قصة قصيرة.
 
بقلم / نجيب محفوظ نجيب.
مضى فى هدوء...دون أن يلتفت الى أحد...متكئا على عصاه...محاولا مقاومة برد الشتاء القارص...لأن ما يرتديه عاجز عن حمايته من برودة الجو...
 
و ها هو يدرك المنزل...و يضىء المصباح...و يستريح على الأريكة...و قبل أن يمسك الجريدة لكى يقرأها...رن جرس الباب... و ما أن فتح حتى وجدنى أمامه...نظر الى عيناى...فوجدهما تلمعان بالدموع...أحتوانى بين ذراعيه ثم دعانى للدخول...قلت له و لا يزال صوتى مختنقا بالدموع : أين أنت؟...لماذا تركتنا...صمت للحظات يبدو من خلالها أنه كان يحاول أن يمنع دموعه...و لكنه لم يستطع...تركته ليهدأ...و بعد أن هدأ...قال لى بصوت يعتصره الألم : أنا لم أترككم...و لكننى أخترت أن أعيش وحيدا...قلت له:و لماذا تريد أن تعيش وحيدا ؟ّ!...أجابنى : لأننى أتيت الى الحياة وحيدا...و أريد أن أودعها و أمضى وحيدا...لم أستطع تصديق ما سمعته أذناى...أقتربت منه و نظرت الى عينيه قائلا : أنت مريض...و تنتظر الموت...و نحن لا نعرف...كيف ؟؟!!,,,كيف و أنت من يخفف آلام المرضى و يداوى جراح المتألمين...قال لى : لم أكن أنا...أنه المسيح...فهو الذى كان يمد يديه ليشفى و يخفف آلام المرضى...و يداوى جراح المتألمين...قلت له : و لكنك أفنيت حياتك من أجل المرضى...قال لى : لأننى طبيب...و هذه هى رسالتى التى أخترت بكامل ارادتى أن أكرس حياتى من أجلها...و فوق هذا و ذاك...أن كل مريض كنت أزوره...لم أكن أزوره هو...لكننى كنت أزور المسيح...لأنه هو الذى قال : "كنت مريضا فزرتمونى"...و هذا أتاح لى رؤية المسيح يوميا لأكثر من مرة...
 
أدركت سر قوة هذا الأنسان...و منذ هذه اللحظة لم أفارقه...أصبح الشاب هرما عجوزا...و الجسد القوى أصبح ضعيفا هزيلا...و لكنه لم يفقد رجاؤه فى المسيح...الى أن أتت اللحظة التى فارقت فيها الروح الجسد...فأستقبلها بفرح و تهليل...و بالرغم من أن فراقه قد أدمى القلب...و لكنه سوف يبقى دائما فى القلب إنسانا فى زمان لم يعد فيه الأنسان إنسانا...