"فخرج يسوع خارجا وهو حامل إكليل الشوك وثوب الأرجوان. فقال لهم بيلاطس: هوذا الإنسان" (يوحنا ١٩-٥)
"لا سلطان لك علىَّ لولا أن الله منحك هذا السلطان. لذلك إن صلبتني فخطيئتك تقع عليك، ولكن اعلم أن خطيئة من أسلمني إليك أعظم من خطيئتك" (يوحنا ١٩-١١)
ثمة رغبة عند كل حاكم في أن يدخل التاريخ من بابه الواسع، وأن يُخلد ذكره بين الأنام، وبخاصة في وطنه. وتتطلب هذه الرغبة في الاشتهار أن تطرأ أحداث جسام لكى تتحقق أحداث فيها من التحدي ما يبرر القوى الكامنة في شخص الحاكم، سواء كانت حكمة وحنكة وحسن تدبير، أو جرأة وشجاعة وصمود، وبحسب "الكاريزما" التي تجعل الشعب يلتف حوله في الصراع لأجل الدفاع عن القضايا العادلة، أو درء الخطر عن البلاد. وهناك حكام يرغبون في دخول التاريخ من بابه السلبى الملطخ بالدماء، ولنا في التاريخ أكثر من مئات الشواهد على هؤلاء الحكام. 
تسلم بيلاطس ولاية اليهودية من عام ٢٦ إلى ٣٦م. وكان مركز حاكميته في مدينة أورشليم. وكان للرومان المحتلين حامية عسكرية في قلعة المدينة أورشليم، تأمر بإمرة الحاكم مباشرة لضبط أي محاولة تمرد أو شغب تحدث في المدينة العاصمة، أو في المدن والقرى المحيطة.
ويروى لوقا في إنجيله عن قوم جاؤوا إلى يسوع وأخبروه، كشهود عيان، عن الحادثة البشعة التي جرت في أورشليم، لما "خلط بيلاطس دم أهل الجليل بدم ذبائحهم" (لوقا ١٣/١) - وهذا تعبير يدل على قساوة مفرطة في معالجة حادثة لم تُدون تفاصيل أحداثه-  ولكن أجابهم يسوع وقال لهم: أتظُنون أَن هؤلاَء الجلِيلِيين كانوا خُطاة أَكثر من كل الجلِيلِيين لأَنهم كابَدُوا مثل هذا؟ كلا! أقول لكم: بل إِن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تَهلِكُونَ. (لوقا ١٣/٢-٣).
أَتُرى حاول قوم من الجليل خلال زيارة لهم إلى أورشليم لإقامة شعائرهم الدينية وتقديم ذبائحهم في الهيكل حسب شريعة موسى، أن يثيروا أحداث شغب في المدينة حتى عاملهم بيلاطس بهذه القسوة؟ هذا أول ما يتبادر إلى الذهن، إلاّ إذا كان بيلاطس من ذلك النوع من الحكام الطغاة الذين يُرهبون شعباً بكامله بالضرب بقسوة فئة قليلة منه، تحت أي ذريعة، لزرع الرعب والخوف في قلوب البشر، فيكونون عبرة لمن تسؤّل لهم أنفسهم التمرد على الحاكم.
بيلاطس دخل التاريخ من باب يسوع المسيح. كانت محاكمة يسوع الحدث الأبرز في حياته. عينّت روما حكُاماً عديدين في فلسطين. وفى سائر مستعمراتها، ولم يشتهر واحد منهم، سوى بيلاطس، بل ذكره جاوز كثيرين من الأباطرة الرومان، ففي كل كنيسة ليسوع المسيح شرقاً وغرباً، وفى كل أنحاء العالم وأصقاعه، كلما ردّد المسيحيون قانون ايمانهم، يتلون العبارة التالية: "وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى".
وقد أقيل من وظيفته لقسوته وقد نفي إلى فرنسا ومات هناك. ويقول بعضهم أنه مات منتحرًا.
يتظاهر بيلاطس في محاكمة يسوع حاكماً يرغب في أن يكون صالحاً وأنه يُجرى العدل والإنصاف للمظلومين؟ ولكن هل نجح في ذلك وفى التمسك بالمحاكمة العدالة التي طلبها يوحنا في انجيله حكما عادلا بدون الأخذ بمعيار ظاهر الأمر؟ هل وفر العدالة للجياع والعطاش الى العدل ويصبح من الذين يستحقون تطوبيهم ؟ أم ساوم على الحق؟ ماذا كان يخشى من إطلاق سراح يسوع؟ لماذا أمر بإرساله إلى هيرودس لجلده وتعذيبه وأمر بصلبه؟.
- الوقائع حسب ما دونتها أناجيل البشارة 
تبدأ القصة في أورشليم في أيام الاستعداد لحلول عيد الفصح. كان كبار أحبار اليهود وعلماء الشريعة، والشيوخ، وهم يُشكّلون السنهدريم، مجلس الأمة والقضاء عند اليهود. قد أرسلوا حرس الهيكل وألقوا القبض على يسوع وحاكوه، واتخذوا قرارهم بأنه مستوجب الموت. وكانت التهمة التي استندوا اليها في إصدار حكمهم عليه: تجديفه وادعاءه أنه المسيح ابن الله، وأنه ابن الإنسان ملك الدهور الذى تتعبد له كل الشعوب (مرقس ١٤/٦١-٦٢) ودانيال ٧/١٣-١٤).
- تسليم يسوع إلى الحاكم الروماني
وحيث إنه لم يكن بإمكانهم قتل يسوع بطريقة سرية، دون أن يُذاع الخبر لتعلق الناس به، قررا:
تسليمه إلى الحاكم الروماني، وما كان لهم يَد وبُد في هذا الأمر، لأن روما حصرت حق الإعدام بسلطتها الإجرائية لا غير. 
شرع جنود الهيكل اليهود، يتقدمهم كبار الكهنة، في سًوق يسوع باكراً صباح الجمعة إلى بلاط الحاكم الرومانى بيلاطس. 
- الصراع النفسي "المتكافئ" بين السلطة الدينية والسلطة السياسية 
وعندما قرر زعماء اليهود تسليم يسوع الناصري إلى الحاكم الروماني ليُحاكمه، كانوا يدركون تمام الإدراك كيف يضغطون عليه لينفذ مآربهم. وهنا ابتدأ الصراع المتكافئ بين حاكم السلطة يعرف نوايا رجال الدين اليهود، ودوافع تحركهم للتخلص من يسوع، وبين قادة دينيين يعرفون كيف يستخدمون الشارع ورعاعه ليضغطوا على الحاكم، ويجبروه على الأخذ برأيهم. كان هدفهم أن ينتهوا سريعاً من محاكته أمام الحاكم، وتنفيذ إعدامه قبل مغيب الشمس يوم الجمعة. فيتخلصوا منه قبل عيد الفصح الذى يقع فيه يوم السبت. وكان السبت يبدأ عند اليهود مباشرة بعد غياب شمس الجمعة.
- حوار الشرفة
أطل بيلاطس من على الشرفة على الساحة الفسيحة أمام بلاطه، فرأى المئات من البشر محتشدين أمامه، وفى مُقدّمهم رجال الدين اليهود، ويسوع الناصري المقيّد وسط فصيلة من حرس الهيكل، فصاح بيلاطس بهم:
- لماذا هذا الحشد؟ ومن هو هذا الرجل الذى احضرتموه؟ هل لديكم شكوى عليه؟
- أجاب كبار الكهنة بيلاطس: لو لم يكن مذنبا لًما أَحضرناه إليك!
- بيلاطس: خذوه وحاكموه حسب شريعتكم. محكمتكم كافية للنظر في أَمره!.
أجاب كبار الكهنة بيلاطس: لا يسمح لنا القانون الروماني بتنفيذ أحكام الإعدام! وشرعوا يشتكون علي يسوع أمامه، وكان في شكواهم يحاولون إثارة الحاكم الروماني عليه باعتباره متمرداً على روما:
- إنه يُضل أمتنا بتعاليمه، وكذلك يمنع الناس من تأدية الجزية للقيصر، ويدّعى بأنه المسيح الملك.
نظر بيلاطس إلى يسوع وسأله:
- أَأنت ملك اليهود
فأجابه يسوع:
- نعم هو ما تقول ...
محادثة بين بيلاطس ويسوع
هنا أمر بيلاطس بإدخال يسوع إلى دارته، ونزل إليه إلى القاعة السفلى. بعيداً عن كبار الكهنة، وجرت بينهما هذه المحادثة، بعد أن كرّر بيلاطس عليه السؤال:
- بيلاطس: أَأَنت ملك اليهود
- يسوع: أتسألنى لأنك مقتنع بأنى ملك اليهود، أم أنك تردّد ما يتهمونني به؟ 
- بيلاطس: ألعلى أنا يهودي؟ أمتك وكبار الكهنة أحضروك إلىّ، ماذا فعلت؟
- يسوع: وبماذا أكون قد فعلت؟ إن مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامى يدافعون عنى لكى لا أقع في يد كبار الكهنة. ولكن حاليا مملكتي ليست من هذا العالم
- بيلاطس: أنت ملك، إذاً !
- يسوع: أترك ذلك القرار لك ، لأشهد بالحق أنا ولدت ولهذه الغاية أتيت إلى العالم فكل إنسان يؤمن بالحق يفهم ما أقول.
- بيلاطس: يا ليتنى أعرف ما هو الحق. 
ثم أعاد بيلاطس، وأطل على الشعب المحتشد في الساحة، وقال"
- لم أجد في هذا الرجل جُرمّا واحد أحكم عليه بسببه!
وهنا عاد مرة أخرى أن يمسك كبار الكهنة زمام الأمور لئلا تفلت الفريسة من أيدهم ورفعوا شكاوى عديدة على يسوع ليؤكدوا ذنبه ضد دينهم، وضد الدولة الرومانية.
أما يسوع ظل صامتا، فلم ينبِس ببِنت شفة. فساله بيلاطس من جديد:
- بيلاطس: أنظر كيف يشتكون عليك، أفما تجيب بشيء؟ 
- يسوع: فما أجاب يسوع بشيء، ولا رد على بيلاطس الحاكم...
وتابع الحشد صراخه، وأخذ كبار الكهنة يلجّون، ويشددون، ويرددون:
كبار الكهنة: ابها الحاكم، إن هذا الرجل يهيّج الشعب علينا وعلى روما، وهو ينادى بتعاليمه من الجليل وفى كل اليهوديه إلى هنا.
- ارسال يسوع الى هيرودس 
فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل، سأل عن موطن يسوع. فأكدوا له أنه من الجليل. وحيث إن هيرودس والى الجليل كان يقوم بزيارة مدينة أورشليم في تلك الأيام، أرسل بيلاطس يسوع مقيداً ومحروسا إليه. علّ هيرودس يقوم بمبادرة يساعد فيها على إطلاق يسوع، فيرتاح من هذا الهمّ الذى يُثقل كاهله. 
- رسالة من زوجة بيلاطس
خلال هذا الوقت بينما يسوع يُساق إلى هيرودس وصلت رسالة من زوجة بيلاطس تقول فيها:
"إياك أن يُمسّ ذلك البار بأذى على يدك، فلقد قاسيت الليلة آلاماً شديدة في الحُلم بسببه"
- وصول الجنود بيسوع الى هيرودس
لم يجب يسوع على أسئلة هيرودس. كيف يتحدث اليه ويدا هيرودس ملطّختان بدماء يوحنا المعمدان.
وقدم أيضا كبار رجال الكهنة شكاوى كثيرة على يسوع فلم يجب عن أي منها.
- أمر هيرودس عسكره بإهانة يسوع
ولما فشل هيرودس في حمل يسوع على التجاوب مع مطلبه ليريه شيئاً من أعماله، أمر عسكره بأن يُهينوا يسوع ويسخروا منه. فألبسه عسكر هيرودس لباساً براقاً يلبسه الملوك واستهزأوا به، ثم ردّه الجنود إلى بيلاطس. وهومن احد القضاة الذين حاكموا يسوع  والذي سماه يسوع "ثعلباً"  (لو 13: 32). وكان زمن حكاميته  من ٤ ق.م. إلى ٣٩ م.
- عودة يسوع إلى دارة بيلاطس
نادى بيلاطس كبار الكهنة ووجهاء الشعب، والجمع المحتشد وقال:
-"أحضرتم الىّ هذا الإنسان واتهمتموه بأنه يثير الفتنة بين الناس، وها أنا قد حاكمته بحضوركم، فلم أجد سبباً يدل على ذنبه من كل الشكاوى التي أوردتموها ضده. وكذلك هيرودس، لم يجد فيه علةّ لأنه أعاده إلينا بلا شكوى [لم يذكر بيلاطس في كلامه التعذيب والاهانة والسخرية التي واجهها يسوع من قبل عسكر هيرودس]، أنا سأمر بضربه بالسياط وإطلاقه، فهذا العقاب كافِ لتأديبه ، فإنه لم يرتكب جرماً يستحق الموت بسببه". 
وبإيعاز من كبار الكهنة، أخذ الجمع يصرخ ويلجّ:
- أطلق لنا شجينا كما تفعل دائما لنا، فغداً عيد الفصح!
- أطلق لنا باراباس، أطلق لنا باراباس واستمرا الهتاف باراباس.
وفى أثناء ثورة الشعب، دخل بيلاطس الى المكان حيث كان يجلدون يسوع بعد أمرة بضربه بالسياط، وأمر بوضع أكليل الشوك على رأس يسوع وإلباسه لباساً أرجوانياً، وخرج إلى الجمهور المحتشد ليرق فلبهم عليه وقال:
بيلاطس: "هوذا الإنسان" (يوحنا ١٩/٥) ، أًريتم أنى أدبته؟ ألا يكفى؟ ماذا تريدون بعد أن أفعل به؟
الشعب: أصلبه! أصلبه!
عاد بيلاطس وسأل يسوع من أنت؟ وبقى يسوع صامتاً لا يجيب. (يوحنا ١٩/٩-١٦)
فاحتد بيلاطس على يسوع وقال له"
أما تجيبني؟ ألا تعلم أًنك تحت سلطاني. ولى أن أُطلق سراحك أو أُرسلك لتصلب؟
*** أجابه يسوع بقوة وسلطان: "لا سلطان لك علىَّ لولا أن الله منحك هذا السلطان. لذلك إن صلبتني فخطيئتك تقع عليك، ولكن اعلم أن خطيئة من أسلمني إليك أعظم من خطيئتك" (يوحنا ١٩/١١)
وبدلاً من اتخاذ القرار بشأن يسوع، شاء بيلاطس أن يتنصل من هذه المسؤولية ، مسؤولية تحقيق العدالة الملقاه على عاتقه، فقام بطلب وعاء فيه ماء وغسل يديه قُبالة الجميع وقال:
"أنا برئ من دم هذا البار، أنتم تدبّروا الأمر"  
- أصلبه أصلبه
- دمه علينا وعلى أولادنا
- أأصلب ملككم؟
من هذا الوقت كان بيلاطس يطلب أن يطلقه، ولكن اليهود كانوا يصرخون دمه علينا وعلى أولادنا ...أصلبه وكان استعداد الفصح ، ونحو الساعة السادسة. فقال لليهود: هوذا ملككم فصرخوا: خذه خذه اصلبه قال لهم بيلاطس: أأصلب ملككم؟ أجاب رؤساء الكهنة: ليس لنا ملك إلا قيصر.
 فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به. (يوحنا ١٩)
الى اللقاء غدا الجمعة العظيمة 
د. عوض شفيق
أستاذ القانون الدولي - جنيف