عبد الرحيم شحاته
من السذاجة أن أتوقع أن يقوم تاجر الدين بلملمة بضاعته والانزواء داخل دور عبادته والانكفاء على عمله وحرفته بسكون وهدوء .

ولا أكون حصيفا إذا انتظرت منه مراجعة ذاتية لما نشره وبثه داخل المجتمع بوحى من ضمير أو وازع من أخلاق ...

تاجر الدين لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون طرفا في أى معادلة تنويرية تحديثية لأى مجتمع وفى أى معتقد ، لأنه وببساطة كبيرة سيكون أول المتضررين من هذا التحديث وأول الخاسرين من ذلك التنوير ...

فأى تنوير وأى تحديث سيسلبه كل امتيازاته ويحرمه من كل عطاياه ، ويعيده مواطنا عاديا يمتهن مهنة رجل دين مثله بالضبط كرجل المطافي ورجل الإسعاف وإن كان الأخيران ينقذان الأرواح والأبدان ....

تاجر الدين هو أول المنتفعين بحالة التردى والجمود والتخلف لأنها تعتبر البيئة الخصبة والمرعى الوفير الذى يعيش ويقتات منه وعليه ، لذا فمن مصلحته وضرورة بقائه أن يبقى على التخلف ويكرس الجهل ويؤصل الجمود ......

فى أى مجتمع حر متقدم يكون القانون هو الحاكم والمهيمن على ما سواه بما فيه الدين نفسه والسلطة الحاكمة ولكن الحال ينعكس وتنقلب الأوضاع فى مجتمعات القرون الوسيطة ، فيحكم الدين ويهيمن على أدق تفاصيل حياتك ، كعلاقتك الزوجية أو حتى دخولك دورة المياه .....

يمارس الناس الدين فى كل المجتمعات السليمة بشكل بسيط وهادئ دون تشنج ودون توتر ودون مظهرية ، يمارس دينه وشعائره بهدوء داخل دور العبادة ثم يخرج للحياة بعقله وبعلمه وليس بايمانه ومعتقده ولا يسمح لرجل الدين الذى كان يتلقى على يديه البركات منذ قليل أن يتدخل فى شأن من شئونه ولا أن يزعجه فى أمر من أمور حياته الخاصة ....

هذه مجتمعات صحيحة سليمة تنمو وتتطور وتتقدم بينما نحن نعيش فى مجتمعات معتلة مريضة تمرض وتتخلف وترفض حتى أن يقدم لها العلاج وأن تتلقى الرعاية السليمة .