بقلم: هانى دانيال
اتعاطف كثيرًا مع حملة الكراهية المصرية للتعصب الجزائري، ولكن من واقع متابعتي لبعض الأحداث أخشى أن نحصل على "صفر" آخر مثل ما حصلنا عليه في 15 مايو 2004 هذا اليوم التاريخي الذي انتظر فيه الشعب المصري منافسة شرسة مع الدول المرشحة لنَيل شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم، حتى خرج المصريين من شدة الصدمة غير مصدقين ما حدث، فربما كان الكثيرين يتوقعون خروج مصر من مسابقة الترشيح، ولكن لم يتوقع أحد في مصر أن تحصل على "صفر"!
الكل الآن يتحدث عن قطع العلاقات الدبلوماسية والرياضية مع مصر، وربما كنوع من التعاطف يتم إصدار قرارات متتالية، ولكن هذا سُيعقد الأمور كثيرًًا في المستقبل، لأن الإنسحاب من أي مناسبة أمر في غاية السهولة، أما العودة فهي في شدة الصعوبة!
الآن العالم حصل على معلومات عن مصر وربما غير صحيحة ولكنها هي المتاحة، ورغم الثورة المعلوماتية الحالية إلا إننا لا نزال نتحدث مع أنفسنا، ففي الحملة الخاصة بتنظيم كأس العالم كنا نتحدث مع أنفسنا، وقامت اللجنة المصرية بطوف المحافظات للدعاية لمصر، والتأكيد على أن هذه الحملات مهمة من أجل شد أنظار المجتمع حتى يكون لديه وعي بأهمية تنظيم البطولة، وقبل اختيار الدولة المنظمة بـ 30 يوم بدأت اللجنة في مخاطبة الدول الخارجية ومحاولة اقناع الـ 24 عضو باللجنة التنفيذية للإتحاد الدولي، والذين لهم حق اختيار الدولة المنظمة.

وهذا بالطبع كان متأخر للغاية بعد أن كانت أنظار العالم تتجه إلى جنوب أفريقيا والمغرب، وانتظار فوز إحدهما بهذا الشرف بعد أن تمكنت الدولتين من الوصول لأعضاء اللجنة التنفيذية قبل يومًا لتصويت بعدة أشهر، بالإضافة إلى عمل زيارات عديدة للصحافة الرياضية العالمية وهو ما ساهم في التركيز على دول معينة لديها الإمكانيات، وتغافل بلدان أخرى ومن ثم كانت النتيجة المشئومة بخروج مصر "صفر" اليدين، ومع ذلك لم نتعلم الدرس رغم مرور أكثر من 5 سنوات!
لا أتحدث عن الجزائر ولا أتحدث عن الملف الذي أعده اتحاد الكرة وذهب كل من سمير زاهر رئيس الإتحاد المصري لكرة القدم ونائبه هاني أبو ريدة عضو اللجنة التنفيذية للفيفا إلى زيورخ لتوضيح الموقف للإتحاد الدولي، ولا أتحدث عن الخطوات السياسية التي تتم حاليًا وحتى بعد تدخل جامعة الدول العربية لحل الخلاف بين مصر والجزائر من خلال ليبيا بإعتبار القذافي رئيس الإتحاد الأفريقي، ولكني أركز على قرار المقاطعة التي اتخذته اللجنة الأولمبية المصرية بمقاطعة الجزائر رياضيًا ومحاولة تأجيل بطولة كأس أفريقيا لكرة القدم والمقرر اقامتها في القاهرة في فبراير المقبل ومن المنتظر مشاركة الجزائر بها، بالإضافة إلى محاولة التفاهم مع الإتحادات الدولية بشأن مقاطعة الجزائر رياضيًا لأن ما يحدث عبث كبير ولا يمكن قبوله وإذا حدث ستكون العواقب وخيمة على مصر وستزداد عزلة ولن تحصل على أي شيء!

أعتقد إنه من الضرورى أن يتم تنظيم بطولات عديدة في مصر وليس مقاطعة التنظيم لأن هذا سيساعد على وجود الدول الأجنبية والعربية ليروا بأنفسهم الجمهور المصري ومدى الإستقبال الحافل الذي تقوم به مصر، ومن ثم التنظيم الجيد يفند أي مزاعم حاولت الجزائر نشرها، بالإضافة إلى أن هذه البلدان حينما تأتي إلى مصر تأتي معها الصحفيين المتخصصين ورجال الإعلام، وبالتالي هم أفضل من ينقلون ويساعدون في توضيح الصورة، بينما العزلة ستعمل على تأكيد الصورة التي حاولت الجزائر بثها وبالتالي تنجح مخططاتهم، وتخشى الإتحادات الدولية تنظيم البطولات الرياضية في مصر، ومن ثم ستسعى الحكومة المصرية بكل قوتها على إعادة الأوضاع إلى أمورها، والقيام بحملات ترويجية من أجل تأكيد جدراتها في تنظيم الأحداث الرياضية، ومن ثم العودة للصفر رغم أن مصر أثبتت نجاحًا كبيرًا في تنظيم العدد من البطولات بمختلف الألعاب، ولكن عزلتها تسببت في نسيان ما قامت به!
كما أن المقاطعة ستعمل على فرض عقوبات كبيرة من الإتحادات القارية، والتي لا تعرف معنى المقاطعة وترفض بالأساس تدخل الدولة في الرياضة، وأن يدير كل لعبة مجلس منتخب يختص وحده بإتخاذ القرارات، ووجود قرار جماعي بالمقاطعة لكل ما هو جزائري يعمل على بث حالة من القلق بوجود تدخل حكومي في هذا الأمر، وبالتالي ستتدخل الإتحادات الدولية في هذا الأمر وستخير مصر ما بين انهاء المقاطعة أو الإستبعاد الدولي وتوقيع عقوبات كبيرة، وبالتالي لن ينفع هنا العناد وستكون مصر في حيرة بسبب الإختيارات المؤلمة التي وضعت نفسها فيه!

وينبغى التأكيد هنا على أن الوجود المصري في المحافل الدولية بدأ يتخذ اتجاه إيجابي، ومن ثم لا بد من زيادته والإستفادة منه، فهناك هاني أبو ريدة عضو باللجنة التنفيذية للإتحاد الدولي لكرة القدم وهو من ضمن 24 فرد لديهم قرار التصويت على كل ما يتعلق بالإتحاد الدولي، وهو منصب رفيع المستوى ينبغى الإستفادة منه، وهناك حسن مصطفى رئيس الإتحاد الدولي لكرة اليد، وهناك مصطفى فهمي سكرتير عام الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، وهناك خالد مرتجي منسق عام بالإتحاد الدولي لكرة القدم، وهؤلاء مع غيرهم يمكن الإستفادة منهم في توضيح الصورة لما حدث في السودان، والإستفادة من خبراتهم في التعرف على القنوات المناسبة التي تعيد للمصريين حقوقهم دون الأضرار بمصالح الرياضة المصرية، خاصة وأن هذا الوضع يختلف تمامًا مع 2004، حينما كان هناك المهندس هشام عزمي منسق عام بالإتحاد الدولي لكرة القدم أذهل الإعلام المصري بقوته وتحركاته وقدرته على جذب أصوات عديدة لمصر في إطار منافستها للحصول على تنظيم كأس العالم 2010، حتى خرجت مصر بشكل مهين من التصويت، واختفى عزمي منذ هذا الحين ولم يسمع أحد عنه شيئاً حتى الآن!

الوضع مختلف والظروف مختلفة، ولكن المقاطعة هو بمعنى الإتجاه للعزلة وبالتالي ستكون الخسائر كبيرة وحينها سيكون الجانب الجزائري نجح في كل ما يريد الوصول إليه، وقرار الحكومة بالمقاطعة هو قرار "خائب" ولن يفيد شيئًا، بينما المهم الآن هو طلب تنظيم مزيد من البطولات، والعمل بشكل أسرع في تطوير الهيئة العامة للإستعلامات من أجل مخاطبة العالم الخارجي بشكل أفضل، والتنسيق مع السفارات المصرية بالخارج لكي يكون لها دور أفضل في مخاطبة الإعلام الدولي بدلاً من الجمود الذي تعيش فيه حاليًا، وبدون الإتجاه للعالم الخارجي ومخاطبته بوسائله ستزيد المآسي وستظل كرامة المصريين ضائعة وسيتكرر "صفر" المونديال مرة آخرى!