حمدي رزق
كنت أجلس أنا والوزيرة «نبيلة مكرم» فى أحد المطاعم، ووجدت مدير المطعم يقترب منها ويقول لها: هنا إحدى الموظفات فى المطعم عايزة تسلم عليكى.

لغاية هنا وعادى، ولكن عندما أزاحت الفتاة الصغيرة «الماسك» عن وجهها وقالت لها أنا (فلانة).. انتفضت الوزيرة واحتضنتها.. والبنت فى عينيها دموع.. وطبعًا الوزيرة!.

إيه الحكاية؟.. هذه الشابة الجميلة كانت تعيش فى إيطاليا مع والدتها، توفيت الأم فجأة وكان عمر الطفلة ٤ سنوات، ودخلت الطفلة إحدى دور رعاية الأطفال فى روما (تابعة للفاتيكان وتحت رعاية عمدة روما)، ولم يسأل أحد عنها سنوات وسنوات، وحين وصلت الطفلة عمر التاسعة، وصلت شكوى من جدها يبحث عنها إلى القنصلية المصرية، وبدأت قنصل مصر آنَذاك «السفيرة نبيلة» تبحث عن الفتاة فى كل مكان (بطول وعرض إيطاليا، من سيراكيوز إلى روما)، ولكن لرجوعها إلى مصر رفعت العائلة قضية، وكانت ممثل العائلة المصرية هى السفيرة نبيلة، إلى أن تسلمت السفارة الطفلة بعد جهد جهيد.

«البنوتة» لا تتحدث العربية، ومرعوبة من ترك مكانها وبيتها والرجوع إلى مكان مجهول بالنسبة لها، ولم يقف الدور عند هذا الحد، ولكن جمعت السفيرة نبيلة كل الأطفال (أولاد الدبلوماسيين فى السفارة للحفاوة بها) وحتى تتعود، ونسقت السفيرة مع منظمة الهجرة الدولية لدفع مصروفات المدرسة الإيطالية فى مصر لتطمئن على استكمال مراحل تعليم الفتاة.

وجاءت اللحظة وتسلمت السفيرة نبيلة «البنوتة» وهى فى حالة من البكاء والخوف مِن كل مَن حولها فى دور الاستضافة حتى وصولها للمطار!.

الشابة المصرية الآن مشرفة جميلة قوية، ولكن حضنها لنبيلة بالأمس كان حضن أم.. ساعات كده بييجى خير يتعمل فى إطار عملك ممكن تعمله لأنه عمل، وممكن تعمله من قلبك.. ويبقى خير وزرع يرتوى على مر الأيام.

برافو لقيادة نسائية فى خارجيتنا العظيمة، فى ذلك الوقت خدمت من قلبها وليس فقط لأنه عمل.

مغرم باللمحات الإنسانية المقتنصة فى طريق الحياة الصعيب، تنم عن نبل نفتقده كثيرًا فى زمن الجفوة والتنكر والأنانية و«الأنامالية».

نبيلة الوزيرة نبيلة.. ما يصدر عنها من لمحات جد مدهشة، وما هو منشور أعلاه وعلى لسان الراقية «مايا مرسى»، رئيسة المجلس القومى للمرأة، دليل رقى ونبل وإنسانية ليست مستغربة على وزيرة تصل الليل بالنهار لتلبية حاجات المغتربين، وفى هذا تُروى حكايات فوق الخيال.

الدرس أن تكون إنسانًا، أعظم مهمة فى الحياة، «تكليف إلهى» أن تكون إنسانًا عطوفًا راقيًا، أن تكون فى عون الإنسان، سيما لو كان ضعيفًا لم تنمُ جَوَانِحُه بعد ليقوى على الطيران فى أجواء الحياة القاسية.

مثل هذه الصور الرحيمة ترطب حرور الحياة، وتقول فيه إنسانية مدخرة فى القلوب الطيبة، أن تكون إنسانًا تحصد محبة فى قادم الأيام، تحصد نبيلة زرعتها حضن محبة لا زيف ولا رياء.. والله محبة.
نقلا عن المصرى اليوم