ما هذه الجرأة التى صار يتحلى عدد ممن نطلق عليهم رجال الدين، رغم أن الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان مع نزول الرسالة المحمدية، ألغى الكهنوت.

 
هل الخطأ يتحمله رجال الدين وحدهم أم أنه الإعلام عندما يسأل رجل الدين عن كل تفاصيل الحياة، فيفتح الباب أمام هذا السيل المنهمر من الفتاوى؟، أسئلة من عينة (أدخل بيت الراحة بقدمى اليمنى أم اليسرى)؟، وهل خلط الينسون مع الكمون يجوز شرعا؟، وهل مشاهدة حمار لا يرتدى ملابس داخلية لإخفاء عورته حرام شرعا؟، أحيانا تستخدم الدولة عددا من الفتاوى، عندما تصب لصالحها إلا أنها استراتيجيا تخسر، لأنها تمنح هؤلاء الفتائين صلاحية مطلقة، وهو ما نعانى منه حاليا، عندما يسأل الإعلام رجل الدين مثلا فى السياسة، عليه أيضا فى هذه الحالة أن يستنير برأيه فى الطب والهندسة والسينما والمسرح وفى لقاح (فايزر) للكورونا.
 
كثيرا ما أجد رجل دين يدلى برأيه فى شأن دنيوى بحت، ويتم توظيف رأيه ويُكتب فى الصفحة الأولى وينطلق بعدها لبرامج (التوك شو)، ما هى دراية رجل الدين بكل ذلك، وهكذا وجدنا أستاذ الفقه الأشهر د. أحمد كريمة يعتبر التنقيب عن الآثار انتهاكا لحرمة الموتى، ويعيدنا بتلك الإجابات مجددا لطالبان الذين فجروا تمثال (بوذا) لأنه من الوجهة الشرعية عبادة لصنم، بينما (بوكو حرام) التى تعنى أن التعاليم الغربية حرام، يخطفون البنات من المدارس معلنين استنادهم لصحيح الدين الذى يحرم خروج المرأة من بيتها، عندما سألوا الشيخ المستنير خالد الجندى والداعية المستنيرة سعاد صالح عن أغنية شادية (غاب القمر يا بن عمى يالا روحنى) أجابا فى نفس واحد أنها محرمة شرعا، لأنهما طبقا مباشرة معيارا لا يحتمل النقاش، خروج البنت فى انصاص الليالى مع ابن عمها، ويا داهية دقى، خاصة أن الشاعر مجدى نجيب حدد التوقيت فى الأغنية (ده النسمة قبل الليل بتميل وتجرحنى)، وهكذا لسان حالهما يقول (اختشى يا واد ارجعى يا بت منك له لها، بلاش مسخرة فاضية).
 
الشيوخ نحملهم فوق طاقتهم عندما نصفهم بالاستنارة، لأنهم لا يملكون سوى (ترمومتر) واحد وهو القراءة المباشرة فى القرآن والسنة، رغم أن بالحياة قضايا عديدة لا تخضع لمقياس مباشر للحلال والحرام.
 
محاولة البعض للبحث عن غطاء دينى، فى كل شؤون الدنيا، هو ما أوصلنا لهذا الحال، لماذا نسأل رجل الدين مثلا عن شرعية أخذ لقاح (كورونا)، ما هى علاقة اللقاح بالمعيار الدينى، إنه سؤال لا يجيب عنه سوى الأطباء المتخصصين، إلا أن الإعلام يعمل زفة بلدى عندما يقول رجل الدين مثلا نعم يجور شرعا أخذ اللقاح، فتصبح «مانشيت»، وهكذا نمنح لهم الشرعية ممزوجة بالسطوة، (أحضرنا العفريت ولن نستطيع صرفه).
 
يخشى رجل الدين من تقلص صلاحياته، فلا تستمع إليه يقول مثلا هذه خارج نطاق معلوماتى، السؤال غير المناسب للشخص غير المناسب يحيلنا إلى مثل تلك الإجابات التى تجعلنا أضحوكة فى العالم، اكتشاف وعرض المومياء للناس انتهاك ومتاجرة بحرمة الموتى، و(غاب القمر يا ابن عمى) دعوة للفسق والفجور.
نقلا عن المصرى اليوم