الأقباط متحدون - سبوبة تجديد الخطاب الدينى
أخر تحديث ١٦:٣٢ | الاربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦ | ٦ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٨٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

سبوبة تجديد الخطاب الدينى

محمد الدسوقى رشدى
محمد الدسوقى رشدى

 بات طبيعياً أن تتاجر برامج التليفزيون الآن بقضية تجديد الخطاب الدينى، ضيفان متنافران وأسئلة ساخنة ومجموعة من الشتائم والخوض فى الأعراض تحت مسمى مناقشة تجديد الخطاب الدينى، وما يفعلونه لا علاقة له بالدين ولا بالتجديد.

فى نفسهم غرض، والغرض مرض، ولهذا يحرمهم الله من فلاح النتيجة، فلا تجديد دينياً سيحدث، ولا تنوير سيشق طريقه وسط الظلام، ولا خطاب دينياً جديداً سيظهر لمواجهة خطاب الإخوان وداعش وباقى رفاق فتاوى التطرف.

لا ينصر الله سوى مخلص، والمخلص هو أى شيخ أو مفكر أو مثقف غير هؤلاء الذين صمتوا لعقود طويلة عن الحديث فى تجديد الخطاب الدينى ثم انطلقوا كما سيارات الزفة تعلو أبواقهم فى مولد تجديد الخطاب الدينى بعد أن تحول من ضرورة فكرية إلى مطلب رئاسى.

والفخ منصوب لمن لا يعرف أن من يتصدى لمعارك تجديد الخطاب الدينى على أساس فكرى لا يصنع أبداً تلك الضجة المبتذلة، وإذا وُصمت الضجة بالابتذال فاعلم أنه لا والد لها سوى معارك الفنانات والحوارى.

من حق أى كائن بشرى أن يرفع راية النقد فى وجه البخارى ومسلم، وباقى كتب التراث الإسلامى، هذا ما جنته يد المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية على نفسها وعلى التراث الإسلامى، حينما كفت يدها ويد الناس عنه تحت مظلة التقديس، لكنّ فرقاً كبيراً أن تفعل هذا مثل الكبار أو تفعله وأنت راكب الموجة.

ندخل الآن بداية العام الثالث بعد دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى وكل ما حصدناه مكالمات هاتفية، مناظرات تليفزيونية، تقارير صحفية، العشرات من هذا والمئات من ذاك، ومع ذلك لن تجد إجابة مفيدة إن سألك أحدهم: وماذا استفدنا من العراك الدائر، ما الناتج الفكرى لتلك المعارك بعد شهرين؟.. لا شىء سوى الصراخ، ومزيد من الأوقات الإعلامية الساخنة، والمزيد من الشهرة لأطراف الصراع.

فى الماضى كان الكبار إذا اختلفوا ردوا على الفكرة بالفكرة، والطرح بأطروحة أخرى فى كتاب كامل، والبحث ببحث أكبر منه، والنظرية بنظرية أعمق منها، وهكذا كانت تدور دائرة الصراعات الفكرية مثلها مثل الساقية، لا تدور فى الفراغ بل لكى تملأ الأرض خيراً.

الإمام محمد عبده لم يكن بقصته وثورته الدينية بعيداً عما نعيشه الآن، وقف وحيداً لمواجهة حالة الجمود الفكرى والدينى التى عاشها الأزهر وباقى المؤسسات الدينية والاجتماعية، لكنه كان أكثر ذكاءً، فلم يسخر من التراث، ولم ينطق بعبارة مبتذلة مثل التى تفاخر بها أحدهم فرحاً وهو يقول إنه «يهتك عرض التراث»، بل كان رحمه الله يقول: «العيب فى النظرة إلى التراث من خلال منظور تقليدى رجعى لا يتماشى مع العصر»، ودخل فى معارك فكرية متعددة مع كتّاب غربيين، مثل رينان وهاناتو، ومع عدد من الشيوخ الرجعيين داخل الأزهر، ورفع فى وجههم شعار «إذا تعارض النص مع العقل أخذنا بما دل عليه العقل»، وأكد ضرورة حماية المسلمين من تسلط الفكر الرجعى، قائلاً: «لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله، وعن رسوله من كلام رسوله دون توسط أحد، لا من سلف ولا من خلف».

أما الآن فهم يخوضون المعركة بالصوت العالى، وبما تجود به قواميس اللغة من شتائم وتحقير وسخرية، ومن يفعل ذلك فى معركة مفترض أن يكون مبتغاها وجه الله والوطن فلا تنتظر من نتائجها أن تكون مما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، بل ستكون مثل الزبد يذهب جفاء.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع