قصة للاطفال : زهير دعيم
في ليلة ربيعيّة  قمراء ، خرج الخُلد من جُحره الواقع في حديقة جميلة لبيت رائع الجمال تسكنه عائلة طيّبة الأصل والنَّسَب ، غنيّة الحال .
 
  نفض الخلد التّراب عن جسده الصغير ، وأخذ يبحث عن صديقه الفأر ، فهو على موعدٍ معه ، وقد دعاه في المرّة الأخيرة لزيارته في بيته الواقع في مطبخ البيت الكبير .
 
 لم يطل بحث الخُلد طويلاً ، فقد انتظره صديقه الفأر كعادته على المقعد الأحمر قُربَ شجيرة الياسمين.
 
  رحّب الفأر بصديقه الخلد وأخبره بأنّ صغاره الثلاثة ينتظرونه على أحرّ من الجمر ، كما تنتظره مائدة ملأى بأطايب الطعام . 
 
 وكثيرًا ما حكى الفأر لصديقه الخُلد عن صغاره وعن الحُريّة التي يعيشون فيها وعن هدأة البال ، في حين لم يأتِ الخُلد على ذِكر صغاره الثلاثة أبدًا .
  اصطحب الفأر صديقه الخلد فدخلا من جحر صغير في الجدار ، وإذا بهما في المطبخ الكبير .
 
 انبهر الخُلد بالأضواء والأنوار ، واندهش من رؤية الثلاّجة والفرن والطعام ، فقد قضى حياته في الظلام يتلمّس طريقه بين الأنفاق التُّرابيّة الصغيرة ، ولا يخرج إلى فضاء الدّنيا الا ليلًا للبحث عن طعام يحمله لصغاره.
 
  أمسك الفأر الخُلد المبهور وقاده إلى المائدة ، فما أن رآه صغار الفأر حتى انفجرت بالضّحك وأخذت تدور حوله مُستهزئة به تشُدّه من ذيله قائلة : مَنْ ضَرَبَكَ ؟!
 صرخ الفأر بصغاره ووبّخهم على تصرّفهم المشين واعتذر للضيف ، ثمّ قدَّمَ له أطايب الطعام ، فأكل الخُلد مُجاملةً ، وهو لا يُصدِّق ما يرى ويسمع . تُرى هل هذه هي التربية الحديثة والحضارة التي حدّثه عنها صديقه الفأر ؟!
 
ودّعَ الخُلد صديقه الفأر ودعاه لردّ الزيارة مع صغاره غدًا ليلًا في بيته تحت الأرض ، وشدّد الخلد على أن يصطحب الفأر صغاره معه.
 
  وفي الليلة التالية لبس الفأر وصغاره أجمل الملابس ، وخرجوا في منتصف الليل نحو جُحر الخلد ، فوجدوه ينتظرهم مع صغاره هناك.
 
رحّب الخُلد وصغاره بالضّيوف ودعوهم للدخول ، وكم كانت دهشتهم كبيرة حين وجدوا أنهم لا يروْنَ شيئًا ولا يُبصرون الطّريق، فكلّ شيء ظلام في ظلام .
   أمسك الخلد وصغاره بضيوفهم بأدب وقادوهم إلى حيث المائدة المتواضعة ، فقضوا الساعات الطويلة يأكلون ويمرحون ويغنّون حنّى ساعات الصّباح الأولى .
 
 ودَّع الفأر وصغاره مضيفيهم ، ليس قبل أن يعتذر صغار الفأر من الخُلد واحدًا واحدًا قائلين : " الآن عرفنا أنّ في  البساطة تسكنُ الأخلاق وتعيش السّعادة .