ميشيل حنا الحاج
المخاوف من المساعي الايرانية الساعية لانتاج قنبلة نووية، كان يمكن حلها دون الحاجة للدخول في مفاوضات مع خمسة زائد واحد.  فمن أجل الحقيقة والواقع، ونظرا  للحاجة الى التذكير بأن البعض، بل  الكثيرين من  أولئك الساسة، لا يقرأ أو لا يتابع او يركز على ما قرأ او ما نشر، أود أن أذكر وبكل تواضع، أنني قد نشرت منذ عام 2013  وعلى صفحات موقع Word Press، وقبل الشروع في مفاوضات خمسة زائد واحد التي لم تبدأ الا  في تشرين ثاني 2013، أي بعد سبعة شهور من نشر المقال المطول الذي ناشدت فيه العقلاء والمتنفذين في الدول العربية، وخصوصا في السعودية منهم، السعي للتخلي عن الخلافات مع ايران، وفتح صفحة جديدة، سواء  في قضايا الخلافات الطائفية كالخلافات بين السنة والشيعة، والخلافات السياسية التي هي من مخلفات معركتي القادسية وكربلاء، وما تبعها من غزوات وهابية في القرن التاسع عشر وأدت الى تدمير  ضريحي الامام علي في النجف، والامام الحسين في كربلاء، منتهية بآخر الحروب، وهي الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمانية اعوام، والتي وضعت أوزارها في عام 1988 ، عندما تجرع الخميني كأس السم لحظة اضطراره للاعلان عن وقف اطلاق النار.

ومن اجل الواقعية في التحليل، لا بد أن نذكر بأن ايران كانت هي المتضررة من كل هذه الحروب. فالفرس (الايرانيون حاليا) هم  من خسروا حرب القادسية، وهم من خسروا معركة كربلاء، وهم من تضرروا عندما دمر الوهابيون ضريحي الامامين علي  والحسين، كما أنهم  كانوا الخاسرين في آخر الحروب وهي الحرب مع العراق. ومن هنا يبدو بأن ايران الثورة الاسلامية الساعية للتوسع في المنطقة،  قد تم تحجيمها، فهي  باستثناء  الهيمنة على الجزر الاماراتية الثلاث، لم تستول على أراض عربية  أسوة باسرائيل التي غزت أراض عربية وسيطرت عليها، بل وما زالت تسيطر عليها  كالقدس وأراضي الضفة الغربية والجولان، علما أن ماسيطرت عليه ايران (أي الجزر الاماراتية الثلاث) قد سيطرت عليه في عهد  الشاه الذي كان صديقا وحليفا للكثير من الدول العربية، ولم يكن  في عهد الثورة الاسلامية. ولعل الخطأ الذي ارتكبته الثورة الاسلامية، هو كونها لم تبادر فورا، وتأكيدا لحسن النوايا تجاه العرب، من الانسحاب من الجزر، علما بأنها قد شرعت فعلا في مفاوضات مع امارة الشارقة التي تملك أحد أهم تلك الجزر والتي كانت جزيرة نفطية، كما كانت تشكل جزءا من مضيق هرمز، لكن بعض التطورات المفاجئة في المنطقة، أدت الى توقف تلك المفاوضات.

أما موضوع المقال الذي نشرته في أيار 2013 ، والذي كررت نشره بصيغة أخرى مختلفة عام 2014 على صفحات  الحوار المتمدن، وهو الموقع الأليكتروني المقروء كثيرا  من العديدين وخصوصا المثقفين منهم، وكذلك على صفحات وورد برس في عام 2015 ، ولكن بصياغة أخرى  هدفها التذكير عندئذ فحسب بالاقتراح السابق، لكون  جدوى  المقترح الأول قد  تم تفويته بعد  توقيع اتفاقية خمسة زائد واحد مع ايران حول المشروع النووي الايراني وذلك في 15  تموز (يوليو) 2015  …وكان موضوع المقال (المقترح) المنشور في ايار 2013 ، حث الدول العربية على التخلي عن الصراع السياسي والطائفي مع ايران، والدخول معها في مفاوضات تؤدي الى التحالف معها لمواجهة اسرائيل ودول الغرب، مركزا في المقال بأن تلك اللحظات، كانت لحظات مثالية للتفاوض مع ايران، لكونها تعاني من متاعب اقتصاية وضغوطا مالية  بسبب الحصار الصارم المفروض عليها،  مما تركها في وضع غير عادي من الضعف والمعاناة، كان بوسع العرب نتيجته، التوصل لاتفاق مثالي مع ايران يقضي باشراك الدول العربية في المشروع النووي الايراني، مقابل تقديم الدعم المالي والاقتصادي لانقاذ ايران مما تعانيه من آثار العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية.

واورد هتا مقتطفات من المقال التذكيري والشبيه  بالمقال السابق المنشور في أيار 2013 ، والذي صغته يومئذ كسؤال ضمن سلسلة من الأسئلة التي تجاوز عددها الستين سؤالا موجها للسياسيين والقادة العرب، نشر بعضها عبر صفحات “وورد برس″،  والكثير منها على صفحات الحوار المتمدن، وهي المقالات بصيغة الأسئلة التي باشرت في كتابتها اثر تقاعدي من مرحلة العمل على مدى خمسة وخمسين عاما في الاعلام العربي والدولي، والتفرغ بعدها منذ شهر نيسان (ابريل) 2013 ، للكتابة في القضايا السياسية، وتوجيه تلك الأسئلة المتعددة، للسياسيين والقادة العرب:

“والواقع أن العرب قد فوتوا فرصة ذهبية لتحويل الجهد النووي الايراني، الى جهد عربي ايراني مشترك، عندما كانت ايران، وقبل الشروع لاحقا في تشرين ثاني (نوفومبر) 2013 بالمفاوضات مع  خمسة زائد واحد، تعاني، كما سبق وذكرت، من ضائقة اقتصادية ومالية نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض عليها من الولايات المتحدة ودول أوروبا. فقد كان بوسع العرب آنئذ، وخصوصا السعودية، أن تقدم يد العون المالي والاقتصادي لايران، لتنتشلها من الهوة التي كانت واقعة فيها، مقابل تفاهم عربي ايراني على جعل المشروع النووي الايراني، مشروعا عربيا ايرانيا مشتركا وممهدا لتناسي الخلافات، بل والتوجه نحو الاتحاد الشرق أوسطي، على غرار الاتحاد الأوروبي الآتي لا محالة ولو بعد حين.

وأنا وبكل تواضع، قد أعدت  التذكير بمقالي السابق الذي نشرته في أيار (مايو) عام 2013 ، وذلك بنشر مقال آخر تذكيري وعتابي قبل عامين ونصف العام، وبالذات في 21 كانون أول (ديسمير) 2015 ، أي فور شروع ايران بالمراحل التنفيذية لاتفاقها مع خمسة زائد واحد الموقع في 15 تموز (يوليو) 2015 .  وكنت فيه الوم “مرة أخرى، الدول العربية وخصوصا السعودية، على عدم مد يد العون لايران والدخول في مفاوضات معها حول هذا الأمر، لانقاذها من مغبة وسطوة ذاك الاتفاق الضار بدول المنطقة، وذلك كخطوة لتحقيق مشروع عربي ايراني لانتاج القنبلة النووية المشتركة”.

ومع ذلك ها هي الفرصة الذهبية تلوح مرة  أخرى في الأفق، نتيجة تهديد الرئيس ترامب لايران بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية خمسة زائد واحد  منذ الثاني عشر من ايار القادم، مما يقتضي انتهاز هذه الفرصة الذهبية، بل الماسية، وعدم تفويتها مرة أخرى، وذلك بطرح عرض مباشر وفوري على ايران لتقديم الدعم المالي والاقتصادي، شريطة اشراك العرب وخصوصا  السعودية بالبرنامج النووي الايراني، على أن يصبح برنامجا عربيا ايرانيا، بل سعوديا ايرانيا، خصوصا  وأن السعودية باتت تلمح الى توجهها نحو تأسيس  مفاعلات نووية في السعودية.  كما أن التفاهم الايراني  السعودي يضع حدا لمخاوف السعودية من قنبلة ايران النووية، وهو تفاهم ربما بات اكثر يسرا وسهولة بعد أن كشف الأمير محمد بن سلمان عن توجه السعودية لتحجيم الوهابية، مما يتيح فرصة أوسع للتفاهم الوهابي الجعفري.

وبوسع تسمية النشاط النووي السعودي الايراني الساعي لانتاج قنبلة نووية مشتركة، بالقنبلة الشرق اوسطية  التي لا تسعى لالحاق الأذي  أو لتدمير دول غربية أوروبية، أو حتى لتدمير اسرائيل، اذ غايتها تحقيق بعض التوازن  مع الكثير من الرؤوس النووية  المتواجدة لدى اسرائيل والتي قد تستخدم يوما لتدمير ايران وبعض الدول العربية كسوريا مثلا.

وفي عمق الرؤيا والتحليل، قد يكون الاتفاق العربي الايراني لانتاج القنبلة المشتركة،  قنبلة الشرق الأوسط النووية، أكثر قبولا من الدول الغربية عن البديل السابق وهو اتفاق خمسة زائد واحد، وذلك نتيجة وجود شريك عربي في المشروع الايراني.  فالعديد من الدول العربية وأبرزها السعودية، هم  حلفاء سياسيين واقتصاديين للعديد من الدول الغربية. اذن لا خوف عندئذ  من تهور ايراني مفاجىء  في اساءة استخدام السلاح النووي، وذلك لوجود شريك معتدل  يحول دون التهور والاندفاع لتحويله لسلاح مدمر يخرج عن هدفه الحقيقي والفعلي،  وهو كونه سلاح دفاعي فحسب ، هدفه الوحيد احقاق التوازن النووي مع العدو الاسرائيلي المشترك، وكبح  جموحه وغطرسته التي لا رادع لها، وخصوصا بعد اندفاع الرئيس ترامب نحو زيادة دعمه السياسي والعسكري لاسرائيل، وكل ذلك على حساب أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة من العرب.

فهل يلقي التذكير الثالث  لهذا المقترح المتواضع، صدى واستجابة من قبل بعض السياسيين العرب، أم سيلقى كسابقيه (في 2013 ثم 2015 ) اهمالا ما بعده اهمال رغم كونه قد يشكل بارقة أمل لانهاء الصراع الطائقي والسياسي بين السعودية وايران، بل وقد يشكل اللبنة الأولى في مشروع الاتحاد الشرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوربي الذي تم وانجز رغم كل الخلافات الاثنية والطائفية بين دولها الثماني والعشرين، بل  ورغم كل الحروب التي خاضتها تلك الدول الأوروبية بين بعضها البعض وكان آخرها الحرب العالمية الثانية، والتي لا تشكل القادسية وكربلاء وحرب عراق ايران، الا مجرد نقطة في بحر الدماء التي افرزتها الحروب الأوروبية الكثيرة المتعددة والتي يصعب حصرها.