د.جهاد عودة
الوعي عمليه معقدة ومتدرجة فى التعقيد وهى  مرتبطة بلحظات تاريخية تنعكس فيها هموم ودرجات المعرفة بالواقع الملموس الذى يتسم بنوع من الاجبار والواقع المفارق لتصورات اخرى فى ذات اللحظه.  وزخم العلاقة  بين هذين النوعيين للواقع بمعنى انهما موجدين فى نفس اللحظه التاريخيه تشكل مسار الاختيارات المختلفه للوعى على مستويات الفرد والجماعه  الصغيرة واجبار الدولة واجبار السياق الدولى والتراضى العولمى. الوعى دائما يقظ ولكن السؤال المهم هو نمط اليقظه ؟ 

هل هى يقظه بقصد التغلب على الخطر او يقظة محلها الادراك دون ان تمتد الى الفعل السلطوى او يقظه محلها الشعور والعاطفة دون ان تمدد الى الادراك وتحديداته او الفعل السلطوى. والمعضلة الوعى دائما تتمثل فى المفارقة بين نمط اليقظة ومستوى الاختيار.

 فكثرا نجد مفارقات عنيفه تسبب مشكلات عويصة فى السياسات العامة نمط اليقظة ومستوى الاختيار.  كان  ماركس يعتبر الوعي هو ذلك البناء الفوقي الذي تتجلى فيه جميع الأنشطة الإنسانية، ويرى أنه لا نستطيع إطلاقا أن نتمثل الوعي في معزل عن الأوضاع الاجتماعية وبالتالي علاقات الإنتاج. فالناس يدخلون في علاقات إنتاج معينة خارجة عن إرادتهم، تولد عندهم درجات متنوعة من الوعي.

ومن هذا المنطلق يقول ماركس "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم." إلا أن ماركس لا يعتبر الوعي انعكاسا سلبيا للواقع، لأنه يؤمن بوجود علاقة جدلية فيما بينهما:

 فالوعي يمكنه أن يؤثر في الواقع ؛ فإما أن يساهم في تغيير الواقع (الوعي الصحيح)، وإما أن يساهم في تكريسه (الوعي الزائف). أما نيتشه     Nietzsche فيرى أن بالإمكان أن يعيش الإنسان حياته في استقلال عن الوعي تماما. لما كانت الحياة البشرية معرضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من أجل البقاء اضطر الإنسان أن يعبر عن نفسه في كلمات، ومن ثمة يكون نمو اللغة ونمو الوعي متلازمين.

هكذا اختلق الإنسان لنفسه أوهاما أصبحت تؤطر حياته وأضفى عليها صبغة حقائق تقنن واقعه (كالواجب والمسؤولية، والحرية …إلخ). فالحقائق في العمق ليست إلا أوهاما منسية. أما فرويد Freud فينظر إلى حياتنا نظرة مخالفة تماما. فالحياة الإنسانية عنده أشبه بجبل الجليد iceberg (ما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي)؛ ومن ثمة نكون مخطئين جدا إذا نسبنا كل سلوكاتنا إلى الوعي، لأن "كل هذه الأفعال الواعية، سوف تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى الزعم بأنه لا بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا …"(فرويد) ؛ فكثير من السلوكات لا تفهم إلا إذا أرجعناها إلى الجانب الأساسي من حياتنا النفسية وهو اللاشعور.

وكتمثل توفيقي نستطيع القول بأن الحياة الإنسانية حياة مركبة، حيث يلعب فيها كل من الوعي واللاشعور دورا مركزيا. فإذا كان اللاشعور ضروريا لتفسير كثير من السلوكيات خصوصا منها المنحرفة والمرضية والشاذة، فإنه لا يجب أن ننسى بأن الحياة الإنسانية حرية وإرادة ومسؤولية، حيث يختار الإنسان كثيرا من سلوكاته بكامل الوعي.

اى نظام سياسى  فى العالم الان هو نظام فى ازمة  وهذه الازمة يوثر بشكل حاسم على صياغة السياسات العامة وبالتالى نمط اليقظة بالخطر ومستوى الاختيار .

فى النظام العالمى فى هذا النظام يمكن تعريفه انه نظام المأزوم  اجتماعيا واستراتجيا لتوافر ثلاث عوامل مجتمعة:

 1- توالد وتعاقب الازمات 2- واراتباط ازمات  الداخلية مع ازمات الخارجية 3-والتطور التعقيدى للازمات. فى قول محدد النظام  العولمى المأزوم.  والمأزوميه تعبر عن تقصير بنائى  وعجز جوهرى و متراكم  وكثيف للمنطق المسير للنظام الكلي.  بشكل عام هناك اربع مفاهيم للازمه :

1- ازمه  السياسه الخارجيه وهى مرتبطه بقرار السياسيه الخارجيه، 2- الازمه الممتده الطويله وهى تعبر عن التفاعلات لمده طويله زمانيا كما حدث بين الحربين الاولى والثانية وحاله الصراع العربى الاسرائيلى، 

3- الازمه الاستراتجيه وهى تعبير عن انقطاع فى عمليه  التفاعل،  وهذا الانقطاع قد يولد حاله جديده او يولد حاله من الانقلابات التفاعليه،

4- ازمه  الكلية للنظام  التى قد تولد نظام مختلف من رحم النظام القديم    او حاله من العجز  واستمرار انهيار النظام الكلى.    فى هذا الوضع العالمى المأزوم  بسبب انهيار النظام الليبرالى العالمى الذى ظل يحكم العالم من 1945 الى 1990 ومنذ ذالك الحين وجدنا اشكال مختلفه من المغاليه قصيره النفس سواء عند المحافظين الجدد او اتباع امريكا اولا او عند الاوتقراطيين الجدد فى الصين وروسيا ومن تشبه بهم. ومع  الازمه العالميه للكوررنا ازداد عجز النظام الدولى وصارت اركان النظام غير قادر على  حمل ذاته .

فى هذا الوضع  خفت الوعى بالخطر وصارت الاختيارات من المستويات المختلفة شبه متساوية. ويرجع ذالك الى انتشار الافكار الشعبيويه  دون ان تتجسد فى اديلولوجيه صالحه للقرن الواحد والعشرين فى ظل ركود عالمى خانق ولا  يسمح بالكساد لتغيير النظام العالمى. فالدول  الاوتوقراطية الجديدة لا يمكن تدير العالم  اعتمادا فقط على قدره اقتصاديه وماليه  فى ظل سحق كامل للتعدديه الفكريه والمذهبيه وامبريالية سكانية .

فالعالم بما فيها  دول العالم الثالث صار يتسم  بخفوت الوعى بالخطر .  هناك نوعين من الوعي الذاتي ، الخاص والعام. الوعي الذاتي الخاص هو الميل إلى الاستبطان وفحص الذات الداخلية والمشاعر.

 الوعي الذاتي العام هو وعي بالذات كما يراه الآخرون. هذا النوع من الوعي الذاتي يمكن أن يؤدي إلى المراقبة الذاتية والقلق الاجتماعي. يُنظر إلى كل من الوعي الذاتي الخاص والعام على أنه سمات شخصية مستقرة نسبيًا بمرور الوقت. تؤثر مستويات الوعي الذاتي المختلفة على السلوك ،

لأنه من الشائع أن يتصرف الناس بشكل مختلف عندما "يفقدون أنفسهم في حشد من الناس". التواجد في حشد من الناس ، أو التواجد في غرفة مظلمة ، أو ارتداء ملابس تنكرية ، يؤدي إلى إخفاء الهوية ويقلل مؤقتًا من الوعي الذاتي  انظر إزالة التمييز. يمكن أن يؤدي هذا إلى سلوك غير مقيد ،

وأحيانًا مدمر. فالسياسات الشعبويه واعلامها نتيجه ازمه الركود العالمى تؤدى الى احساس عميق بسلب الشخصيه  والاهميه . بالتالى  صار من الصعب تسطيح منحى الكرورنا للخروج من الازمه. لان هذا المنحنى لن يتم تسطيحه لا فى اطار نهضه  الوعى الذاتى العام. فانهيار الوعى الذاتى العام لن يساعد الى على نمو النمو الفاشى العام للمشاعر وانتشار الاوهام  كما قال بها نتيشه.

الوعي بالذات هو إحساس مرتفع بالوعي الذاتي . إنه انشغال بالنفس ، على عكس الحالة الفلسفية للوعي الذاتي ، وهو الوعي بأن الفرد موجود ككائن فردي ، على الرغم من استخدام المصطلحين بشكل شائع بالتبادل أو بشكل مترادف .  قد يحدث شعور مزعج للوعي الذاتي عندما يدرك المرء أنه يتم مراقبته أو ملاحظته ، والشعور بأن "كل شخص ينظر اليه". بعض الناس عادة أكثر وعيًا بالذات من الآخرين وهذا مرتبط  بالمشاعر المزعجة للوعي الذاتي  كالشعور بالخجل أو بجنون العظمة .عند الشعور بالوعي الذاتي ، يصبح المرء على دراية حتى بأصغر أفعاله. مثل هذا الوعي يمكن أن يضعف قدرة المرء على القيام بأعمال معقدة. يعتقد أن مرحلة المراهقة هي مرحلة من الوعي الذاتي المرتفع. قد يكون الشخص الذي لديه ميل مزمن نحو الوعي الذاتي خجولًا أو منطوًا .

ويعرف عن هتلرخجله    .على عكس الوعي بالذات ، الذي يكون في السياق الفلسفي يدرك نفسه كفرد ، فإن الوعي الذاتي ، والوعي المفرط لمظهر المرء أو أسلوبه ، يمكن أن يكون مشكلة في بعض الأحيان.  كما  نشاهد عند ترامب وقيادات عالميه عده غالبًا ما يرتبط الوعي الذاتي بالخجل والإحراج ، وفي هذه الحالة يمكن أن يؤدي إلى الافتقار إلى الكبرياء وقلة احترام الذات . مفهوم امريكا اولا قائم المحافظه على  الكبرياء واحترام الذات . واظهرت ازمه كرورنا اهتزاز القيادة الامريكية.

وملخص القول انه يمكن تصنيف الوعي إلى أصناف  خمس هي: 1- الوعي العفوي التلقائي ، وهو ذلك النوع من الوعي الذي يكون أساس قيامنا بنشاط معين، دون أن يتطلب منا مجهودا ذهنيا كبيرا، بحيث لا يمنعنا من مزاولة أنشطة ذهنية أخرى. 2-الوعي التأملي ، وهو على عكس الأول يتطلب حضورًا ذهنيًا قويًا، ويرتكز على قدرات عقلية عليا، كالذكاء، والإدراك، والذاكرة…

 ومن ثمة فإنه يمنعنا من أن نزاول أي نشاط آخر. 3- الوعي الحدسي ، وهو الوعي المباشر والفجائي الذي يجعلنا ندرك أشياء، أو علاقات، أو معرفة، دون أن نكون قادرين على الإتيان بأي استدلال. 4-الوعي المعياري الأخلاقي،  وهو الذي يجعلنا نصدر أحكام قيمة على الأشياء والسلوكات فنرفضها أو نقبلها، بناء على قناعات أخلاقية. وغالبًا ما يرتبط هذا الوعي بمدى شعورنا بالمسؤولية تجاه أنفسنا والآخرين.

5- الوعى بالمأزومية ، وهى الحالة التى تتطلب العمل داخل وخارج النظام فى آن الوقت .  المأزومية هى مسألة مرتبطه يالنخبه العريضه والقدره على التفاعل  فى ‘طارها لاحداث  نظام جديد  من خلال القدره على التفاعل العالمى.