إعداد/ ماجد كامل
شغلت قضية صلب السيد المسيح له المجد ، اهتمام كل آباء الكنيسة الأولين عبر العصور ، نظرا لما تشغله هذه القضية من أهمية ، حتى صارت هي رمز وعلم المسيحية . وفي هذا المقال سوف نتتبع بعض نماذج من هذه الكتابات ،وسوف نراعي في اختياريتنا تنوع المدارس الآبائية المختلفة :
من كتابات الآباء باللغة اليونانية :
1- القديس أثناسيوس الرسولي : Athanasiuos if Alexandria ( نحو 296 أو 298 – 373 م ) .
" الصليب يبطل كل سحر وتتلاشى قوة العقاقير السامة ، وتصير الأوثان خربة ومهجورة ، وتبطل الشهوات الدنيئة ، وتتحول أنظار الجميع من الأرض إلى السماء ! وهذا هو ما قاله الرب نفسه ، مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعا أن يفدي بها الجميع : وأنا إن ارتفعت أجذب إلى الجميع ( يوحنا 12 :32 ) . لقد جاء الرب ليطرح الشيطان إلى أسفل ، هكذا كان يجب أن يتم . ولكن بأي موت إلا بالموت الذي يتم في الهوء ، أعني الصليب ؟ لذلك كان لائقا أن يحتمل الرب مثل هذا الموت ، لأنه إذ رفع هكذا طهر الهواء من شر أبليس وجميع الشياطين " .
القديس كيرلس الكبير : Cyril of Alexandria ( 376 تقريبا – 444 ) .
" لقد بكى المسيح بشريا ، لكي يمسح دموعك ، وانزعج تدبيريا تاركا جسده يتحمل بما يناسبه ، لكي يملأنا شجاعة ..... ووصف بالضعف في ناسوته ، لكي ينهي ضعفك . ... أن الوعد الذي أعطاه الله بخصوص إسحق ( أن تتبارك فيه جميع الأمم ) ،ما كان سيتحقق سوى بصليب المسيح ، الذي به وصلت البركة إلى جميع الأمم . ولأن الله كان يريد أن يبين لإبراهيم عظم النعمة التي سيعيطيها له ، بذل ابنه الوحيد للموت عن خلاص نسله ، لذا لزم أن يقول له هذا القول وهو معنى بليغ " خذ ابنك ... حبيبك الذي تحبه اسحق " وقدمه لي على أحد الجبال الذي أقول لك " وكانه بذلك يقول " لكي تتعلم مما تتألم به سيعانيه أبو الكل . حينا يقدم ابنه الوحيد ذبيحة عن خلاص العالم . لقد حمل في نفسه العقوبات الواقعة بعدل على الخطاة بواسطة الناموس " لقد صار لعنة من أجلنا لانه يقول " ملعون كل من علق على خشبة ( غلاطية 3 : 13 ) . فنحن كلنا ملعنون ، لأننا لم نقدر على تكميل الناموس الإلهي . والطبيعة البشرية مائلة جدا إلى الانزلاق في ذلك ، فاللعنة إذا هي لنا وليست لغيرنا .... لذلك فالذي يعرف خطية قد لعن من أجلنا لكي يعتقنا نحن من اللعنة القديمة " .
القديس مكاريوس الكبير : Macarius of Egypt ( 300- 390 ) .
" الرب يناقش النفس ويريها مواضع المسامير قائلا : انظري علامات المسامير ، انظري الجلدات ،انظري البصاق ، هذه كلها تألمت بها من أجلك .... لأني بمحبتي للبشر جئت أطلبك وأحررك ، لأني منذ البدء جبلتك على صورتي ، وخلقتك لتكوني عروسا لي .... والرب نفسه يظهر لها على هيئتين : على هيئة جروحه ،وعللى هيئة نوره المجيد ، والنفس ترى الآلام التي احتملها لأجلها ، وترى المجد الفائق الذي لنوره الإلهي ، فتتغير إلى تلك الصورة عينها ، من مجد إلى مجد كما من الرب الروح " " .
القديس غريغوروس النزينزي الناطق بالإلهيات : Gregory of Naziaanzus ( 329- 390 ) .
" فلنصر مثل المسيح لأن المسيح أيضا صار مثلنا ، لقد أخذ منا الأردأ لكي يعطينا الأفضل ، لقد افتقر لكي نغتني نحن بفقره ( 2 كورنثوس 8 : 9 ) . لقد أخذ شكل العبد لكي نستعيد نحن الحرية ، نزل لكي نرتفع نحن ،صار مجربا لكي نتتصر نحن ، اهين لكي يمجدنا ، مات لكي يخلصنا ، لقد بذل نفسه فدية عنا من أجل مصالحتنا " .
2-القديس غريغوريوس أسقف نيصص :Gregory of Nyssa ( 330 تقريبا – 395 ) .
" بخصوص الصليب ..... هذا هو ما وصل الينا من التقليد ..... وهذا هو مانتعلمه من شكل الصليب : فهو منقسم إلى أربعة فروع ، وكأنها انبثاقات أربعة من المركز الذي فيه ترتبط معا ، لأن الذي تمدد عليه في زمن تدبير موته ، هو الذي يربط جميع الأشياء في نفسه ، ويجعلها تتوافق معا . فهو يجمع طبائع الكائنات المتخالفة ، يجمعها بواسطة نفسه إلى وحدة الحس والتوافق . العلويين مع السفليين ، والذين في الجانبين مه بعضهما البعض ..... لذلك بنطلق العظيم بولس ، ويكشف الأسرار لشعب أفسس ، ويبث فيهم قوة بواسطة تعلميه ، ليعرفوا ما هو العمق والعلو والطول ( أفسس 3 : 18 ) . هذا هو اسر الذي تعلمناه بخصوص الصليب " .
3-القديس يوحنا الذهب الفم : John Chrysostom ( 349 – 407 ) .
"حينما أراد الرب أن يبين لنا حبه فماذ ذكر ؟ هل ذكر آياته ومعجزاته وعجائبه ؟ لا أبدا ّ بل رفع صليبه في الوسط قائلا : "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ( يوحنا 3 : 16 ) . وهكذا أيضا يقول بولس " الذي لم يشفق على ابنه بل بذل لأجلنا أجمعين ، كيف لا يهبنا كل شيء ( رومية 8 : 32 ) . وحينما يدعو إلى المحبة ينصب هذا المثال في الوسط قائلا " حبوا بعضكم بعضا كما أحبنا المسيح أيضا ، وأسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة ( أفسس 2 : 5 ) .
4-القديس كيرلس الأورشليمي : Cyril of Jerusalem ( 313- 386 ) ز
"بالحقيقة تألم يسوع من أجل البشر ، لأن الصليب لم يكن وهما وإلا صار فداؤنا وهما أيضا . لم يكن موته مجرد خيال وإلا لكان خلاصنا وهم أيضا ، فلو كان موته ىمجرد مظهر لكان على حق أولئك الذين قالوا " لقدتذكرنا أن هذا المضل قال وهو حي أني بعد ثلاثة أيام أقوم ( مت 27 : 63 ) .
من كتابات الآباء الذين كتبوا باللغة اللاتنية
القديس أمبروسيوس St .Ambrose of Milan ( 340- 397 ( .
"لأي سبب مات المسيح إلا انه كان يجب أن يقوم ؟ ففي الواقع بما أنه لا يمكن لابن الله أن يموت لا يمكنه أيضا أن يقوم ، لذلك فقد أخذ جسدا قابلا للموت ، لكي بهذا الجسد ، والذي من خواصه الموت ، تكون له إمكانية القيامة . ...... لقد انكسفت الشمس أمام انتهاك المقدسات لتستر على هذا المنظر الشرير الذي ارتكبوه .... عمت الظلمة لتغطي عيون الجاحدين حتى يشرق نور الإيمان من جديد " .
القديس أغسطينوس : Augustine of Hippo St .( 345- 430 ) .
" لقد خرج الرب يسوع إلى الموضع الذي يصلب فيه حاملا صليبه ..... يا له من مشهد عظيم ّ! يراه الناظر الشرير منظرا مملوء سخرية ، وأما الناظر التقي فيراه سرا عظيما ! الشرير يراه تأكيدا عظيما للعار والخزي ، والتقي يراه حصنا منيعا للإيمان " . لقد تنازل الخالق ليصير إنسانا ، صار إلى ما صار إليه حتى لا تهلك الخليقة التي أوجدها " ديان الأحياء والأموات يدان من قاض مائت ، المعلم بالسياط يضربونه ! والذي يشفى الآخرين يجرحونه ! يا لحكم الله الغير المدرك !! يخطيء الأثيم ، ويعاقب الكريم ! ربي أجذبني أيها المصلوب إلى مخدع عرس صليبك حتى أفرح واسر بالشتائم والإهانات وأقبل الألم بسرور أن يصلب لي وأنا للعالم ....... لا يوجد شيء نافع مثل التأمل كل يوم فيما احتمله الله لاجلنا ، لقد احتمل الخالق حكم البشر الظالم ليتمم الحكم العادل إذ من قبل رحمته احتمل الحكم " .
القديس جيروم : St .Jerom ( 342 م تقريبا - 420 ) .
" المسيح نفسه جلب اللص من الصليب إلى الفردوس ليظهر أن التوبة لا تتأخر في عملها ... لقد حول موت القاتل إالى إستشهاد " . ... ليت الخراف التي ضلت في العالم السفلي تحمل على كتفي المخلص وتلك التي مرضت بالخطية تستعين بمراحم الديان " .
من التراث العربي المسيحي
1-ساويرس بن القفع :من القرن العاشر الميلادي :
المسيح من جهة إنسانيته وتأنسه ،قابل للأ لم والمرض والموت ،ومن جهة أزليته ولاهوته غير ملموس ولا محسوس ولا مـتألم ولا مائت كالجسد المتحد به الكون أو كالنفس المتحدة بالجسم ، فإن الجسد يوصف بالموت والفساد والاستحالة وقبول التأثير والتجزوء والانفصال والحلول في الأماكن .... كذلك النفس لا توصف بأنها قتلت ولا ماتت ولا جاعت ولا لاعطشت وإن كانت متحدة بالجسد الفاسد ، المائت الجائع العطشان .
2-بولس البوشي : من القرن الثالث عشر :
يا من بالصليب قهر الشيطان ، ايها المسيح خلصنا – نحن كافة شعبك المؤمنين باسمك من تجارب العدو بقوة لاهوتك الذي يسود الكل ، هب لي معرفة يا من وهب الخلاص بصلبيه مجانا للذين كانوا في وثق المسكنة مذلولين منذ بدء العالم . .... أنت بالصليب المقدس أظهرت الغلبة ،بموتك المحيي دست الموت المهلك وأبطلت شوكته التي قوة الخطية ،وعتقتنا نحن المسجونين بالموت .
3-يوساب الأبح : من القرن التاسع عشر :
اختفى الإله في جسم الإنسان لكي يصطاد العدو الذي ترأس الجبلة الأدمية ، وقبل الأستهزاء والصلب والآلام لينوب عن لآدم أمام العدل الإلهي من جهة ، وليخي لاهوته عن الشيطان من جهة أخرى ، ولما رآه الشيطان مصلوبا حضر إليه عند الصليب ... فسيدنا المسيح كان يمثل الإنسانية ويقف موقف آدم في جميع الأحوال صرخ "الهي الهي لماذا تركتني " و"أنا عطشان " ، فلما دنا الشيطان ليشاهد ما حدث صرخ المخلص قد أكمل . ومن ثم قبض على الشيطان وظفر به وخلص العالم من سلطانه " .