الأقباط متحدون - لماذا لم تُنتج الحركات الإسلامية مُبدعاً واحداً؟
أخر تحديث ١٦:٣١ | السبت ٢٧ اكتوبر ٢٠١٢ | ١٦ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٢٦ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

لماذا لم تُنتج الحركات الإسلامية مُبدعاً واحداً؟

 فى ندوة الدين والدولة، التى عُقدت بمُنتجع الحمامات بتونس، (١٥-١٧/١٠/٢٠١٢) كانت الجلسة الختامية على شكل مائدة مستديرة، جمعتنى مع الشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة، التى تحكم تونس، بعد انفجار ثورتها (٢٠١٠)، التى دشّنت الربيع العربى للديمقراطية، وكان ضمن المشاركين فى تلك المائدة المستديرة أستاذة الأنثربولوجيا السعودية د. مُضو الرشيد، وعالمة الاجتماع اللبنانية د. مارلين نصر، وأستاذ الفلسفة المغربى د. عبد الإله بلقزيز.

 
وكالعادة، حينما يتحدث الشيخ راشد الغنوشى، فهو يتحدث بخطاب يفيض بالسلاسة والبلاغة والمنطق، ويُظهر التجربة الإسلامية فى الحُكم وكأنها جليلة وبعيدة عن الهوى. ونحن جميعاً، ممن درسوا التاريخ العربى الإسلامى بشىء من العُمق، الذى يتجاوز تسطيح الكتب المدرسية، نعلم أن الأمر بين المسلمين حتى الأوائل منهم لم يكن كذلك.
 
وإلا فكيف ولماذا تم اغتيال ثلاثة من الخُلفاء الراشدين الأربعة؟ لقد كان ولا يزال المسلمون، حتى من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، بَشراً، مثل كل البشر، يُصيبون ويُخطئون، ولهم كل طموح وأطماع البشر. ولهذه الأسباب تحديداً، جاءت الأوامر والنواهى والأحكام المُقدسة، التى تحاول ردع الناس عن أفعال السوء، وتحضهم على الأمر بالمعروف وتنهاهم عن المُنكر.
 
ولم أستطع مُقاومة سؤالين ألحا علىّ بشدة فى حينه.. كان الأول من وحى القول الشعبى الشائع: «أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب».
 
أما الخاطر الثانى، فهو من وحى مُلاحظة ميدانية تقريرية، عن المشهد المصرى، خلال المائة سنة الأخيرة، التى كان «الإخوان المسلمون» فيها لاعبين رئيسيين، وهو عدم ظهور مُبدعين من الإسلاميين فى الأدب والثقافة والفنون، فلم نسمع أو نقرأ لشاعر، أو روائى، أو موسيقار، أو رسّام، أو نحّات، أو مُمثل من حركة «الإخوان المسلمون» أو السلفيين. هذا، رغم ضخامة عدد أعضاء الحركة، وانتشارهم فى شتى أنحاء البلاد!
 
كان إلحاح الخاطر الأول، أثناء وجودنا فى البلاد التونسية، هو ما تناقلته الصُحف ووكالات الأنباء حول اعتداء أفراد محسوبين على الحركة الإسلامية على مواطنين ومواطنات يُمارسون حياتهم الطبيعية فى أماكن عامة- مثل الشارع، أو المقهى، أو المُتنزه، أو المطعم.. وكان يتصرف هؤلاء الإسلاميون كأنهم شُرطة آداب، أو قوات «حماية الفضيلة ومُقاومة الرذيلة». والمشكلة هنا، هو أن هؤلاء الإسلاميين أعطوا أنفسهم سُلطة لم يخوّلها لهم القانون.. وتذكرت أن سلوكيات مُشابهة لذلك بدأت تحدث فى مصر فى الشهور الأخيرة، التى تلت انتخاب د. محمد مُرسى رئيساً للبلاد.
 
وكان رد الشيخ التونسى، راشد الغنوشى، اعتذارياً ونمطياً. فمن ناحية أقر بفلتان بعض الإسلاميين التوانسة، وأنه يُشاركنى الانزعاج. وأنه لا سبيل إلى حصار واحتواء هذه الظاهرة الانفلاتية، إلا بإعمال القانون، وإعطاء الأجهزة الأمنية التدريب والعتاد اللازم للقيام بذلك. فسألته على سبيل المُداعبة: وكيف كان أى مسؤول فى نظام الرئيس زين العابدين بن على، الذى ثرتم عليه وخلعتموه، سيُجيب عن نفس السؤال؟
 
قال الشيخ بتواضع جم، «ربما كان سيُعطى نفس الإجابة.. وأنت تعلم يا د. سعد الدين أن المجتمعات، وسلوك أفرادها، لا تتغير بين ليلة وضحاها.. وأمامنا مهام كبيرة لإعادة بناء مجتمعاتنا، والمهم أن نرصد مسيرة التقدم من عام إلى آخر. بمعنى: هل مثل هذه السلوكيات المُنفلتة تزداد أم تتناقص؟ وأن تراجع كل الأجهزة المعنية خططها وسياساتها ومُمارساتها، فى ضوء ذلك.
 
أما فيما يتعلق بالخاطر الثانى حول نُدرة أو انعدام المُبدعين الذين أنجبتهم الحركة الإسلامية فى تونس، فإنه لم يتأمل هذا الأمر من قبل، ربما للانشغال الشديد بمسائل بدت له أكثر إلحاحاً.. وربما لم يكن مُحقاً فى ذلك، ولكنه سيُعطى الأمر اهتماماً أكبر، وسيطلب من الإخوة فى حركة النهضة أن يفعلوا الشىء نفسه فى المستقبل.
 
ثم أعاد الشيخ التونسى الكُرة إلى ملعبى، مُتسائلاً «وماذا يقول علم الاجتماع عن ظاهرة الإبداع؟».
 
وكانت إجابتى هى أن تنشئة أفراد أى جماعة على «السمع والطاعة للسُلطة»، هى التى تُجهض الإبداع أو تقتله تماماً. فالإبداع هو استجابة مختلفة، أى غير نمطية. أى أن الإبداع هو الوجه الآخر للنظرة النقدية لأمور الكون.. فإذا لم تكن «ناقداً» فى البداية، فلن تكون «مُبدعاً» فى النهاية.
 
وأنتهز فرصة كتابة ونشر هذا المقال، لأدعو الإخوة والزُملاء الذين يهمهم الأمر أن يجتهدوا ويُساهموا فى الإجابة عن السؤال الذى جعلناه عنواناً للمقال. فرأس المال الثقافى (Cultural Capital)، هو الذى يُعطى مصر ميزة نسبية فى الوطن العربى، وأفريقيا، والعالم الإسلامى. فالأدب والمسرح والسينما المصرية هى التى جعلت من مصر رائدة وقائدة، فى هذا الجزء من العالم. وينبغى أن تظل كذلك، بل تزداد مُستقبلاً.
 
وعلى الله قصد السبيل.
نقلاً عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع