في مثل هذا اليوم 5 مارس1963م..
وفاة  أحمد لطفي السيد، مفكر وفيلسوف ومناضل مصري ضد الاستعمار ورائد من رواد حركة النهضة والتنوير في مصر. تلقب بـ أستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية. من رواد مدرسة الفكر الوطني المصرية. (و. 1872)..

أحمد لطفي السيد (15 يناير 1872 - 1963) مفكر مصري، عمل وزيرا للمعارف ثم للداخلية، ورئيسا لمجمع اللغة العربية، ورئيسا لدار الكتب، ومديرا للجامعة المصرية، ويعتبر من قادة التنوير والتثقيف في مصر في القرن العشرين. لقب بأستاذ الجيل.

ولد أحمد لطفي السيد في 15 يناير 1872 في قرية برقين، مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية. ونشأ في أسرة على جانب من الثراء؛ فأبوه السيد باشا أبو علي كان عمدة للقرية ومن أعيانها؛ فعُني بتعليم ولده، فألحقه بكُتاب القرية، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة المنصورة الابتدائية سنة [1882]، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة انتقل إلى القاهرة، والتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، وظل بها حتى أتم دراسته الثانوية سنة 1889، ثم التحق بمدرسة الحقوق.

وفي أثناء دراسته تعرف على الشيخ محمد عبده الذي شجعه لما رأى فيه أمارات النبوغ وميله إلى الحرية واحترام الحقوق، وقدرته على الكتابة والإنشاء، وكان من أثر هذا التشجيع أن قام أحمد لطفي السيد وجماعة من نابغي مدرسة الحقوق بإنشاء مجلة التشريع، كما التقى بجمال الدين الأفغاني في أثناء زيارته لإستانبول سنة 1893 وتأثر بأفكاره.

بعد حصول أحمد لطفي السيد على ليسانس الحقوق سنة 1894 عمل بالنيابة، وتدرج في مناصبها حتى عُين نائبًا للأحكام بالفيوم سنة 1904، وفي أثناء هذه الفترة اشترك مع صديقه القديم عبد العزيز فهمي الذي التقى به في المدرسة الثانوية بالقاهرة، في تأسيس جمعية سرية باسم جمعية تحرير مصر؛ فلما نمى خبرها إلى الخديوي عباس حلمي سعى إليها عن طريق مصطفى كامل زميل أحمد لطفي السيد في مدرسة الحقوق، وكان الخديوي يسعى للتحرر من قبضة الاحتلال البريطاني وممارسة سلطانه دون قيد منه؛ فتقرب إلى الأمة، واستعان بشبابها الناهض لتحقيق أهدافه.

وكان من أمر هذا الاتصال أن تم الاتفاق على تأليف حزب وطني بزعامة الخديوي، وعلى سفر أحمد لطفي السيد إلى سويسرا والإقامة بها سنة لاكتساب الجنسية، والعودة إلى مصر لإصدار جريدة تقاوم الاحتلال البريطاني، محتميًا بجنسيته المكتسبة، وقد عقد أول اجتماع للحزب السري الجديد بمنزل محمد فريد برئاسة الخديوي عباس حلمي، وعضوية مصطفى كامل، وأحمد لطفي السيد، ومحمد عثمان وغيرهم.

سفره إلى سويسرا:
وفي جنيف التحق أحمد لطفي السيد بجامعتها، وعكف على دراسة الآداب والفلسفة، وزامله في الدراسة الشيخ محمد عبده الذي كان يزور سويسرا في ذلك الوقت، وعاد أحمد لطفي السيد إلى القاهرة دون أن ينجح في الحصول على الجنسية، لرفض الباب العالي العثماني تجنسه بها، وفي الوقت نفسه قدم تقريرًا إلى الخديوي جاء فيه: "إن مصر لا يمكن أن تستقل إلا بجهود أبنائها، وإن المصلحة الوطنية تقضي بأن يرأس سمو الخديوي حركة شاملة للتعليم العام"، وكان هذا هو رأي الشيخ محمد عبده الذي جعل من التربية والتعليم بعد عودته من المنفى خطته للإصلاح.

وعاد أحمد لطفي السيد إلى وظيفته في النيابة، وظل بها حتى ترك العمل بالقضاء سنة 1905، واشتغل بالمحاماة، ثم لم يلبث أن ضاق بها؛ فتركها إلى العمل بالصحافة والسياسة.

عودته لمصر وتأسيس حزب الأمة والجريدة:
بعد أن ترك أحمد لطفي السيد العمل الحكومي اشترك مع جماعة من أعيان مصر في تأسيس حزب الأمة سنة 1907، وتولى هو سكرتارية الحزب، ورأس صحيفته المعروفة باسم الجريدة، وقد استمرت رئاسته للجريدة سبع سنوات وبضعة أشهر توقفت بعدها تمامًا، بعد أن لفظ حزب الأمة أنفاسه الأخيرة.

وكانت سياسة الجريدة تقوم على الدعوة إلى فكرة مصر للمصريين، ومهاجمة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها السلطان عبد الحميد الثاني، ويعبر أحمد لطفي السيد عن هذا الاتجاه بقوله: "نريد الوطن المصري والاحتفاظ به، والغيرة عليه كغيرة التركي على وطنه، والإنجليزي على قوميته، لا أن نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع، وسط ما يسمى بالجامعة الإسلامية..".

وازدادت هذه السياسة وضوحًا بدعوته إلى حياد مصر من هجوم إيطاليا على ليبيا، حين رأى تعاطف المصريين مع الدولة العثمانية، وقيامهم بجمع التبرعات، وحشد المؤن والأسلحة لإرسالها إلى الجيش العثماني في طرابلس بليبيا، يقول لطفي السيد: "وقد أخذت أنبه على استحياء إلى واجب مصر من هذه الحرب، وهي أن تكون على الحياد، وأن سيادة تركيا لا تجلب لمصر منفعة ولا تدفع عنها ضرًا"، غير أن دعوته لم تلقَ استجابة، وضاعت وسط عواطف المصريين، وتعلق قلوبهم بدولة الخلافة العثمانية.

وسلكت الجريدة مسلكًا مهادنًا مع الاحتلال البريطاني، بل نوهت بالتحسن المادي والإداري الذي وصلت إليه مصر في عهد الاحتلال، وقبل أن يرحل اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر إلى بلاده أقيم له حفل وداع بالأوبرا، في (ربيع الأول 1325 هـ = مايو 1907م)، وكان في مقدمة المحتفلين أعضاء حزب الأمة، وأفردت الجريدة ملحقًا عن حياة المعتمد البريطاني وأعماله في مصر، فأشادت بأعماله المالية والاقتصادية، ونددت بأعماله السياسية؛ "لأنه حرم مصر من حياة سياسية تطمح إليها كل أمة حية".

مديرًا لدار الكتب:
وبعد توقف الحرب وإغلاق الجريدة عُين أحمد لطفي السيد مديرًا لدار الكتب خلفًا للدكتور "شاده" المدير الألماني، وفي دار الكتب انفسح الوقت له، فترجم بعض أعمال أرسطو، ودعا إلى ترجمة الكتب الأخرى، وندب من وثق بهم للاضطلاع بنقل الثقافة الغربية إلى العربية، موقنًا أن النهضات في بواكيرها إنما تقوم على الترجمة التي هي بمثابة التمهيد، بالاحتذاء ثم الخلق والأصالة.

ويُذكر له أنه في أثناء عمله بدار الكتب أنشأ مجمعًا لغويًا عرف باسم "مجمع دار الكتب"، تولى رئاسته الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي، واشترك في عضويته حفني ناصف وعاطف بركات وغيرهما، غير أن هذا المجمع الوليد لم تطل به الحياة، فانطوت صفحته بعد عام من إنشائه.

بعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1918 استقال أحمد لطفي السيد من دار الكتب، واشترك مع سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وغيرهم في تأليف وفد للمطالبة بالاستقلال، وكان من شأن المطالبة أن نُفي سعد زغلول ورفيقاه إلى خارج البلاد، فاشتعلت البلاد بثورة 1919م العارمة التي أضجت مضاجع الاحتلال، وظل أحمد لطفي السيد في القاهرة يحرر بيانات الوفد ومذكراته، وتطور الأمر إلى رضوخ بريطانيا للتفاوض، وتشكلت وزارة حسين باشا؛ فأفرجت عن الزعماء المنفيين، وسافر لطفي السيد مع الوفد المصري إلى باريس، لعرض مطالب مصر على مؤتمر السلام المنعقد في فرساي.

ولما اشتعل الخلاف بين عدلي يكن رئيس الوزراء وسعد زغلول زعيم الثورة 1919 على رياسة المفاوضات مع بريطانيا وتلاحيا، اعتزل أحمد لطفي السيد العمل السياسي، وعاد إلى العمل بدار الكتب مديرًا لها، كما اشتغل بالجامعة المصرية الأهلية وكيلا لها.

مديرًا للجامعة المصرية:
ظل أحمد لطفي مديرًا لدار الكتب حتى مارس 1925 قبل أن يعين مديرًا للجامعة المصرية بعد أن أصبحت حكومية، وفي عهده اتسعت الجامعة؛ فضمت إليها كلية الهندسة والحقوق والتجارة والزراعة، والطب البيطري وغيرها، كما قبلت الجامعة سنة 1929 أول مجموعة من الفتيات للالتحاق بها دون ضجة أو دعاية لهذا الأمر في الصحف، وسارت الأوضاع في هدوء حتى تخرجت أول دفعة من الطالبات سنة 1933 وكانت ثلاث طالبات في كلية الآداب وواحدة في كلية الحقوق، وكان ذلك مأثرة له في سبيل النهوض بالمرأة، والمحافظة على حقها في التعليم.

وكان لطفي السيد حريصًا على كرامة الجامعة؛ فلم يزج بها في السياسة، ولم يسمح بما يعوق حركتها أو يؤثر في سياستها؛ فنأى بها عن العمل الحزبي، فحين أُقصي طه حسين عن الجامعة سنة (1351هـ= 1932م) إلى وزارة المعارف، قدم لطفي السيد استقالته احتجاجًا على هذا التدخل، ولم يعد إلى الجامعة إلا بعد أن اشترط أن يعدل قانونها بما لا يدع لوزارة المعارف الحق في نقل أستاذ من الجامعة إلا بعد موافقة مجلسها، وقدم استقالته مرة أخرى سنة 1937 احتجاجًا على اقتحام الشرطة للحرم الجامعة.

ما بعد الجامعة:
ظل أحمد لطفي السيد مديرًا للجامعة حتى استقال منها سنة 1941 بعد أن اطمأن إلى أوضاعها ورسوخ أقدامها، ثم دعاه أحمد ماهر باشا سنة 1944، ليكون عضوا في الهيئة التي كونها لدراسة مقترحات الحلفاء لإنشاء منظمة دولية جديدة تحل محل عصبة الأمم، كما اشترك في وزارة إسماعيل صدقي سنة 1946 وزيرًا للخارجية وعضوًا في هيئة المفاوضات بين مصر وبريطانيا التي عُرفت بمفاوضات "صدقي-بيفن"، غير أنها فشلت، وخرج لطفي السيد من الوزارة التي كانت قد شكلت برئاسة صدقي لمواجهة المد الشعبي المطالب بالتحرر والاستقلال، ولم يشترك بعد ذلك في أعمال سياسية أخرى.

على الرغم من تقدمه في السن؛ فقد ظل مؤثرًا في الحياة الفكرية، فتولى رئاسة مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1945 وظل يشغله حتى وفاته، وكان عضوًا في كثير من المجامع العلمية، مثل المجمع العلمي العراقي، والمجمع العلمي المصري، والجمعية الجغرافية المصرية، كما كرمته الدولة؛ فنال جائزتها التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1958.

ولم يترك لطفي السيد مؤلفات على كثرة ما كتبه في الجريدة لسان دعوته إلى حرية الفكر وحرية الإنسان وحرية الوطن، وكانت مدرسته التي وجه منها الرأي العام إلى قضايا الاستقلال والدستور، وسلطة الأمة، والحياة النيابية السليمة، والتعليم الجامعي، ولم يتهيأ لنا مما كتب سوى ثلاثة مؤلفات جمعها له إسماعيل مظهر، هي: "المنتخبات" في جزأين، و"تأملات"، و"صفحات مطوية من تاريخ الحركة الاستقلالية" بالإضافة إلى مذكراته التي بعنوان "قصة حياتي".

وترجم لطفي السيد عن الفرنسية كتب أرسطو: الأخلاق، الكون والفساد، الطبيعة السياسية. وأسلوبه يتميز بالدقة والسلاسة والوضوح دون التواء في المعني أو ملابسة في الفكرة، أو تداخل في التعبير.

وفاته:
وقد طالت الحياة بأحمد لطفي السيد حتى تجاوز التسعين، وظل موفور النشاط متوقد الذهن حتى لقي ربه في 1963 بعد أن وقف نفسه على الإصلاح والتجديد ستين عامًا أو يزيد، وهي مدة لم تتوفر لمصلحين كثيرين، ودخل التاريخ من باب التأثير على مسيرة أجيال زاملته بأفكاره الإصلاحية، وإن كان بعضها محل نظر وتحفظ ومراجعة........

أهم مواقفه وانجازاته:
طالب باستقلال الجامعة، وقدم استقالته حين اُقصي طه حسين عن الجامعة سنة 1932. كما قدم استقالته مرة أخرى حين اقتحمت الشرطة حرم الجامعة عام 1937.
نادى باستقلال مصر عن الاحتلال وكان ضمن وفد مصر الذى طالب بالاستقلال في مؤتمر السلام في فرساى.
نادى بفرعونية مصر.
نادى بتعليم المرأة، وتخرجت في عهد رئاسته للجامعة أول دفعة من الطالبات عام 1932.
دعا إلى حرية الفكر وهو صاحب القولة الشهيرة «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود
 قضية.................!!