الأقباط متحدون - ..واعلم أن الأزهر ليس أزهرك وحدك
  • ٠٦:٠٣
  • السبت , ٨ يوليو ٢٠١٧
English version

..واعلم أن الأزهر ليس أزهرك وحدك

مقالات مختارة | بقلم : حمدي رزق

٠١: ٠٨ م +02:00 EET

السبت ٨ يوليو ٢٠١٧

 حمدي رزق
حمدي رزق

 يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، اصطبحنا واصطبح الملك لله، أقر وأعترف أن معالى المستشار الجليل محمد عبدالسلام متخصصٌ فى التشريع وصياغاته، أليس هو المستشار التشريعى للإمام الأكبر شيخ الأزهر الجليل، ولكنى لاحظت أن بعضَ الأزاهرةِ لا يعترفون بتخصص المستشار عبدالسلام التشريعى، فالرجل «كتر خيره» رد على مقالٍ كتبته ناقدًا مشروع قانون «مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين»، وكان ردُه ماتعا فارها، فلم أجد أمامى من بُد إلا أن أرد على رد المستشار الماتع، والماتع هنا أقصد به بالطبع رد المستشار لا المستشار ذاته.

 
ومع ذلك فيبدو أن ردَهُ- رغم تقديرى له- لم ينل إعجاب بعض الأزاهرة! خاصة أن ردى عليه كان منطقياً، لذلك أراد أحد المتخصصين فى التشريع والدستور بجامعة الأزهر أن يُساند أخاه المستشار التشريعى فأرسلَ رداً يردُ به على ردٍ ويُساند به ردا، فيسعد الجميع أمام شيخنا الجليل الإمام الأكبر.
 
وأنا على يقين أن الدكتور أحمد عبدالحسيب السنتريسى، الذى أرسل الرد الذى نُشر أمس الأول، لم يدفعه أحدٌ للرد، ولكن دفعه ضميره وواجبه كمدرس شاب فى القانون الإدارى حصل على الدكتوراه من كلية الحقوق جامعة المنوفية، وقت عمادة الإخوانى محمد محسوب لها!، وهو الآن لنبوغه فى تخصصه يشغل وظيفة مدرس القانون الإدارى والدستورى فى كلية الشريعة والقانون فرع جامعة الأزهر بطنطا، والذى دفعنى أن أسرد سيرة هذا الرجل الذى أرسل الرد «الفاره» هو أنه من قرية «جناج» مركز بسيون غربية، والتى تربطنى بواحد من أهلها الكرام من آل «بدوى» صلة قوية.. فاهم طبعاً!.
 
المهم ضميره هو الذى دفعه للرد لمؤازرة معالى المستشار التشريعى، وهذه هى الأخوة التى نرجوها من الجميع، مؤازرة الأخ لأخيه، ونسأل الله أن يشغل الأخ عبدالحسيب فى المستقبل القريب موقعاً يتناسب مع قدراته، فهو الأحق بأن يكون أستاذاً مساعداً، هل انتهينا من الترحيب.. تهليل.. تكبير.
 
لندخل فى صلب الموضوع مباشرة لأننى فى الحقيقة أتعجب من تلك النغمة التى يرددها القريبون من الإمام الأكبر شيخ الأزهر الطيب المتحلقون من حول العمامة، نغمة أن هناك أفرادا شريرين يتربصون بالأزهر وبشيخ الأزهر! والأخ عبدالحسيب حسبنى من ضمن المتربصين الذين يريدون هدم الأزهر!.
 
والأخ عبدالحسيب لأنه غيورٌ على الإسلام لذلك هو غيورٌ على الأزهر، ولأنه غيورٌ على الأزهر لذلك فهو غيور على شيخ الأزهر، ولأنه غيورٌ على شيخ الأزهر لذلك فهو غيورٌ على المستشار التشريعى لشيخ الأزهر، ولأنه غيورٌ على المستشار التشريعى لشيخ الأزهر لذلك فهو غيورٌ على رد المستشار التشريعى لشيخ الأزهر، فأرسل رداً حسبه نافعاً، قربى لمستشار فضيلة الإمام!.
 
يا مولانا الشاب اعلم أن الإسلامَ ليس دينك وحدك، ولكنه دينك ودينى ودين أهلى ودين أهلك ودين الأزهر، واعلم أن الأزهر ليس أزهرك وحدك، ولكنه أزهرنا وأزهر الأمة كلها وسنظل نفتخر بما قدمه للأمة طوال القرون الماضية، ولا تظن يا مولانا أننا نتربص بالأزهر وأننا من «أهل سوء النية»، وأنك ومعالى المستشار التشريعى محمد عبدالسلام «أهل النية الطيبة» وتريدان أن تدفعا عن الأمة شر أهل سوء النية.
 
وقد قرأتُ ردَكَ ببالغِ الأسفِ وأنت تتهمنا بالتربص فقلتَ «ومن الردود ما ينطلق من تربصٍ مسبقٍ بالأزهر كمؤسسة وبشيخه الأكبر وبمن يتشرفون بالعمل معه».. تقصد طبعاً معالى المستشار التشريعى الجليل، ثم قلتَ «وكأنها- أى المناقشات للقانون- محاولة ممنهجة لمعاقبة المؤسسة الأزهرية على مبادرتها الوطنية، بتعريض مباشر بها وكأنها المؤسسة التى تتربص بالحريات وتهدد كل صاحب رأى بالعقاب».. هايل، بارك الله مسعاكم.
 
ثم قلتَ عن ردى بأنه «والذى بدأه رزق بمقال حادٍّ وجَّه فيه أصابع اتهامٍ للمستشار وللأزهر بالسعى لهضم الحريات ومصادرتها» وفى النهاية تقول عن الأزهر «أما محاولات منعه من التعاطى مع قضايا مجتمعه والاشتباك معها ومصادرة رأيه واستغلال كل شاردة فى كيل الاتهامات له والتعريض به وبالقائمين عليه، فلو كانت نجحت طوال ألف عام لربما كان لدى المتربصين بصيص من أمل اليوم».
 
يا أخ، يا رجل القانون الإدارى اعلم أنك بما كتبتَه تكون قد ارتكبتَ جريمةَ «الحضِ على الكراهيةِ»، ونَسبْتَ لى أموراً لو صحت لوجبت احتقار بنى قومى لى أنا العبد الفقير لله، وهذه جريمة قذف متكاملة، يا مولانا ألا تعرف أنك بما كتبته عرَّضت بى واتهمتنى اتهاما يكاد يكون صريحاً بأننى أتربص بالإسلام!.
 
حاول ان تفهم، لأنك تقول إن المتربصين بالأزهر طوال ألف عام لم ينجحوا، وهذا صحيح، ولكن مفاد كلامك أن هذا التربص لأنهم لم ينقموا من الأزهر مثلا لأنه جامعة علمية فريدة، أو لأنها منارة لعلوم الطب والهندسة مثلا، ولكن المُستفاد أنهم تربصوا بالأزهر لأنه يقوم بتدريس علوم الدين، إذن فأكون أنا أو غيرى عندما نوجه نقدا بحُسن نية لرجلٍ يعمل فى الأزهر نصبح من أعداء الإسلام وفقا لردك، وهذا حضٌ على الكراهية مُتسترا بالدين واتهامٌ نأسف أن يصدرَ من رجل قانون.
 
وإن كان عذرك أنك حديث عهد بالقانون، ولأنك جديد على الصنعة، فاعلم أنه إذا حَدَثَ ورفعتُ عليك قضية «حض على الكراهية» فإنك لن تستطيع أن تُدافع عن نفسك أبدا بحرية الرأى والتعبير والنشر وحقك فى النقد، لماذا لن تستطيع الدفاع عن نفسك بتلك الحريات؟ لأن المادة الرابعة من قانون أستاذك المستشار التشريعى الجليل يمنعك من ذلك وفقاً لنصها الذى يقول: «لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأى والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأى قولٍ أو عملٍ ينطوى على ما يخالف أحكام هذا القانون».
 
ولكن لفت نظرى فى ردك أنك اعتقدت أنك أستاذ فى الأوعية الدموية أو الهندسة النووية أو الكيمياء الحيوية لأنك تحدثت عن التخصص وقلت كلاماً كبيراً عن أننى دخلت فى غير فنى وأننى لم أفهم كلامَكُم يا أهل التخصص، وأن هناك مشقة بالغة فى مناقشتى.
 
والله صعبت علىّ يا متخصص بسبب هذه المشقة، لكن اسمعها منى واعتبرنى «أخوك الكبير» التخصص الذى يُسكت غير المتخصص إنما يكون فى العلوم الطبيعية والعلوم التطبيقية، أما العلوم الإنسانية والاجتماعية فهى مِلكٌ للإنسان، يفهمه ويعبر عنه وفقا لمعرفته العامة ولخبراته فى الحياة وقدرته على الاستدلال، واسمع منى لتستفيد، ويستفيد مستشار الإمام باعتباره من كلفك بالرد وسهر على نشره.
 
فى يوم من أيام سنة 1993 كنتُ أُجرى حواراً صحفياً مع نقيب المحامين الراحل العظيم أحمد الخواجة بخصوص صدور قانون النقابات المهنية الموحد، وكان فى الجلسة بعض النقابيين من مهن مختلفة، طب وهندسة ومحاسبة، وكان الحوار حواراً قانونياً، وكل واحد من الجالسين غير المتخصصين بيبدى رأيه، ولمَّا واحد من المحامين قال كلمة معناها «سيبوا الأمر لأهل التخصص القانونى»، فوجدتُ الراحل العظيم أحمد الخواجة يوجه الكلام لهذا المحامى وقال له: هىّ فايدة كامل عضو مجلس الشعب متخصصة فى القانون والتشريع؟ ولا فرخندة حسن أستاذة الجيولوجيا لها علاقة بالقانون، ولا جمال أسعد عبدالملاك والدكتور حمدى السيد ولا ولا ولا، يا أستاذ، ثمانون فى المائة من أعضاء الهيئة التشريعية لم يدرسوا القانون ولم يحصلوا لا على ليسانس ولا ماجستير ولا دكتوراه، ومع ذلك مهمتهم هى صياغة التشريعات وضبطها.
 
فما كان منى إلا أن لقطت اللقطة وسألته: وكيف يعرفون صياغة التشريع؟ فقال الخواجة العظيم: القانون بضاعته المنطق، القانون علم الإنسانية والإنسان، ستجد فكرى الجزار الفلاح الفصيح مثقفاً وفاهماً وخبيراً فى الحياة، لذلك هو أفضل الناس فى فهم القانون، لأن القانون يصدر لكى يفهمه الناس ويطبقونه على أنفسهم قبل أن تطبقه عليهم الدولة، وكل أمر غير منطقى هو غير قانونى، والإنسان الذى ليس له منطق لا يمكن أن يفهم القانون حتى ولو كان حاصلاً على الدكتوراه من «السوربون»، والإنسان الأمى الذى له منطق سليم سيفهم فى القانون أفضل من أكبر المتخصصين.
 
أما الأمر الثانى يا مولانا فهو أنك ضربت مثلاً بمادة فى قانون إماراتى وهى المادة الثالثة، والقانون الإماراتى صادر عام 2015 ووضَحَ من التشابه بين النصين «الرابعة» عندنا و«الثالثة» عندهم أن سيادة المستشار التشريعى للإمام الأكبر نقلها من أهل الإمارات نقل مسطرة مع بعض التصرف، وكنت أتمنى أن ينقلوا هم منا، ورحم الله السنهورى الذى وضع تشريعات الكويت وبعض الدول العربية، وأطال الله عمر الدكتور إبراهيم درويش الذى وضع دساتير معظم الدول العربية، ولكن أن ننقل من قوانين الإمارات وتستشهد فهذا عيب والله عيب، ثم هل قانون الإمارات أصبح حجة علينا وعلى الفهم الصحيح للقانون!.
 
لكن كله كوم وكلامك المتناقض كوم آخر، فأنت مرة هنا ومرة هناك، مرة يمين ومرة شمال، لدرجة أننى وجدتك دون أن تقصد تهدم النص محل الجدل بالكامل، فتقول: «محاولة المتخوفين من القانون أو المنتقدين لبعض نصوصه، ومنهم الأستاذ رزق، الحصول على صكِّ ضمانٍ من النُّصوص خشيةَ التَّغوُّل أو سُوء النية أو.. أو، هى محاولةٌ مشروعةٌ ولا غضاضة فيها»، عظيم يا مولانا، يعنى الذى كتبتُه لا غضاضة فيه عندك، خلاص استبينا، ثم تقول «لكنى أود أن أذكرهم أنَّ النصوص وحدها لا تقيم عدلًا»، صحيح عندك حق «وإنَّما العدل يقيمه قضاةٌ عدولٌ أقسموا وتَربَّوا على الحكم بالعدل»، كلام معقول ماقدرش أقول حاجة عنه، فالقاضى هو الضَّمانة الأساسية حين تغمُّ أو تتَّسع أو تلتبس النُّصوص، كما لا يخفى على أحد أيضًا أنَّ «كلَّ الحقوق والحريَّات يجوز تنظيمها تقييدًا واتساعًا شريطةَ ألَّا يؤدى التنظيم إلى مصادرتها» هذا والله عظيم، القاضى هو الضمانة حين تغم أو تتسع أو تلتبس النصوص.
 
ولكن بالله عليك يا صديق المستشار التشريعى، لماذا نجعل نصوص القانون «تغُم وتتسع وتلتبس»؟ لا أريدك أن تقول لى لأنك تريد من القضاء أن يقوم بدوره كضمانة!، إيه النباهة دى، إيه الفصاحة دى، وبعدين انتظر، تمهل، أنا سمعتك هنا تقول كلاماً ضد المادة الرابعة تماماً، تنسفها نسفاً، هى المادة الرابعة أليست من صنع مستشاركم الجهبذ، هل أنت متأكد أنك صديق للمستشار محمد عبدالسلام، المستشار التشريعى الجليل للإمام الأكبر.. وأنك تريد مؤازرته؟ إذا كان ذلك كذلك وأن كل الحريات والحقوق يجوز تنظيمها شريطة ألا يؤدى التنظيم إلى مصادرتها، فلماذا تقوم المادة الرابعة بمصادرتها ومنعها وشطبها من حقوق الدفاع؟! ليس بتنظيمها يا مولانا ولكن منع التمسك بها أمام المحكمة منعاً تاماً وباتاً!.
 
وكلمة فى ودنك يا دكتور، لا تشخصنوا الإسلام فى رجل، فالإخوان فعلوا ذلك، وأنت عارف، ولا تشخصنوا الإسلام فى مؤسسة أو هيئة، فالإخوان فعلوا ذلك، وأنت سيد العارفين ومُطلع إخوانيا، فشيخ الأزهر هو الإمام الأكبر أحمد الطيب له قدره وقيمته عندنا كلنا، إلا الإخوان والتابعين والخلايا النائمة، ولكن عندنا شيخ الأزهر ليس هو الأزهر، كما أن الأزهر له مكانته وتاريخه الذى لا ينكره أحد، ولكن مع ذلك فالجامع الأزهر ليس هو الإسلام، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، والرسول، صلى الله عليه وسلم، هو الذى كان يُمثل الإسلام.. يا ريت تشرح ذلك لأخيك عبدالسلام.
 
أما عن باقى ردك فقد حاولت أن أجد كلاماً أرد به عليه فلم أستطع لأننى لم أتعود الرد على موضوعات التعبير، فأنت يا مولانا الدكتور الشاب تكلَّمتَ كثيراً ولكنك فى النهاية لم تقل شيئاً.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع