CET 09:15:08 - 11/05/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل شرف الدين

فى سبعينيات القرن الماضى كانت شرارة الوعى تشتعل جذوتها فى عقول جيلى، وكان المد الدينى المهووس على أشده حينذاك، بينما تتسابق مئات المنابر فى توجيه أسوأ التهم لقرينة الرئيس السادات السيدة جيهان، حتى وصل الإسفاف بأحدهم لحد إطلاق العبارات الجنسية البذيئة عبر منابر المساجد،

كل هذا لأن السيدة جيهان السادات كانت أول سيدة أولى فى تاريخ مصر تخرج لدائرة العمل العام، وقادت مبادرات اجتماعية ومشاريع إنمائية، فقد أسست جمعية الوفاء والأمل، وشجعت تعليم المرأة وحصولها على حقوقها فى المجتمع، وساهمت فى إخراج قانون الأحوال الشخصية بشكل عالج مظالم تاريخية.

وبعيداً عن التهم التى تطال سياسات السادات، كاستخدامه الإخوان فى ضرب خصومه السياسيين، فالحديث هنا ينصبُّ على دور السيدة الأولى، وهى بالتأكيد لم تكن صانعة القرار، لكنها حاولت أن تفعل شيئاً على صعيد العمل الاجتماعى، ودعم قضايا المرأة.

وتعالوا نقارن بين السلوك المصرى، الذى يحاسب السيدة جيهان على خلافات حول سياسات زوجها الرئيس الراحل، والمناخ الأمريكى الذى لم يحمّل السيدة كلينتون فواتير زوجها الرئيس الأسبق، بل تعامل معها بشكل منفصل، ولم ير الرئيس أوباما بأساً فى تكليف منافسته خلال انتخابات الحزب الديمقراطى، وقرينة سلفه، بأهم حقيبة وزارية بالولايات المتحدة، وهى الخارجية، وهذا يؤكد نضج اللاعبين السياسيين على مسرح واشنطن، وتجاوزهم شهوة الانتقام البدائية التى تحكم سلوكنا.

ولاشك أنه كانت لدى المرحوم أنور السادات مبررات كافية ليرتبط بالسيدة جيهان مبكراً حتى قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، بل كان مجرد ضابط صغير، ومن المعلوم أنه كان متزوجاً قبلها من السيدة إقبال ماضى، وأنجب منها ثلاث بنات قبل انفصالهما، والآن أتفهم دوافع الرجل، لأنه وجد فى السيدة جيهان شريكة تدعمه وتسانده فى معترك الحياة والسياسة، خاصة فى حقبة أعيد خلالها تشكيل المشهد السياسى،

وكان السادات لاعباً أساسياً طيلة تلك المرحلة، بل لعلى لا أبالغ إذا قلت إن الوقت الراهن هو نتيجة لما بدأه السادات من خيارات أبرزها السلام مع إسرائيل والانفتاح على الغرب.

قبل أيام، شاهدت السيدة جيهان تتحدث عن تجربتها مع فضائية «الحرة» الأمريكية، وفى كل جملة كانت تنطقها كان إعجابى بها يتضاعف، حتى سألت نفسى: ماذا لو فعلها الرئيس مبارك جدلاً وأسند لها حقيبة وزارية؟ وكيف كان الشارع المصرى - نخبة وعواماً - سيستقبلون هذا القرار؟

لا شك أننا كنا سنسمع وقتها نكات سخيفة، وربما تعليقات بذيئة، وسيسوّد المزايدون من الكتّاب على طريقة «ما يطلبه المستمعون» مئات الصفحات عواء وعويلاً على ما آلت إليه أحوال مصر، ولن يتوقف أحدهم مع نفسه ليناقش خبرات السيدة ومؤهلاتها لتتبوأ منصباً، ربما تكون جديرة به أكثر من غيرها.

بالطبع لن يحدث أن تسند للسيدة جيهان أى حقيبة، وزارية كانت أو حتى مدرسية، لأن «السيستم» فى مصر له «فورمات» فريدة، فمن يخرج من الساحة لا يعود إليها، فلا يحدث مثلاً أن يقبل سياسى مصرى بما ارتضاه الرئيس الروسى السابق بأن يكون رئيساً للوزراء، وأن تصعد قرينة الرئيس الأمريكى الأسبق لتكون أهم وزيرة فى بلادها، فمن يُستبعد فى بلادنا تغلق فى وجهه كل الأبواب، ويعدم سياسياً.

كانت السيدة جيهان حاسمة ولبقة فى إعلان موقفها من انتشار التطرف الدينى شعبياً، فقد اعترفت بوجود المشكلة ولم تنكرها، لكنها أكدت أنه تيار يعبر عن أقلية لكن صوتها مرتفع، وحين سئلت عن رأيها فى الحجاب وصفته بأنه «حرية شخصية»، لكنها استدركت مؤكدة أن مقاصد الشريعة أبعد من الشكليات.

وحين حاول المذيع استدراجها للخوض فى علاقتها بالرئيس مبارك وقرينته، ردت كسيدة مجتمع وسياسية محترفة، فأكدت أن علاقتها بأسرة مبارك طيبة، وأن صداقة وطيدة تربطها بالسيدة سوزان، التى أشادت بها لأنها تواصل المسيرة التى بدأتها، مما يؤكد أنها كانت على حق حين دشنت دور السيدة الأولى.

تحية للسيدة الفاضلة جيهان السادات، وهذه دعوة لتكريمها من قبل البسطاء قبل الساسة، ولا أحسب أن الأمر ينطوى على أدنى شبهة للتملق، فهى الآن لا تملك نفعاً ولا ضراً لأحد.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق