خالد منتصر
تقوم جماعات الإسلام السياسي وبشكل ممنهج بعملية تزييف وعي وغسيل أدمغة جماعية ، حين تصدر لنا بخبث شرير أن معركتنا معها هي معركة مابين المدافعين عن الدين، وبالطبع هم الوكلاء الحصريون لهذا الدفاع ،ومابين الرافضين له وهو باقي الشعب الرافض للإنضمام تحت راية القطيع ، وهذه أكبر عملية خداع منظمه قد حدثت في التاريخ ، أن تقتنع الملايين بأن هؤلاء المتعصبين الذباحين الشتامين أصحاب الأحزمة الناسفة، المؤمنين بسحق المرأة وعبوديتها، هم الممثلون الحقيقيون للدين ،المدافعون عن حياضه ، المحافظون على فسطاطه، وفك هذا الإشتباك العقلي ،وتفكيك تلك المؤامرة المعقده، لن يحدث بإستخدام المنظار السياسي أو المنظار الفقهي أو المنظار الاجتماعي فقط ، ولكن لابد من إستخدام المنظار النفسي وتطبيق آليات تحليله حتى نفهم الجذور السيكولوجية لهذا الفكر ولأتباعه المغيبين الذين نقلوا عدوى وفيروس الغيبوبة لتلك الجماهير والجحافل،

أفضل من تناول تلك الظاهرة هو العالم النفسي "إريك فروم" في كتابه عن الدين والتحليل النفسي، والذي لخص بعبقرية وذكاء وبساطة القضية ،ووضح أن المسألة ليست إختياراً بين دين أو لادين ،بل هي أي نوع من الدين، هل هو الدين الذي يكشف عن قوانا الإنسانية ، أم الذي يصيب تلك القوى بالشلل؟، كيف لانعيشه كعصاب جماعي لطفولة الجنس البشري ، ونعيشه كلحظات فرح إنساني بالحياه ، وهنا وضع فروم الفروق الرئيسية بين ما أطلق عليه الدين الإنساني Humanistic ، والدين التسلطي Authoritarian ، ولخص النجاح والحل في أن يتغلب المفهوم الإنساني أو الدين الإنساني الذي ينمو بالحب ،على المفهوم أو الدين التسلطي الذي ينمو ويتمدد بالسيطرة والإرغام ، حدد فروم الفروق الرئيسية بين الإنساني والتسلطي بشكل يجعل هذا العالم الألماني الأمريكي مرجعاً لاغنى عنه لكل مجتمع يحاول أن يلحق بطوق النجاة الأخير في معركته ضد التطرف ،

الدين الإنساني هو الدين الذي يدور حول الإنسان وقوته ، والذي ينادي بأنه على الإنسان أن ينمي قدرات عقله ، وأن ينمي بجانبها قدراته على حب الآخرين، التجربة الدينية هنا تعتمد على الإتحاد بالكل و وهدف الإنسان فيها هو تحقيق أكبر قدر من القوة لا من العجز، الفضيلة في الدين الإنساني هي تحقيق الذات لا الطاعة والإنسحاق، والإيمان هو يقين الإقتناع المؤسس على تجربة المرء في الفكر والشعور ، لا على تصديق قضايا وفقاً لذمة المتقدم بها ،الذي هو بالضرورة مصدق لأنه يجب أن يصدق بدون مناقشة ، المزاج السائد في الدين الإنساني هو الفرح وليس الحزن والشعور بالذنب الذي يزرعه فينا الدين التسلطي، القدرة في الدين الإنساني هي القدرة بالإنسان وليست القدرة على الإنسان ، بينما في الدين التسلطي الفضيلة في الطاعة والإنسحاق ،والخطيئة تتجسد في العصيان بل في مجرد المناقشة ، بينما الخطيئة في الدين الإنساني هي في إنتهاك الإخلاق ، ليس الضمير في الدين الإنساني هو صوت السلطة نابعاً من الإنسان ، بل هو صوت الإنسان نفسه ،الإنسان في الدين التسلطي كائن تافه ،يكتسب قوته عن طريق الإستسلام والإذعان، ذلك الإذعان الذي يفقده إستقلاليته ، والذي يصل به إلى درجة الضآلة وإحتقار النفس، يؤدي به هذا الدين التسلطي إلى الإغتراب حتى عن قواه الخاصة ، فلايصبح معتمداً إعتماداً ذليلاً فحسب ،بل يصبح شريراً أيضاً ،بلا ثقة في إخوانه البشر، وبلا تجربة لحبه الخاص، ودائماً يطلب المغفرة بالإلحاح على عجزه وتفاهته، يدخل المرء بعدها دائرة مغلقة ،يصير أشد خواء ،

فيتمادى في الخطيئة ويمعن في الإثم ، فيزداد إنسحاقاً ،وهكذا ، والقليل من الأفراد هو الذي يستطيع إحتمال عزلة القطيع ، وهؤلاء يصفهم فروم بأنهم الأبطال، ولولاهم لكنا في الكهوف، لكن كيف يفرق الإنسان بين الإنساني والتسلطي فيما يرى من ممارسات في الواقع؟، إذا كانت التعاليم الدينية تسهم في نمو المؤمنين بها ،في قوتهم وحريتهم وسعادتهم ،فهنا سوف نرى ثمار الحب ، وسوف نلمس الإنساني ، أما إذا كانت تسهم في إنطواء الإمكانيات الإنسانية وفي التعاسة والعقم ، هنا لايمكن أن يولد الحب ، وسوف نصطدم ونسحق بالتسلطي، لذلك على الإنسان أن يكافح لمعرفة الحقيقة ،ولايمكن أن يصل إلى إنسانيته الكاملة إلا بمقدار نجاحه في تلك المهمة، لابد أن يكون مستقلاً حراً ،وغاية في ذاته، لاوسيلة لأغراض أي شخص آخر، وينبغي عليه أن يربط نفسه بإخوانه البشر مدفوعاً بالحب ،فإذا لم يشعر بالحب ،كان قوقعة خاوية حتى لو إمتلك القوة كلها، والثروة كلها، والذكاء كله، يجب على الإنسان أن يعرف الفرق بين الخير والشر ، وعليه أن يتعلم كيف يستمع إلى صوت ضميره ، وأن يكون قادراً على إتباعه ، عليه ببساطه التخلص من دفء الحظيره، وعلينا أن نعرف الحل ببساطه، وهو أن نعبد الله لا الذين يتحدثون بإسمه .
نقلا عن الأهرام