بقلم / ماجد كامل
اليوم هو عيد ميلاد نيافة الحبر الجليل الأنبا موسي ال 83 ( أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية )  ؛ وعندما أتكلم عن الأنبا موسي فأنا أتكلم عن الإنسان  الذي كان من اوائل من علموني القراءة والكتابة ؛ فهو الذي شجعني علي القراءة واقتناء الكتب ؛ وهو أول من دفعني دفعا للكتابة عندما طلب مني وبشكل شخصي الكتابة في مجلات الأسقفية الثلاثة ( أغصان- رسالة الشباب الكنسي – الكلمة ) . وعندما قلت له يا سيدنا أنا لا أعرف أكتب ؛ قال لي " طيب أكتب ونتفاهم " وبالفعل بدأت بتشجيع من  نيافته في الكتابة ؛ وكانت البدايات الأولي في الكتابة خلال عام 1994 ؛ ومازلت أذكر أن أول مقالة كتبتها كانت تغطية  لأحدي ندوات مجموعة التنمية الثقافية ؛ أما ثاني مقال فكان عرض كتابه  الرائع " الشباب بين الانتماء والأغتراب " وكان كلما يراني في الندوات أو  المؤتمرات أو حتي اللقاءات الشخصية كان يقول " يا ماجد مقالتك في الشباب حلوة أوي " . ومثلما  دفعني  للكتابة ؛ دفعني أيضا للتكلم من خلال مجموعة الكورسات المتخصصة في التنمية الثقافية أساسا ؛ ثم في كورس تاريخ الكنيسة أحيانا . ومن شدة إيمانه بعشق القراءة عندي ؛ كان يقدمني في كل لقاء ويقول " ماجد ده دودة كتب " .

ولا أنسي عندما قدمني ذات مرة  للتعريف بكورس التنمية الثقافية أن داعبني وسط الشباب كلهم  قائلا " ماجد ده لو مسكتوه وعصرتوه ؛ ها تلاقوه بيشر كتب " ثم أضاف ليس له أي هواية إلا قراءة الكتب ؛ ثم عرض محتوياتها في المجلة عندنا  . ومن شدة إيمانه بمتابعتي الدائمة لكل جديد ؛ فاجاني ذات يوم وقال لي " ماجد عاوز نمرة تليفونك حالا " ثم قال  أصل فيه واحد فتن عليك وقال لي  أن ماجد ده أحسن واحد يجيب لك كتب يا سيدنا "  وعندما سالته طيب أي نوع من الكتب تريدها يا سيدنا ؛ قال لي بالحرف الواحد " ما تراه نافعا ومفيدا لي " . وأذكر جيدا أني أكثر من مرة سألته " أجيب لنيافتك الكتاب الفلاني " فكان يجيب بحسم  " ما تراه نافعا هاته وماتسألنيش "؛  وكان يسحقني في خجلي عندما يقدمني في المؤتمرات ويقول لكل الحاضرين " ماجد ده المخ بتاعي " بخليه يجيب لي كتب لي " .

وفي كل  لقاء كان يقدم لي مبلغ من المال " ويقول لي " ده  علشان الكتب " وعندما أقول له " معايا فلوس يا سيدنا " يقول لي " معلش خلي دول معاك حساب جاري تحت الحساب " .  وعندما كنت أمر ببعض الأزمات الشخصية كان يقف معي ( ومازال طبعا ) ويدعمني بكل الطرق الممكنة ؛ وما أزلت أذكر جيدا عندما مررت ببعض الظروف الصحية أن قال لي " ماجد تعال وهات معاك كل التحاليل  والروشتات الطبية اللازمة علشان نشوف الطبيب المناسب لك " ولقد غمرني بمحبته ذات مرة عندما  اتصل أمامي بأحد الأطباء وقال له " ماجد ده  أبننا ها أخليه يجي لك ورجاء تاخد بالك منه " . 

أما  عن بداية علاقتي بنيافته فهي ترجع إلي عام 1984 تقريبا  ؛ وكنت اخدم في كنيسة العذراء ارض الجولف ؛ وكان نيافته يشارك مع بعض رجال الأعمال في تقديم مشروعات لإيجاد فرص عمل للشباب العاطل  ؛ وكان مقر  الاجتماع هو كنيسة العذراء أرض الجولف . وكنت أفتح المكتب  الخاص بجناب الأب الورع المتنيح القمص يوحنا ثابت ( حيث كنت ضمن طاقم السكرتارية الخاص بقدسه ) .عندما يأتي مبكرا قبل حضور بقية أعضاء الإجتماع .  ثم تعمقت العلاقة أكثر عندما التحقت بالكلية الإكليركية خلال الفترة من ( 1984- 1987 ) ؛ وكان نيافته يدرس لنا مادة " اللاهوت الرعوي والتربية  المسيحية خلفا للمتنيح نيافة الحبر الجليل الأنبا بيمن أسقف ملوي ( 1930- 1986 ) . وما زلت أذكر أسم المذكرة جيدا " مقدمة في الرعاية الكنسية " . ولقد أبهرني حقيقة بطريقته في إلقاء المحاضرات ؛ فهو لم يكن يجلس علي كرسي الأستاذ  أبدا ؛ بل ينزل وسط  المدرجات والمحاضرة كلها عبارة عن مناقشات وطرح قضايا فكرية وشبابية ؛ وبعد التخرج من الإكليركية التحقت بمعهد الكتاب المقدس ؛ وكان المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث قد كلفه بتدريس مادة  " آثار الكتاب المقدس " . ثم مع تاسيس مجموعة التنمية الثقافية علي يد الأخ الحبيب الأستاذ سمير مرقس ؛ وأثناء مناقشة أحدي رسائل الدكتوراة الخاصة بأحدي الطالبات في قسم الاجتماع والتربية ؛ وبحضور المرحوم الدكتور سليمان نسيم (    1923- 1998 ) باعتباره المشرف علي الرسالة " ما زلت أذكر جيدا عنوان الرسالة وهي الفكر التربوي في رسائل القديس بولس الرسول " ؛ نوه نيافته الي اهتمام الأسقفية بالثقافة العامة ؛ وأشار إلي مجموعة التنمية الثقافية وقال انها مجموعة ثقافية تهتم بقراءة الكتب وعروضها ودعوة كبار المفكرين ؛ ثم أضاف  وسوف تجتمع المجموعة  يوم السبت المقبل في أحدي قاعات الأسقفية ؛ وهنا شعرت انني وجدت ضالتي  المنشودة ؛ فتوجهت لنيافته وقلت له يا سيدنا " عاوز أحضر المجموعة دي " قال لي " أهلا وسهلا " تعال أحضر السبت الجاي الساعة  السابعة  وقابل سمير مرقس وأتكلم معاه " .

ثم وصف لي مكان القاعة بكل دقة ؛ لتبدأ مرحلة جديدة ومؤثرة في حياتي حيث تعرفت بمجموعة من خيرة شباب الكنيسة مهتمين بالفكر والثقافة ودعوة كبار رجال الفكر في مصر ؛ وبفضلهم سمعت  وقرأت  لكل من (  وليم سليمان قلادة – السيد ياسين – انور عبد الملك – أحمد شوقي عالم الوراثة الكبير – الدكتور نبيل علي عالم المعلومات الكبير –  الدكتور رأفت عبد الحميد – الكاتب الكبير كامل زهيري - نبيل عبد الفتاح – الدكتور محمد عفيفي ......... الخ ) . 

ولن أنسي أبدا الجلسات الخاصة بالتحضير  لمجلات الأسقفية ( كانت غالبا في نهاية شهر ديسمبر ) وعندما كنت أقول لنيافته " أيه رأي نيافتك أكتب في  موضوعات كذا وكذا ) كان يجيب بحسم ( أشتغل ) فعرفت أنني أمام أب ومعلم يتيح الفرص لأصحاب الطاقات لكي يخدموا  . وطبعا كل خدام الأسقفية  لن ينسوا جلسات  المعايدة في عيدي الميلاد والقيامة  في مقر الأسقفية في تمام الساعة السابعة مساءا ؛ وكانت كل تربيزات الأسقفة عامرة بالحلويات  والمشروبات المرطبة ؛ وبعد نهاية الجلسة كان يداعبنا جميعا ويقول " شايفين الحاجات اللي علي الترابيزة دي ؛  "أنتم طبعا كلكم ناس كنسيين ؛ فعايزكم تكنسوا الحاجات دي كلها " . وفي الختام يوزع علينا كارت وكتاب العيد  مصحوبة بالدعوات الصالحة   ؛  وطبعا لن أنسي قداسات يوم الأحد بدير الملاك وكان يعقبها وجبة أفطار شهية  مع إتاحة الفرصة لعرض بعض المشاكل الشخصية العابرة ( المشاكل الكبيرة كان يخصصص لها جلسة منفردة بموعد مسبق ) . وعندما أرسل لنيافته برقيات تهنئة بمناسبة الأعياد أو أي مناسبة خاصة بنيافته كان يرد علي ويقول " شكرا ماجد الغالي " . 

   باختصار شديد عندما  أتكلم عن أنبا موسي فأنني أقول كلمة واحدة فقط " أبي وأفتخر " كل عام ونيافتكم بخير وصحة وسلام ويا سيدنا الأنبا موسي .