الأقباط متحدون - تحولات العولمة الليبرالية: الدول والسياسات العامة فى الشرق الأوسط (5)
  • ٠٩:٠٢
  • الثلاثاء , ٢١ مارس ٢٠١٧
English version

تحولات العولمة الليبرالية: الدول والسياسات العامة فى الشرق الأوسط (5)

مقالات مختارة | جهاد عودة

٥٥: ١٠ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢١ مارس ٢٠١٧

جهاد عودة
جهاد عودة

جدد الرئيس الاميركي دونالد ترامب انتقاده اتفاق التبادل الحر في اميركا الشمالية، مشيرا الى أنه يفضل اعادة التفاوض في شأنه على الغائه. وقال ترامب: “لدي قلق كبير حيال اتفاق نافتا لانه كان كارثة على بلادنا ولا يهمني اذا حصلت مراجعة له أو توصلنا الى اتفاق جديد بل علينا ان نجعله عادلا فهو ظالم جدا بحق العامل الاميركي وظالم جدا بحق الشركات”.  ويضم اتفاق /نافتا/ ثلاث دول هى الولايات المتحدة والمكسيك وكندا وتم التوقيع عليه قبل 23 عاما. وأعلنت الحكومة المكسيكية ان مفاوضات جديدة حول الاتفاق يمكن ان تبدأ في مايو القادم.

حسب الاتجاهات السائدة في العالمي والتي تنم عن تصرف منطقي للدول في مواجهة العولمة، يمكن تلخيص ذلك بإتجاهين اثنين ، الاول إتجاه جامد والثاني إتجاه مرن، وهذا الاجتهادت ليس نهائية فيمكن ان يكون الاتجاه الثالث هو الوسطي بين المرن والجامد هذا من جانب سلوك الدول في مواجهة العولمة، وهناك اتجاه اخر يمكن ان تتحكم وتحاول السيطرة عليه الدول وهي الحركات الاجتماعية التي تنشط في العالم ضد العولمة وارهاصاتها على نتيجة بحث الصور عن الشعوب.

ولأن البحث لا يتسع لتفحص كيفية تشكل او النماذج الأنظمة الديمقراطي المفضلة لدينا عبر فحص ركائز اي نظام ديمقراطي سائد اليوم او ما يمكن ان نقترحه كوصفة لمواجهة العولمة،  سوف نبحث في الخيارات الاخرى، بفحص امكانيات الدول الموجودة اليوم بين اتجاهين، بين اتجاه الجمود والذي يعني عدم استطاعة الدولة بمقوماتها مواجهة العولمة والانجرار واراء اغراءاتها دون اي ساكن نحو مقاومتها وهنا يمكن ان يدخل الاتجاه الثالث من الحركات الاجتماعية التي تقاوم هذا التوجه، والاتجاه الاخر المرن الذي يسعى بمواكبة العولمة من خلال الانجرار ورائها وبنفس الوقت يبحث عن مساحات للتنصل من شباكها باعتبار الانجرار وراء العولمة لا مناص منه.

ونقصد بالجمود هنا ان يقوم الدولة بكامل سيادتها بتجاهل اشكاليات العولمة وعدم القيام بأي اجراءات للتعامل معها وتكتفي في الصيرورة باتجاه مواكبة هذه المنظومة، وترك جغرافيتها وثرواتها تنهش من قبل ادوات العولمة على حساب شعبها خاصة الفقراء والمهمشين منها ويسود هذا الاتجاه السائد في دول العالم الثالث الذي ادى الى غربة واضحة بين المجتمعات والانظمة التي تحكمها الامر الذي يهدد باستمرار توسع الهوة بينهم ، والاتجاه المرن الذي نطرحهه هنا ان الدولة تدرك تماما مخاطر العولمة وما تمثله من تحديات تقع بالسلب عليها ومبادرتها باتخاذ كافة السبل لمراعات هذه الاشكاليات والتغلب عليها.

هناك اتجاهات عديدة تسود العالم بأتجاه العولمة، بين الاستجابة اوعدم الاستجابة لاشكاليتها من ناحية ردود الفعل تجاه الاشكاليات التي يمكن التي يمكن ان تسببها العولمة،  فهناك انماط استجابة للاشكاليات البنائية الناتجة عن العولمة مع مراعات الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وبناء على ذلك تنتج انماط مختلفة، منها نمط اعادة الهيكلة للنظام بشكل تدريجي مثل ما يحدث في بريطانيا من خلال نقل بعض الصلاحيات للسلطات المحلية مثلا، ونمط اخر هو اعادة بناء الهياكل التقليدية للنظام السياسي كالنموذج الامريكي والذي يقوم على اللامركزية السياسية وخفض الموازنات لبعض المؤسسات في مقابل تطوير ادائها ودمج البعض الاخر لتحقيق نفس الاهداف، نموذج اعادة الهيكلة الجزئية من الداخل بالاعتماد على الانتخابات وتغير نتيجة بحث الصور عن عولمةالنخب الحاكم عبر انتخابات دورية التي تؤدي الى تغير في السياسات الاقتصادية كالنموذج الالماني.

وانماط اخرى اهمها نمط اللامركزية الاقتصادية والمركزية السياسية كالنموذج الصيني البارع والذي لا داعي لتفسيره هنا لشهرتها واهميتها على الصعيد العالمي والذي يعتمد بالاساس في عمله الى نقل سلطات اقتصادية واسعة الى الكثير من المقاطعات التي شكلت عواصم اقتصادية بحد ذاتها، والنمط الاخير المهم هنا هو نمط رفض الاستجابة لاحداث اي تغير بنائي في نظامها السياسي والذي انعكس بنتائج مختلفة باختلاف الانظمة السياسية وطبيعتها والتي ادت في بعض الحالات الى اشتداد الازمات السياسية الداخلية والصراعات ونتج عن بعضها حروبا اهلية،والنماذج التي يمكن ان تنطبق على هذه المحور بعض الدول الافريقية وكذلك يوغسلافيا مثلا.

وبالعودة الى الإتجاه الثالث الذي يندمج في الاتجاهين الاولين وهو الحركات الاجتماعية التي تناضل لوقف تدفق مد العولمة المدمرة الى المجتمعات والذي ينطلق في بنيته من المؤمنين بقضية الفقراء والمهمشين الذي فرمتهم العولمة وهمشتهم أكثر وأكثر ، يقول جان بايار تحت عنوان فئران المستنقعات في اشارة الى الفلاحين الفقراء الذي يتعبون لبناء الاقتصاد من اجل قوتهم اليومي في افريقيا الى أن الدولة اسئثأثرت بالعائدات لصالحها ولصالح انصارها من خلال الؤسسات التسويقية والضريبية والأمر يسود في معظم البلدان في العالم من العالم الثالث مع مراعات اختلاف طبيعة كل نظام وادواته التي يمارسها لتحقيق الغاية من الكسب من هذه العائدات الزراعية لصالحه لسد العجز المتضاعف في اقتصاده بسبب بقايا الاستعمار من جهة والعولمة من جهة اخرى.

مارست الشعوب نضالات طويلة عبر التاريخ للتعبير عن رأيها في سبيل تامين حياة كريمة لها وفي سبيل شعار الديمقراطية، وفي سبيل بناء انظمة اكثر تمثيلية عبر صناديق الاقتراع، ولكن الديمقراطية نوعا ما اليوم لا تخدم هذه الفئات فالديمقراطي و اصبحت للنخبة، التي يلزمها ديمقراطية من نوعا اخر للاختيار بين الحكام والنخب المسيطرين على ثروات البلاد وبين الفئات المهمشة التي تخرج من اصلابها ثروات البلاد التي تبني اقتصاديتها المسلوبة بفعل العولمة.

لا شك ان من نتائج العولمة على الشعوب انها توجد الانقسام بين فئات المجتمع بين الطبقات الفقيرة والغنية، وان محاولات الدول لإجراء الاصلاحات لمواجهة ادوات العولمة تفض الى حالة استقطاب اجتماعي تؤدي  الى سوء توزيع الثروة ونتائج التنمية الاقتصادية، وبتالي الى زيادة الشقاق بين الفئات الاجتماعية والفروقات الطبيقة بين طبقتين الاغنياء والفقراء، اذ ان الفقـر يعـد من أكثر الأسباب الداعيـة إلـى تصـدع الأمـن المجتمـعي وضرب الاسـتقرار فـي المجتمع.[نتيجة بحث الصور عن عولمة27]

“ويظهر تقرير “عولمة المقاومة، أوضاع النضال” مجموعة من الأهداف والمجالات التي استهدفتها العولمة الليبرالية الجديدة، ومن أهمها بالطبع النفط، الذي يمثل تحديا سياسيا واقتصاديا وبيئيا وجيوإستراتيجيا، والماء الذي يدخل أكثر وأكثر في إطار منطق السوق النيوليبرالي، فقد أصبح رهانا عالميا، وديون العالم الثالث التي تبدو كقمة جبل الثلج الذي يخفي آليات الاستيلاء على ثروات الجنوب لصالح اللاعبين الماليين التابعين للشمال، وسمحت الأوضاع الدولية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بتسارع التسلح العالمي وتدخلات القوى المسلحة الأميركية ومضاعفة مخاطر الحرب والتهديد بها”.

وفي ظل الاهتمام البالغ لمناهضة اشكاليات العولمة في يومنا هذه دئبت الحركات الاجتماعية الى النضال عبر محاسبة انظمتها لما تفعله من صمت ازاء اثار العولمة الراسمالية التي تجتاح الحدود وتسلب ثروات الدول ، بالرغم الى محاولات الدول الى تطوير انظمتها السياسية لفادي خطورة اشكاليات العولمة وعدم ملائمة طابعا الوطني مع قيم وخطر هذه المنظومة من ناحية ومن ناحية اخرى تجميع الثروات في جيوب المحسوبين على هذه الانظمة.

ان مخاطر العولمة تتعدى المخاطر الاقتصادية على المتجتمعات بما تمثله من انظمة اقتصادية وطنية داخل الدول بل تمس التناسق المجتمعي والسياقات الأخر فتضرب الثقافة والسياسة وتلزمها بالتبعية، في السابق كانت هذه الأنظمة الإقتصادية مفتوحة على العالم الخارجي بنوع من التكامل لتحقيق مصالح شعوب بلدانها، على اساس من التعايش الغير مهدد بالتنافس الساحق الذي يمكن ان يصل لغاية الهرولة وراء  التشبيك لخلق مساحات مشتركة لرفاهية وتنمية الشعوب بشكل مجموعات ، مع الاحتفاظ بخصوصية كل ثقافة وطنية، ومع الاخذ بعين الاعتبار سيادة الدولة التي تشكل رمز الولاء الأعظم للشعوب بلدانها.

هذا كلها نسف مرة واحدة او على أقل تقدير نسفه تدريجياً، مما انتج اقتصاديات وطنية مترهلة عاجزة عن تلبية طموحات شعوبها، التي خرقت للعقد الاجتماعي الذي نشئت على اساسه، ووكلت بوكالة من قبل الشعب لتنوب عن شعوبها في احلال السلام المجتمعي الذي يوفر لهم قوت يومهم وتطورهم ووأمان مستقبلهم، فجاء هذا المتغطرس العالمي”العولمة” ليقضي ويضرب العلاقة بين الشعوب وانظمتهم، الامر الذي جعل الدول بإنظمتها تقف عاجزة في موقفها بين شعبها الذي يطالب بالمزيد من الحاجات وبين التماشي مع متطلبات وارهاصات النظام الاقتصادي العالمي الذي استباح ما تبقى من اقتصاديات الدول ليجعلها عرضة للتعري امام شعوبها.

تقع الأنظمة بين هذا كله، وبين الحاجات والمتطلبات المتزايدة للشعب في مواجهة الدول وبين حاجتها للامتيازات الراسمالية التي تمن عليها العولمة ببقايا وفتات الراسمالية، فتقع حائرة، مما يستدعي منها التوجه الى ما نسميه ممارستها هنا “سطوتها السياسية” التي تعتبرها مشروعة في مواجهة الكل خاصة بإتجاه شعبها، بالعنف السياسي وحتى الجسدي منه اذا اقتضى الاقصاء سياسياً لمن يرفع صوته، وأحيانا تبدل افكارها وتوجه خطاباً لشعبها أنها أمام تحديات جمة وان ولاء الشعوب لانظمتها هو من ينقذها امام التدخلات الاجنبية الراأسمالية، واحياناً اخرى تقوم بالتلاعب بالديمقراطية وتدعو شعبها لمواجهة العجز الذي يكتنفها بالتغير السياسي، فتدعوهم الى الانتخابات من أجل التغير، وفي اسوء الاحتمالات او افضلها لا يتغير شيء في النظام السياسي، التغير الوحيد هو الشخوص، الامر الذي يعيد الحالة الى شكلها الاول لحالة العجز، لان تغير الاشخاص لا يغير من السياسات الاقتصادية في مواجهة العجز الاقتصادي والسياسي في مواجهة العولمة. يبقى المتناول الوحيد، حسب تفسير هذه الدراسة الى ان تتخذ الدولة موقف بإتجاه العولمة اذا صلحت نيتها إتجاه شعبها، ونعني هنا انه اذا كانت الدولة فعلاً همها انقاذ الشعب والعمل على تلبية طوحاته عبر ثرواته الطبيعية التي وجدة اصلاً لذلك، فانه يقعها امامها خيار مواجهة العولمة، بوساطة خلق اليات ابداعية تؤدي الى التنمية الاقتصادية  بعيدا عن الشركات العالمية وراس المال الاقتصادي العالمي الذي يتحكم بالدول وثروات شعوبها، وهذا لا يكون الى بممارسة الطبيعة الأولى للمجتمعات، ابتداءا من الثروة الزراعية،  بالعودة الى الأرض وما تنتجه بعيدا عن الراسمالية وما انتجته من ادوات للسيطرة على الأنظمة.

وغير هذا، إن الطبقات الاجتماعية التي تزداد سوءاً وتهميشاً بفعل تركيز الثروة الوطنية، اما في جيوب حكامها والمحسوبين عليها واما في جيوب الشركان وفروع الراسمالية العالمية، الامر الذي خلق غربة وتفاوت بين فئات المجتمع وقسمها الى طبقتين او مستويين إن جاز التعبير هما:

المستوى الاول:  مستوى متدني في اسفل الدولة في القاع من فقراء ومهمشين.

المستوى ثاني: في طبقة يعلو فوق الجميع، وهي الطبقة العليا التي تتكون من فئتين الاولى في سدة الحكم السياسي ووالثانية فيسدة الحكم الاقتصادي ولا وجود لطبقة وسطى.

وفي أغلب الأحيان لا تستطيع التفريق بين فئتي الطبقة العليا ومن هو المتحكم  بزمام الأمور وسياسة الدولة، فالأول من اقتصاديين وراسماليين يدير الاقتصاد ويتحكم بالسياسة والثاني من سياسين يدير السياسة ويعيش على امتيازات ومنح ورشاوة الاقتصاديين الراسماليين، أما الفئة الاولى من مهمشين وفقراء فانها تتسع مساحتها بازدياد بكثرتها واحيانا بزدياد وعيها ومعرفتها عبر الحركات الاجتماعية، والتي تؤدي بالنهاية الى الإنفجار في وجه حكامها واقتصاديهم، وهذا ما يفسر ما يدور في العالم من تغيرات وطنية شعبية ان جاز التعبير بفعل عمق الفجوة بين الحكومات وترفعها عن مناجاة مواطنيها.
نقلا عن المحروسة

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع