الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
كثيرون ممّن وُلدوا داخل المسيحية في مصر بشكلٍ خاصّ لم يزالوا يظنّون أنّ يسوع جاء ليرضي غضبًا إلهيًا، فمات نيابةً عنهم في تمثيلية تشبه أفلام التراجيديا الهندية. يسوع الذي قدّمه لنا بعض الفنّ الديني الرديء الذي يبدو كأنه بطلٌ مغلوب على أمره، طيّب ووديع لدرجة السذاجة، يتلقّى الضربات بلا مقاومة، بكل خنوع، لأنه ممثل يؤدّي دورًا رسمه الآب مسبقًا، ويعاني بلا سبب واضح.
لكن الحقيقة – حين تُقرأ الأناجيل والعهد الجديد بعينٍ لاهوتية–تاريخية–سياسية – أكثر خطورة من هذه الروايات الرومانسيّة الساذجة.
يسوع لم يُقتل لأنّه "بطلٌ تراجيديّ"، بل لأنّه شكّل خطرًا سياسيًّا حقيقيًّا على النظامين: الدينيّ اليهوديّ، والروماني الإمبراطوريّ. كلّ تهمةٍ وُجّهت إليه كانت محمّلةً بمضمونٍ سياسيّ عميق، أُعيد تأطير كلّ التهم الدينيّة وتم تحويلها إلى تهم سياسيّة بدقّة ليتناسب الأمر مع منطق روما وقوانينها، ومن ثمّ يمكن التخلّص منه.
التهم السياسيّة الموجّهة إلى يسوع
١. "يُضلّ الأمّة" – تهمة التحريض الجماهيريّ (seditio)
باطنها دينيّ: تشويه صورة الله، تضليل الشعب عن الحق.
لكن في عين بيلاطس: يزعزع الاستقرار العامّ، يُحرّض على الفوضى، يُعيد تشكيل الوعي الشعبي ضد السلطات.
في القانون الروماني: seditio تُعدّ تهمة خطيرة، خاصّة في المقاطعات الساخنة سياسيًا مثل اليهودية.
٢. "يمنع إعطاء الجزية لقيصر" – تهمة العصيان الضريبيّ (crimen repetundarum)
في الواقع: يسوع قال: «أعطوا ما لقيصر لقيصر» (مرقس 12: 17)، وهو موقف دقيق سياسيًا.
لكن التهمة المُلفّقة: أنه يرفض شرعية قيصر ويُحرّض الناس على رفض الضرائب.
في القانون الروماني: التهرّب الفردي من الضرائب يُعدّ جريمة، لكن التحريض الجماعي عليه يُعادل محاولة تمرّد.
٣. "يقول إنّه المسيح الملك" – تهمة الانتماء إلى تنظيم محظور وقلب نظام الحكم (laesa maiestas)
في المخيلة اليهودية: لقب "المسيح" يعني الملك المنتظر الذي سيحرر شعب بني إسرائيل. لكن أمام الرومان: أي ادّعاء بالمُلك من دون إذن قيصر = خيانة عظمى.
في القانون الروماني: قانون lex Iulia de maiestate يُعاقب بالإعدام على أي شخص يُنشيء سلطة بديلة أو يروّج لمَلَكيّة خارج شرعية الإمبراطور.
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ