كتب – ايهاب رشدى 
" كيفين " شاب من دولة جامايكا جاء  إلى مصر فى زيارة ، وحمله أهله أو ربما أحد أصدقائه برسالة وهي البحث عن قبر لجندى من دولة جامايكا ، كان قد شارك فى الحرب العالمية الأولى حينما كانت جامايكا مستعمرة بريطانية وكان هذا الجندي أحد ضحايا تلك الحرب ، الذين تم دفنهم فى مقابر الحرب العالمية الموجودة بالإسكندرية حتى الآن. فقد كانت الإسكندرية خلال الحرب العالمية الأولى ( 1914- 1918 ) مسرحا لتجمع عشرات الآلاف من الجنود من جنسيات مختلفة.
 
لم تكن المهمة سهلة بالنسبة لـ " كيفين " الذى جاء يبحث عن قبر لشخص توفى قبل أكثر من مائة عام ، ويعد هو الجندى الوحيد الجامايكى الأصل وسط آلاف الجنود الذين ضمتهم مقابر ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية والموجودة بالإسكندرية والتى تقع إحداهما فى شارع " أنوبيس " والأخرى فى شارع المنارة ، بمنطقة باب شرقي بوسط المدينة الكوزموبوليتانية. 
 
اثنان كان لهما دورا كبيرا فى نجاح مهمة الشاب الجامايكى قبل أن يرجع إلى بلاده ؛ الصدفة ، و " مينا ذكى " الشاب السكندري مؤسس مبادرة الجولة لزيارة آثار ومتاحف الإسكندرية، والذى استطاع خلال عدة سنوات أن يصطحب آلاف الشباب فيما يزيد عن مائة وأربعين جولة ، ليتعرفوا على تاريخ هذه المدينة العريقة والتى جمعت على أرضها ثقافات وحضارات وجنسيات من كل دول العالم .  
 
فى القاهرة وقبل أن يأتى " كيفين " إلى الإسكندرية ، كشف عن مهمته التى يريد أن ينجزها لأحد الأشخاص المصريين والذى كان بالصدفة صديقا لـ " مينا ذكى" . 
 
جاء " كيفين " إلى الإسكندرية يحمل فى قلبه آمالا عريضة لاتمام الرسالة التى حملها بين ضلوعه منذ ان غادرت قدماه جامايكا متجها إلى مصر ، وكان قلبه فى ذات الوقت يحمل معاول الشك فى أن تخفق مهمته ويعود لبلاده بخيبة أمل . 
 
فى يوم الجمعة 4 ديسمبر الجارى ، كان اللقاء بين الشاب الجامايكى " كيفين " والشاب السكندري " مينا ذكى " ، وبدأت رحلة البحث  في مقابر الكومنولث، التى تضم ضحايا الحرب العالمية الاولى وذلك بحسب المعلومة التى يعرفها " كيفين " أن الجندى الذى يبحث عن قبره من ضحايا الأولى . 
 
كانت الصدمة الأولى لـ " كيفين " حينما علم أن مقابر الكومنولث مغلقة فى ذلك اليوم ، فلم يتمكنا من دخولها ، ولم يكن أمامهما إلا مقابر الحرب العالمية التانية والتى تقع في أول شارع المنارة ، على أن يعاودا البحث  في " أنوبيس " فى وقت آخر. 
 
صارت المهمة أصعب من ذى قبل ، كيف الوصول إلى قبر من بين 3000 شاهد لقبر يحمل كل منهم اسم صاحبه ؟ فكان عليهما الاستعانة  بالكتاب الأرشيف ، لمعرفة الحرف والرقم الذى سيقودهما إلى القبر المطلوب . 
 
مراليوم الأول والثاني دون الوصول إلى نتيجة ، وكاد الأمل أن يذوب فى قلبيهما ، إلا أنه مع ساعات اليوم الثالث ومع مواصلة البحث وصلا أخيرا إلى شاهد القبر الذى يحمل اسم الجندي الجامايكى، وكانت فرحة غامرة من الشاب " كيفين" ، الذى اطمأن قلبه الآن ، وطلب الذهاب 
لأقرب محل لبيع الورود ، ولعبت الصدفة مرة أخرى ثانى أدوارها حيث كان أقرب محل للورود هو " أو بافيون دى فلوريل " فى شارع فؤاد بوسط الإسكندرية ، ويقال أنه أقدم وأول محل لبيع الورد فى مصر كلها ، أسسه  منذ ما يزيد عن مائة عام ، خواجة يوناني مقيم بمصر وتحول الآن إلى أثر تاريخي بالاضافة لكونه محلا للورود . 
 
حمل " كيفين " باقة الورد ، وعاد برفقة مينا إلى المقابر حيث وضع الورود على قبر الجندى غير المجهول، وسجل رسالة رقيقة ومؤثرة فى كتاب الضيوف بالمكان ، ولم ينس أن يسجل تلك اللحظة ، على هاتفه المحمول حيث التقط بعض الصور التذكارية وهو بجانب قبر الجندى ابن بلده الذى صار الآن مصدرا للفخر.
 
غادر الشابان المكان بينما هتف " مينا ذكى " فى أعماقه بعد أن أنهى أحدث جولاته السكندرية بنجاح  :"عاشت الإسكندرية مدينة كوزموبوليتانية جامعة الثقافات والحضارات والجنسيات ".