كتب – روماني صبري
منذ وطأ الألماني "ماكس بلانك" بأقدامه المجال العلمي وأصاب نجاحا عظيما، حيث يعد عالم الفيزياء هذا، أحد أهم عباقرة الفيزياء في القرن العشرين، وهو رائد نظرية الكم، توج  بجائزة نوبل في الفيزياء عام 1918م، له العديد من المساهمات في مجال الفيزياء النظرية، اعتبر علماء عصره وعلماء اليوم نظرية الكم التي وضعها بلانك ثورة في فهم الإنسان لطبيعة الذرة وجسيماتها، إلى جانب النظرية النسبية لاينشتاين، والتي كان لها دورا كبيرا أيضا في فهم طبيعة المكان والزمان، وتمثل هاتان النظريتان حجر الأساس لفيزياء القرن العشرين.

في كنف عائلة تزخر بالمفكرين
ولد "بلانك" يوم 23 ابريل عام 1858 في مدينة "كيل الألمانية"، وسط عائلة تزخر بالمفكرين، جده الأكبر وجده لأبيه كانا عالمي لاهوت في مدينة غوتينغن، وأبوه كان أستاذا للحقوق في جامعة كيل وجامعة ميونخ، وكان عمه جوتليب بلانك قاضيا وأحد المشتركين في تأليف القانون المدني الألماني.

 درس في جامعات برلين وميونيخ  وحصل على الدكتوراه في الفيزياء مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة ميونيخ،  وكان في العشرين من عمره، عمل بالتدريس في جامعة ميونيخ التقنية ثم في جامعة كيل  وفي سنة 1889 بات أستاذا في جامعة برلين.

بلاند يرتاد مدرسة الماكسميليان
عام 1867 استقبل والده عرضا للعمل في جامعة ميونخ، فانتقل مع أسرته للإقامة في مدينة ميونخ، وهناك ارتاد مدرسة الماكسميليان الثانوية ليدرس فيها علم الفلك والميكانيكا والرياضيات على يد هرمان مولر ، كما كان مولر هو أول من علم بلانك مبدأ بقاء الطاقة ، كان وجوده في هذه المدرسة هو بداية تعامله مع علم الفيزياء .

بلانك يتتلمذ على أيدي عباقرة الفيزياء
سافر بلانك إلى برلين عام 1877، وتتلمذ على أيدي  عباقرة الفيزياء وقتها مثل: هيرمان فون هيلمهولتس وغوستاف كيرشهوف، والرياضي كارل فايرشتراس، ويقول بلانك في مذكراته أنه كان يضجر أثناء المحاضرات، لكن علاقته خاصة مع البروفيسور هيلمهولتس كانت أشبه بالصداقة، في علم الحرارة درس بنفسه كتابات العالم رودولف كلاوزيوس وأحب هذا الفرع حتى انشغل به وقدم رسالات دراساته العليا في هذه المواضيع: "حول القانون الثاني للديناميكا الحرارية" ثم "حالات توازن الأجسام المتناسقة عند درجات الحرارة المختلفة."


بلانك ونظرية الكم
نجح في ديسمبر عام 1900 أن يزلزل الوسط العلمي في العالم، حين خلص إلى أن طاقة الموجات الضوئية تقفز بصورة غير متصلة، وإنها تتكون من كموميات  ومفردها : كم


وصدمت نظرية الكم  الاعتقاد العلمي السائد في ذلك الوقت بأن الطاقة تتزايد أو تنقص متواصلا أي بلا حد أصغر للارتفاع أو الانخفاض، وهذه النظرية الجديدة وجدت في الطبيعة أن الطاقة تزيد أو تقل بكمات صغيرة لا يوجد أصغر منها من الطاقة، وادي هذا الاكتشاف إلى فهم جديد للطبيعة التي حولنا والتي تدرس من خلال علم الفيزياء، قد جعلتنا نقترب كثيرا من فهم أعمق لطبيعة المادة والإشعاع.

بلانك يكتشف المعادلة الجبرية المعقدة
أولى بلانك اهتماما كبيرا بدراسة الإشعاع الناتج عن الأجسام السوداء حين يتم تسخينها، ويعرف الشيء الأسود تماما هو الذي لا يصدر أي إشعاع، لكن يمتص كل ما يسقط عليه من ضوء، واستطاع عدد من علماء الفيزياء آن يسجلوا الإشعاع الصادر عن الأجسام السوداء، وذلك قبل أن يفكر بلانك في حل هذه المشكلة، وأول إنجاز قام به بلانك هو اكتشاف المعادلة الجبرية المعقدة التي تسجل حركة الإشعاع الصادر عن الجسم الأسود، وهذه النظرية التي اكتشفها والتي لا تزال تستخدم في الفيزياء النظرية حتى اليوم تلخص ما انتهى إليه علماء الفيزياء في تجاربهم المعملية، ولكن هناك مشكلة : وهي أن قوانين الفيزياء تكشف لنا عن معادلة أخرى أو صيغة أخرى للإشعاعات الصادرة عن الأجسام السوداء.


نظرية بلانك
بعد ذلك باتت نظرية الكم تسمى بنظرية بلانك، ومن إسهاماته الأخرى اكتشاف ثابتا طبيعيا من أهم الثوابت الفيزيائية وهو "ثابت بلانك"،وهي نظرية مختلفة تماما عن كل النظريات السائدة في مطلع القرن العشرين، حيث تبين أن الطاقة تنتقل في هيئة " كمات" صغيرة وليس في الوجود كمات أصغر منها.

الطاقة لها كمات صغيرة
وبفضل ما قام به ماكس بلانك في هذا المضمار وعلى الأخص تفسير الإشعاع الحراري للجسم الأسود وتوصله إلى وجود كم الطاقة (اكتشف أن الطاقة لها كمات صغيرة لا توجد طاقة أصغر منها) فأحدث طفرة عظيمة في طريقة فهمنا للطبيعة من حولنا، من هنا بدأت نظرية الكم التي نجحت ولا تزال ناجحة في تفسير ظواهر طبيعية عديدة لم تفلح الميكانيكا التقليدية الكلاسيكية في تفسيرها، كما نجح بلانك بعد ذلك أن يعرف بالضبط مقدار الطاقة التي يشعها الجسم الكامل السواد، وافقت نظريته بعد ذلك العديد من الظواهر الطبيعية الأخرى مثل تأثير كهرضوئي ونفق ميكانيكا الكم، وتحلل ألفا والتوصيل الفائق وتركيب الذرة وغيرها.

محرر عقول العلماء
يعرف بلانك أيضا بمحرر العقول العلمية من النظريات القديمة الجامدة، ما شجعهم على اكتشاف نظرية أكثر توافقا مع نظريته، في عام 1927 شهد بلانك مؤتمر سولفاي الخامس للفيزياء، ورحل عن عالمنا في الرابع من أكتوبر عام 1947 في ألمانيا اثر تعرضه لنوبة قلبية.