في مثل هذا اليوم 22 ديسمبر1993م..
صلاح ذو الفقار (18 يناير 1926 - 22 ديسمبر 1993 ) ممثل ومنتج سينمائي مصري مشهور، يُعتبر أحد أبرز الفنانين في تاريخ السينما المصرية. بدأ حياته المهنية كضابط شرطة في الشرطة المصرية، قبل أن يصبح ممثلًا في عام 1956. قدَّم ذو الفقار أكثر من 130 فيلمًا روائيًا خلال مسيرة فنية حافلة استمرت 37 عامًا. في عام 1996، في مئوية السينما المصرية، تم اختيار عشرة من أفلامه كممثل وخمسة من أفلامه كمنتج في قائمة أفضل مئة فيلم مصري في استفتاء النقاد.

ولد صلاح الدين أحمد مراد ذو الفقار في مدينة المحلة الكبرى لأبوين من القاهرة وتحديدا من حي العباسية. فوالده الأميرالاي (عميد) أحمد مراد بك ذوالفقار كان من كبار رجال وزارة الداخلية. ووالدته نبيلة هانم ذو الفقار كانت من عائلة فرنسية الأصل. وكان صلاح متفوقاً في دراسته وكان رياضياً وهو أحد أبطال مصر في الملاكمة وحصل علي بطولة كأس الملك في الملاكمة (وزن الريشة) عام 1947. التحق صلاح ذو الفقار في البداية بكلية الطب جامعة الإسكندرية وذلك إرضاءا لوالده الذي كان يتمني أن يصبح صلاح طبيبا مثل جده لكن بعد مرض والده حوّل أوراقه إلى أكاديمية الشرطة حتي يكون بجواره، وتفوق فيها علميًا ورياضيًا.

عمله في الشرطة
تخرج صلاح ذو الفقار من أكاديمية الشرطة (كلية البوليس) في عام 1946، ثم عمل في مديرية أمن المنوفية ثم في مصلحة السجون وتحديدا سجن مصر وعمل مدرسا في أكاديمية الشرطة منذ عام 1949.

كان يعمل صلاح ذو الفقار ضابطا في سجن مصر وكان محمد أنور السادات مسجون في ذلك الوقت بسبب قضية اغتيال أمين عثمان، وكان هو الضابط المسئول في السجن. كان ذو الفقار مؤمنًا في قرارة نفسه ببطولة محمد أنور السادات وأنه قام بدور وطني تجاه بلده رغم أنه مسجون وذو الفقار هو الضابط المكلف بحراسته هو وباقي المتهمين في القضية إلا أنه كان يساعدهم ويعاملهم معاملة حسنة لأنهم مساجين سياسيين ولقناعته أنهم سجنوا بسبب حبهم لوطنهم.

وكان صلاح يحضر معه الطعام والجرائد والسجائر للسادات، وساعد أسرته للحصول على تصريح بالزيارة للاطمئنان عليه.
صلاح ذو الفقار هو أحد أبطال معركة الإسماعيلية في 25 يناير 1952 التي ظهر فيها بسالة وشجاعة رجال الشرطة المصرية ضد المحتل البريطاني. في ذلك اليوم تم حصار قسم الشرطة الصغير المجاور لمبني محافظة الاسماعيلية من قبل قوات الجنرال البريطاني أكسهام وكان عددهم 7000 جندي إنجليزي مزودين بالأسلحة والدبابات ومدافع الميدان بينما كان عدد الجنود والضباط المصريين لا يزيد عن 800 جندي في الثكنات و80 جندي داخل مبني القسم والمحافظة مزودين بتسليح ضعيف لا يتعدى البنادق القديمة.

رغم ذلك صمد رجال الشرطة في تلك المعركة وقاوموا بشجاعة واستشهد منهم 50 جندي وبقي 30 آخرون على قيد الحياة لكن مصابون ورغم ذلك يقاومون القصف حتى نفذت ذخيرتهم.

بعد انهيار جدران القسم ومبنى المحافظة طلب الإنجليز من الجنود والضباط المصريين الخروج من القسم مستسلمين رافعي الأيدي. رفضوا الاستسلام وقرروا المقاومة لآخر قطرة دماء وصنعوا بشجاعتهم ملحمة فداء ووطنية في حب مصر وكان صلاح ذو الفقار الضابط الصغير أحد الضباط الصامدون بتلك الموقعة الشهيرة عام 1952. وأصبح هذا اليوم 25 يناير من كل عام عيدا للشرطة في مصر.

العدوان الثلاثي
عند قيام العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956. أخذ صلاح ذو الفقار زمام المبادرة بقيادة 19 من طلابه في أكاديمية الشرطة وتطوعوا ككوماندوز يقاومون الهجوم الثلاثي للجيوش البريطانية والفرنسية والإسرائيلية. وحصل صلاح ذو الفقار على نوط الواجب العسكري من الطبقة الأولى من الرئيس جمال عبد الناصر تقديرًا لدوره الوطني.

كان صلاح ذو الفقار يذهب لمشاهدة تصوير الافلام وهو صغيرا مع أشقائه الكبار المخرجين محمود ذو الفقار وعز الدين ذو الفقار وظهر في فيلمين وهو في مرحلة المراهقة وكانوا مع شقيقه الأكبر محمود ذو الفقار.

صلاح ذو الفقار
في عام 1955 حاول شقيق صلاح ذو الفقار الأكبر المخرج عز الدين ذوالفقار إقناعه بالتمثيل، ولكن بحكم طبيعة عمله كان يري صلاح استحالة لموافقة وزارة الداخلية علي عمله في السينما. ولكن مع إلحاح شقيقه عز الدين عليه للتمثيل في السينما وترشيح صلاح لدور بطولة أمام المطربة والممثلة شادية في فيلم عيون سهرانة. وافق صلاح وقدم طلب لوزير الداخلية وبالفعل حصل صلاح ذو الفقار علي تصريح استثنائي من وزير الداخلية للعمل في هذا الفيلم.

بدأ ذو الفقار في تلقى دروسًا في الإلقاء على يد الفنان عبد الرحيم الزرقاني وكان أول فيلم له في السينما هو عيون سهرانة في عام 1956، بعدها قام صلاح ذو الفقار بأداء دور "حسين" ابن الريس عبد الواحد في فيلم رد قلبي في عام 1957 بخفة ظل وبساطة وكان هذا الدور هو جواز مروره للشهرة والنجومية. وانهالت عليه الافلام بعد فيلم رد قلبي ولم يجد مفرا سوي الاستقالة من وزارة الداخلية وتمت الموافقة عليها ولكن نظرا لسجله الحافل في 11 عام وهي فترة خدمته بالشرطة، تم ترقية صلاح ذو الفقار لرتبة مقدم وإحالته للمعاش بقرار استثنائي من وزير الداخلية.

فور خروجه من الشرطة، عُين صلاح ذو الفقار مديرا تنفيذيًا لمنظمة الشعوب الأفريقية والآسيوية والتي كان رئيسها محمد أنور السادات في ذلك الوقت، لكنه لم يستمر طويلا في المنصب لعشقه للفن والسينما.

اتجه صلاح ذو الفقار بعد ذلك إلى السينما بقوة وسطع نجمه في سماء الوطن العربي باكمله وتعددت أدواره وحققت أفلامه نجاحًا كبيرا كممثل ومنتج ولُقِّب بالعبقري وعمِل مع جميع نجمات السينما المصرية في عصرها الذهبي، وحصل صلاح ذو الفقار على العديد من الجوائز والتكريمات عن أدواره في السينما طوال مشواره الفني.

أول فيلم لصلاح ذو الفقار بعد رد قلبي كان فيلم جميلة للمخرج يوسف شاهين عام 1958 ونال استحسان النقاد عن أداءه لشخصية "عزام" خفيف الظل الذي يخفي وراء خفة ظله قدراً كبيراً من الجدية والشجاعة، وتفاؤل سواءً في الحياة أو الموت. ثم في عام 1959 قدَّم صلاح ذو الفقار 5 أفلام منها فيلم نساء محرمات للمخرج محمود ذو الفقار وحب حتى العبادة للمخرج حسن الإمام ثم بين الأطلال والرجل الثاني للمخرج عز الدين ذو الفقار وحققا نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.

حقق صلاح ذو الفقار نجاحًا في فترة ستينات القرن العشرين بمجموعة من الأفلام المهمة، بدايةً من فيلم مال ونساء للمخرج حسن الإمام عام 1960 وشاركته بطولته الممثلة سعاد حسني، وقدَّم شخصية "صلاح" الصحفي في فيلم إني أتهم من إخراج حسن الإمام وقام كذلك ببطولة فيلم لقمة العيش للمخرج نيازي مصطفي في نفس العام وجميعها حققت نجاحًا في دور العرض. وفي عام 1961 قام ذو الفقار ببطولة أفلام عديدة منها أنا وبناتي والحب كده وحققا نجاحًا تجاريًا، ثم قدَّم شخصية "عادل رفعت" الذي كان يعمل في النصب ثم يتوب ويعمل عمل شريف في موعد في البرج عام 1962 والذي شاركته بطولته الممثلة سعاد حسني. وقدَّم شخصية "محمود" الزوج الذي يقرر إنشاء جمعية سرية لقتل الزوجات في الفيلم الكوميدي جمعية قتل الزوجات عام 1962 وحقق نجاحًا تجاريًا. ثم قام ببطولة فيلم القصر الملعون في نفس العام وهو من نوعية أفلام الرعب وحقق نجاحًا في شباك التذاكر. ثم في عام 1963 قدَّم ذو الفقار شخصية القائد عيسي العوام في الناصر صلاح الدين ببراعة. وفي نفس العام، كان دور "دكتور حموده"، دكتور في حتي، في فيلم الأيدي الناعمة كوميديًا وحقق نجاحًا جماهيريًا، ونال عنه جائزة الدولة الأولي في التمثيل، وكان الفيلم قد عُرض في مهرجان برلين السينمائي الدولي في العام التالي.

صلاح ذو الفقار في أغلي من حياتي (1965)
قدم صلاح ذو الفقار شخصية "عصام نور الدين" الذي يقرر الهرب من ملل حياته الزوجية في زوج في إجازة عام 1964. ثم قام ببطولة الفيلم الرومانسي أغلى من حياتي عام 1965 للمخرج محمود ذو الفقار وحقق نجاحا جماهيريا ونقديًا ونال عنه جائزة الدولة الأولي في التمثيل،  وكان بداية الثنائي الأشهر مع الممثلة شادية في أفلام مراتي مدير عام في عام 1966 وكرامة زوجتي عام 1967 وحصل صلاح ذو الفقار علي جائزة الدولة الأولي في التمثيل عن دوره في هذا الفيلم. وثالث أفلام الثنائي الشهير مع المخرج فطين عبد الوهاب كان عفريت مراتي عام 1968 وجميعها حققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا. في عام 1968 أيضًا، قدَّم صلاح ذو الفقار شخصية "شوقي" في الرجل الذي فقد ظله للمخرج كمال الشيخ ونال استحسان النقاد عن دوره في هذا الفيلم. ثم قام ببطولة فيلم صباح الخير يا زوجتي العزيزة عام 1969 وحقق الفيلم نجاحًا في شباك التذاكر مما شجع ذو الفقار علي إعطاء الفرصة لجيل جديد من الممثلات في أفلامه في فترة السبعينات مثل الممثلات نيللي وميرفت أمين ونجلاء فتحي.

استمر نجاح صلاح ذو الفقار في فترة سبعينات القرن العشرين بمصر والوطن العربي. في عام 1970 قدَّم شخصية الطيار "أمين عاكف" الذي يرأس تنظيم وطني لمحاربة الاحتلال في فيلم غروب وشروق للمخرج كمال الشيخ. وقام كذلك ببطولة فيلم امرأة زوجي للمخرج محمود ذو الفقار في نفس العام وحقق نجاحًا تجاريًا ثم قدَّم شخصية "فهمي فتح الله فتحي فتيحة" الذي يؤمن بالأبراج ويتحرك في حياته وفقها في برج العذراء عام 1970. في عام 1972 قام ببطولة فيلم رجال بلا ملامح أمام الممثلة ناديه لطفي ونال استحسان النقاد عن دوره في هذا الفيلم. ثم قدَّم صلاح ذو الفقار أفلام عديدة في تلك الفترة بين مصر وسوريا ولبنان،  منها القتلة للمخرج أشرف فهمي عام 1971 وامرأة من نار عام 1971 وباريس والحب عام 1972 ودعوة للحياة عام 1972 والرجل الآخر عام 1973 وفي الصيف لازم نحب عام 1974 وكانت أفلام ناجحة تجاريًا. ثم قدَّم شخصية "صادق" الموظف البسيط الذي يعيش صراع بين الحب والمصالح في فيلم دنيا عام 1974. وأكد صلاح ذو الفقار علي موهبته كممثل يجيد جميع أنواع الادوار في أكثر من فيلم،  منها ظهوره الخاص في شخصية "شكري" عضو مجلس الأمة الثائر في الكرنك للمخرج علي بدرخان عام 1975 وأيضًا عندما قدَّم شخصية "حافظ بيه" رئيس مجلس إدارة شركة المقاولات صاحب السلوك الوظيفي المنحرف في المذنبون للمخرج سعيد مرزوق والذي عُرض عام 1976 ونال ذو الفقار استحسان النقاد عن دوره في هذا الفيلم. بعدها قدَّم أكثر من فيلم حققا نجاحًا تجاريًا منها مسافر بلا طريق للمخرج علي عبد الخالق عام 1978 ومرة جديدة يقدِّم ذو الفقار شخصية ضابط المباحث، "محمود" الذي يحقق في جريمة قتل في الرغبة والثمن عام 1978.

صلاح ذو الفقار في الطاووس (1982)
مع بداية ثمانينات القرن العشرين كان قد وصل صلاح ذو الفقار إلي مرحلة جديدة من النضج الفني في مشواره السينمائي، وقدم شخصيات لم يقدمها من قبل،  مثل شخصية المستشار "إسماعيل"، القاضي في زيارة سرية عام 1981،  والتي أداها ببراعة وحصل ذو الفقار علي جائزة الدولة الأولي في التمثيل عن دوره في الفيلم. وفي نفس العام قام ببطولة فيلم لحظة ضعف وقدَّم شخصية مركبة. وكان فيلم الطاووس عام 1982 للمخرج كمال الشيخ محطة مهمة حيث أنه حقق نجاحًا تجاريًا ونقديا وحصل صلاح ذو الفقار على جائزة الدولة الأولى في التمثيل عن دوره في الفيلم. في عام 1985 قدَّم شخصية "الشيخ حسونة" في وداعا بونابرت للمخرج يوسف شاهين ونال استحسان النقاد عن دوره في هذا الفيلم. وفي ذلك الوقت بدأ صلاح ذو الفقار في البحث عن النصوص الأدبية لكبار كتاب مصر وبالفعل وجد ما يبحث عنه  وقام ببطولة فيلم من فضلك وإحسانك عن قصة الأديب نجيب محفوظ عام 1986 وكان بداية لأفلام عديدة، منها آسف للإزعاج عام 1988 عن قصة الكاتب أنيس منصور وغيرها. ثم قدَّم صلاح ذو الفقار شخصية "الحاج عبد الرحيم" التاجر المتشدد دينيًا في أيام الرعب للمخرج سعيد مرزوق عام 1988، وقدَّم ببراعة شخصية "حسنين" المدير العام في النهار والنقاش في الليل ليتمكن من إعالة أسرته في الأسطي المدير. ثم قام ببطولة فيلم شقة الأستاذ عليوة أمام الممثلة ليلي طاهر عام 1989.

ظل يعمل صلاح ذو الفقار في السينما لآخر يوم في حياته. وقدَّم في تسعينات القرن العشرين فيلم الجريمة لعبة الأشرار للمخرج هنري بركات عام 1991 وحقق نجاحًا في شباك التذاكر عند عرضه في شاشات السينما. ثم قام ببطولة الفيلم الدرامي إلا ابنتي عام 1992 عن قصة الأديب إحسان عبد القدوس، ثم قدَّم شخصية "جميل برهان" الانتهازي الذي يطمح أن يكون وزيرًا في فيلم وزير في الجبس عام 1993 عن قصة الكاتب فتحي غانم. وكانت آخر محطة في مشواره السينمائي عندما ظهر كضيف شرف في الطريق إلى إيلات في شخصية قائد القوات البحرية وقدَّم شخصية "دكتور عبد المنعم"، الطبيب الذي يخبئ الإرهابي الهارب في منزله في الإرهابي للمخرج نادر جلال والذي لم يمهله القدر استكماله، وكلاهما عُرضا بعد وفاته. كان ذو الفقار دائم المساندة لزملائه من أبناء جيله ومؤمنًا كذلك بحق الجيل الجديد في الحصول علي الدعم والمساندة من جيل الأساتذة وشارك بالفعل كضيف شرف في أفلام عديدة طوال مشوار السينمائي. لعب صلاح ذو الفقار جميع الأدوار وأجاد فيها ولم يخلو أداؤه من خفة الظل.

تزوج صلاح ذو الفقار أربع مرات. تزوج من زوجته الأولى السيدة نفيسة بهجت ابنة محمود بك بهجت في عام 1947  وهي أم أبنائه أحمد مراد ومنى،  ومن المعروف عن أبناء صلاح ذو الفقار أنهم لم يشتغلوا في الفن حيث ان ابنه المهندس أحمد ذو الفقار كان رجل أعمال وابنته مني ذو الفقار تعمل محامية دولية. ذو الفقار له ثلاثة أحفاد من أبناءه هم رجل الأعمال كريم ذو الفقار والمهندس صلاح ذو الفقار والمحامية إنجي بدوي. وظلت أم أولاده وجدة أحفاده علي ذمته حتى وفاتها سنة 1988. أما زواجه الثاني فكان من الممثلة زهرة العلا وكان زواجاً لم يستمر طويلا وانتهى بالطلاق. وكانت قصة الحب التي جمعت بينه وبين المطربة والممثلة شادية هي الأشهر على الإطلاق وتزوجا في عام 1964 وكوّنا معاً ثنائي فني قدما من خلاله العديد من الأفلام السينمائية الناجحة وأنتج لها أكثر من فيلم، وانتهي هذا الزواج بالطلاق بعد 7 سنوات. ثم تزوج من زوجته الأخيرة بهيجة واستمر زواجه منها حتى وفاته.!!