د. ماهر عزيز
كشفت الأسباب التي أعلنها رئيس مجلس الوزراء لأجازة الأيام الخمسة التي يتوسطها يوم الأحد الموافق "عيد القيامة المجيد" لمسيحيي مصر عن تمكن العقل السلفي من الدماغ المصرية تمكنا كليا ..
 
فلقد أعطي سببا لكل يوم من أيام الاجازة ،  وتوقف عند يوم الأحد فجعله لمنع التكدس تفاديا لمخاطر الجائحة المدمرة ؛ متجاهلا أنه يوم احتفال عظيم لدي قسيم كبير في جسد الوطن  ؛ فأوقع الدولة كلها في حرج بالغ ؛ واستمطر السخرية طوفانا من الهزء  والاستنكار أغرق السوشيال ميديا كلها ..
أما لماذا الهزء والاستنكار والسخرية ؟ فالأمر لا يحتاج الي تعليق لفرط سذاجة السبب الذي سيق لتبرير الأجازة ، بينما سببها الحقيقي قائم أنصع وضوحا من شمس الظهيرة !!!
 
فجهود منع التكدس لا ينفعها يوم يتيم بين أيام عدة .. لأنها ببساطة يتعين أن تكون ضمن مخطط شامل يتحقق بمدي زمني واسع وخطة سياسية-اجتماعية-طبية محكمة  !!!
 
أما لماذا تجاهل رئيس الوزراء السبب الحقيقي لأجازة يوم الأحد ،  فالأمر ينطوي علي استنتاج حزين بالغ الأسي !!!
يمكنني أن أستنتج بدرجة معقولة من اليقين ؛ فلقد عملت في خدمة الدولة نيفا وثلث قرن ؛ وكنت أكلف بتجهيز قرارات أو كلمات يلقيها معالي الوزير المختص في كافة المواقف والمناسبات ، وكنت أتوخي في صياغتها الوفاء بمتطلبات الأبعاد الوطنية والدولية والسياسية والاجتماعية كافة ، بل كنت أضيف إليها بعدا ثقافيا وانسانيا طالما احتفي به معالي الوزير وطوبني عليه ...
 
فأغلب الظن أن ما حدث هو تكليف موظف في رئاسة الوزراء بصياغة القرار ، فصاغه وعرضه علي رؤسائه ، ليأخذه أعلي رئيس في السلسلة ويعرضه علي رئيس الوزراء ،  الذي ناقشه فيه ،  لكنه أقنعه أن ليس في الامكان أبدع مما كان ، وأن صياغة القرار هكذا تعفي الدولة من هجوم ضار تستخدم فيه القوي السلفية الرجعية بالوطن أسلحتها الفتاكة للنيل من الحكومة كلها ،  بل وتطال في الوقت ذاته رئيس الدولة !!!
 
وظني ان رئيس الوزراء ترك القرار هكذا علي مضض خشية ما حذروه منه .. وهم في الأغلب علي حق في تحذيرهم !!!
 
كان واضحا  أن مجرد ذكر " عيد القيامة المجيد " مرتبطا بأجازة الأحد - التي ، لوقوعها عنوة وسط أيام الأجازة ،  لا يمكن تفاديها .. ولكن يمكن التنويه بها وإطلاق التهاني بمقتضاها مشاركة لقسيم كبير في جسد الوطن - كان واضحا أن مجرد ذكر " عيد القيامة المجيد " يتصادم تصادما عنيفا قد لا تحمد عقباه مع الاعتقاد الديني للغالبية ، بما لا يمكن احتماله أو مواجهته !!!
 
ورغم أن الاعتقاد الديني المستنير لدي النخبة المثقفة - التي يمثلها رئيس الوزراء نفسه - يقبل دون حرج ودون تصادم -  بل  وبالترحاب والحب -  التنويه "بعيد القيامة المجيد" ، والتهنئة بشأنه ، فإن قوة تأثير الأغلبية ، وكل محيطها ووشائجها ، بدت لهم ساحقة ماحقة لا قبل لهم بمواجهتها !!!
اما لماذا  يكون تأثير الغالبية السلفية بهذه القوة ، فذلك هو الواقع المؤلم الذي يجتاح البلاد في وقتنا الراهن ، ولا يظهر في الأفق ثمة أمل للخلاص منه في المدي القريب !!!
 
" فالعقل المصري" الآن في قبضة السلفية الرجعية ، التي تصور للناس أن هذه السلفية الرجعية -  المصانة والمحصنة بمؤسسة هائلة متغلغلة في كل مفاصل الدولة والمجتمع ،  التي هي بدورها مصانة ومحصنة بالأجهزة المؤسسية المتحكمة كلها ، بل والمترسخة الي الجذور بمناهج تعليمية تعود للقرون الوسطي -  أقول التي تصور للناس ان هذه السلفية الرجعية هي أنصع الجواهر التي خلفها السلف الأعظم ، بينما هي تعتقل العقل المصري كله في كهف التاريخ والتخلف والجهل  ،  وتقدم له نموذجا للحياة مؤسسا علي عدم الاعتراف بالأغيار ، واستعداء البشرية جمعاء ، وسحق المرأة ، والاستعلاء العنصري ، ومصادمة الحضارة ، والنجاسات الجنسية كلها  !!!
 
ولقد تزامن ذلك الإعلان المهزوم أمام السطوة السلفية بمصر ، الذي أصدره رئيس الوزراء عن الاجازة  ، مع إعلان آخر ينسحق انسحاقا مروعا  أمام السطوة السلفية  بمصر ، علي نحو مذهل غير مسبوق ، أطلقه وزير النقل وهو يبرر به  للشعب امام مجلس النواب كل الكوارث الهائلة بسكك حديد مصر علي مدي السنوات القليلة الماضية ، أنها قد حدثت لأن  542  تكفيريا سلفيا داعشيا يحتلون مناصب متفاوتة بسكك حديد مصر ، ويخططون دائما وأبدا لقتل الأبرياء في كل مصر انتقاما من مجتمع كل جريمته انه يساند دولته لأجل الارتقاء بالحياة علي أرضه ،  والعيش الأمن الراقي الكريم !!!
بل زاد الوزير فأعلن أنه يخطط لوقف الشر الكامن في هؤلاء بواسطة الوعظ (؟؟؟؟؟) الذي سيستجلب له أساطين الوعظ من أكبر مؤسسة تقود السلفية في العالم اليوم ( !!!!!!) .. 

الحق أن اليوم الذي تقف فيه الدولة بكل جسارة واباء في مواجهة " العقل السلفي" -  الذي يعتقل مصر الان في كهوف الجهل والتخلف والتراجع والعنصرية - هو اليوم الذي سيكتب فيه لمصر ميلاد جديد !!!