الأقباط متحدون - فيه حاجة غلط!
  • ١٨:٣٧
  • الخميس , ٢٩ يونيو ٢٠١٧
English version

فيه حاجة غلط!

مقالات مختارة | عبد الناصر سلامة

٣٥: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ٢٩ يونيو ٢٠١٧

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

 بالتأكيد هناك شىء ما خطأ فى ذلك الخبر الذى أراه غريباً من كل الوجوه، سياسياً وقضائياً وأمنياً واجتماعياً. الخبر يقول:

 
«إخلاء سبيل أستاذ بجامعة طنطا بكفالة ٢٠ ألف جنيه بسبب تأييده مصرية تيران وصنافير»! وفِى متن الخبر جاء التالى: «قررت غرفة المشورة بمحكمة أول طنطا، إخلاء سبيل أستاذ فى جامعة طنطا، بكفالة مالية قدرها ٢٠ ألف جنيه، بعد اتهامه بنشر رأى له بتأييد حكم محكمة القضاء الإدارى بمصرية جزيرتى تيران وصنافير.
 
كانت الأجهزة الأمنية بالغربية ألقت القبض على الدكتور أبوبكر بحيرى (٥٩ عاماً) أستاذ الأنف والأذن والحنجرة بمستشفيات جامعة طنطا، بعد نشر رأيه على مواقع التواصل الاجتماعى بتأييد حكم محكمة القضاء الإدارى، بشأن مصرية الجزيرتين، ومطالبته بتنفيذ الحكم واحترامه وعدم إهدار حجية القانون، حيث قررت النيابة حبسه على ذمة التحقيقات، بينما طالب دفاع المتهم بالإفراج عنه استنادًا لمواد الدستور والقانون التى كفلت لكل شخص حرية إبداء رأيه سلميًا بكل أوجه التعبير».
 
أعتقد مبدئياً أن هناك أمراً ما خطأ أو غير واضح فى هذا الخبر، ذلك أن الأوضاع لدينا من المفترض أنها لم تصل حتى الآن إلى هذا القدر من السوء، لذا كان يجب صدور بيان إما عن طريق الأمن أو عن طريق النيابة يوضح حقيقة الواقعة، لكن ذلك لم يحدث رغم مرور أكثر من أسبوع على النشر، وهو ما يؤكد أن الخبر صحيح، وهو كارثة فى حد ذاتها! لا تشير فقط إلى أن هناك شيئاً ما خطأ، وإنما تؤكد أننا نسير عموماً فى الطريق الخطأ، ليس لأن نسبة كبيرة من الشعب تؤيد الموقف نفسه المتعلق بمصرية الجزر، وليس لأن غالبية المترددين على مواقع التواصل الاجتماعى يسجلون هذا الموقف علنية، وإنما لارتباط ما جرى بالحجر على ممارسة سلمية لم تصل إلى حد التظاهر فى الشارع الممنوع بحُكم القانون، أو حتى التحريض الممنوع هو الآخر.
 
بهذا المنطق المتعلق بحبس أستاذ الجامعة أو الإفراج عنه بكفالة مالية، سوف يكتشف المتابع لمواقع التواصل الاجتماعى أن هناك عشرات الملايين من الشعب يجب حبسهم أو تغريمهم كفالة مالية، ذلك أن التأييد الشعبى لحكم مجلس الدولة لم يسبق له مثيل فى تاريخ مصر، كما أن الاعتراض على التجاهل الرسمى للحكم قد وجد هو الآخر اعتراضاً شعبياً غير مسبوق، بينما لاقت جلسة مجلس النواب المتعلقة بالقضية سخطاً جماهيرياً لا مثيل له أيضاً، وبالتالى وانطلاقاً من واقعة طنطا كان يجب حبس كل هؤلاء الناس الذين يمثلون معظم الشعب، وإلا فنحن أمام تقصير أمنى كبير!
 
حاولتُ كثيراً إيجاد تفسير آخر لما جرى مع أستاذ جامعة طنطا بخلاف ذلك المتعلق بالتعبير عن الرأى، قد يكون عملية اضطهاد من جهات الأمن لذلك الرجل تحديداً، قد يكون مجرد رسالة للآخرين بألا يُعبّروا عن رأيهم تجاه هذه القضية، قد يكون تصفية حسابات شخصية مع الرجل من شخص ما هنا أو هناك، قد يكون وقد يكون... إلا أن النيابة حينما أصبحت طرفاً فى الموضوع كان يجب أن يختلف الأمر، النيابة التى حبست فى البداية قبل أن تأمر المحكمة بالإفراج بكفالة، وهو ما يشير إلى أننا أمام عملية متكاملة الأركان تطرح عدة تساؤلات أهمها: هل صدر قانون ما فى غفلة من الزمن يمنع الإدلاء بالرأى، بما لا يتوافق مع الموقف الرسمى، هل استندت النيابة إلى قوانين استثنائية غير معلومة للعامة، هل هناك حالات مشابهة أخرى فى الحبس لم تنل حظها من النشر، هل أصبحت الإشادة بالأحكام القضائية من قبيل المحرمات؟!
 
وكم ذا بمصر من مضحكات أيها السادة، إلا أننا أمام قرارات بالحبس، وليس أى حبس، حبس أستاذ جامعى لم يرتكب جرماً، نحن أمام كفالة ٢٠ ألف جنيه، بما يؤكد أننا أمام اتهام خطير، ومجرم خطير، وهو ما يجعل الواقعة تنتقل من حيّز أو جدول المضحكات إلى حيّز أو جدول المبكيات، سوف نبكى هنا على الأستاذ، وعلى القانون، وعلى القائمين على الأمن، الذين أهملوا الأمن الجنائى لحساب قضايا مختلقة هشة لا تسمن ولا تغنى من جوع، وقبل وبعد كل ذلك سوف نبكى على مصر وحال مصر وما آلت إليه أوضاع حرية الرأى والتعبير وحقوق الإنسان بصفة عامة.
 
أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعى، فيسبوك وتويتر، إذا كانت سوف تصبح مصيدة يتم من خلالها اصطياد وإلقاء القبض على المعارضين لسياسات الحكومة، فنحن أمام كارثة غير أخلاقية وغير سوية، تتعلق بتركيز عمل الجهات الأمنية فى اتجاه مغاير تماما لما يجب أن تكون عليه، وهو ما منح الإرهاب الفرصة ليعيث فى الأرض فساداً، فى الوقت الذى ارتفعت فيه معدلات الجريمة أيضاً.. وفى كل الأحوال مازلت آمل فى توضيح رسمى يزيح الستار عن غموض ما فى هذه القضية الغريبة التى لا تتوافق لا مع العقل ولا مع المنطق ولا مع القانون!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع