محمد محمود
- الذي يحمل سكينا حادا ويصرخ مكبرا وهو ينحر ضحيته، والذي يلف حول وسطه حزاما ناسفا ويصرخ مكبرا وهو يكبس زره ليتحول هو وضحاياه الي أشلاء مختلطة، والذي يقود شاحنة بسرعة جنونية ويصدم بها من لا يعرفهم ولا يعرفونه وهو يصرخ مكبرا ليدهسهم ويقتلهم، والذي يمسك بمدفعه الرشاش ويطلقه سخاء على كل من يصادفه وهو يصرخ مكبرا، والذي يصرخ فوق المنابر مهددا ومتوعدا وداعيا وحاشدا و مكبرا، والذي يخرج في الشوارع والطرقات حارقا الأعلام وزاعقا صارخا بكل ما أوتي من قوة لاعنا غاضبا، والذي يسانده ويبرر له ويفتح له مخرجا ويفتش له عن سبب ويحمل له تبريرا وينتحل له عذرا......
 
من هؤلاء؟
هل هم دخلاء أغراب وأجانب عنا؟
 
هل يحملون دماء غير دمائنا وأجناسا غير أجناسنا؟
هل يحملون عقيدة غير عقيدتنا وملة غير ملتنا؟
 
هل يحملون فكرا طارئا علينا أم يحملون فكرا أصيلا متأصلا؟
هل يحملون نبتا وافدا، أم يحملون زرعا أصيلا متجذرا؟
 
لماذا نتبرأ منهم؟
لماذا ننكرهم، بل وننكر وجودهم في بعض شطحاتنا؟
 
لماذا نشيح بوجهنا خجلا وخزيا ونقول أقلية؟
لماذا نحيل جرمهم الي جرائم بالتاريخ ارتكبها الغير؟
 
لماذا نتذرع بجرائم هتلر وستالين والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وكأنها مبررا حاضرا لنرتكب جرائم مماثلة وفظائع مشابهة؟
لماذا نلجأ لحيلة الإرهاب الهندوسي والاجرام البوذي والتطرف المسيحي والعنف الصهيوني لتبرير كل مأساة ترتكب بإسم الدين؟
 
لماذا لا يخاف البشر من الصيني والياباني والهندي واللاتيني والافريقي ولكنهم يخافون من العربي أو ما يوحي بأنه مسلم؟
لماذا ينتج العالم وتبدع الأمم وتتحضر الشعوب، بينما نصرخ نحن ونسب ونلعن وندعو؟
 
لماذا لا يهرب العالم الي جنتنا المزعومة ولماذا لا يلجأ المضطهدون في كل بقاع الأرض إلى عدلنا ورحمتنا الموهومة؟
لماذا يموت أبناؤنا وتبتلعهم البحار طمعا في الوصول لشواطئ الغير؟
 
لماذا لا ننصرف لنبني ونعمر ونشيد ونعلم ونبدع ونخترع ونكتب ونرسم ونعزف ونشخص ونشارك الدنيا حضارتها ونشارك العالم في مسيرته؟
لماذا نصر على سحب العالم لعالمنا نحن ودركنا نحن؟
 
لماذا نصر على محاولاتنا العبثية لاجبار العالم ليعيش معنا في كهفنا المظلم الرطب؟
لماذا نصر على الحياة بعقول وقلوب وأرواح من ماتوا من عشرات القرون؟
 
لماذا نحتقر ذواتنا أمام ذوات الأموات؟ لماذا نمتهن عقولنا أمام عقول الأموات؟
لماذا لا نعمل ولماذا لا ننتج ولماذا لا نبدع؟
 
لماذا نسكت ونرضى بالظلم والقهر والفساد والتزوير ونغضب ونشتعل غضبا من رسم مسئ أو مقال مكتوب؟
لماذا ننكر أننا في أزمة، بل لماذا ننكر أننا صرنا بكل أسف أكبر أزمة؟