

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refatfikry@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٩ تعليق