"لا يوجد في القانون الإسرائيلي ما يمنع تكليف شخص متهم بالفساد من تشكيل حكومة أو أن يكون شاغلا لهذا المنصب حتى إدانته من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية"، بهذه الحجة الدستورية استطاع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، خوض الانتخابات العامة، التي جرت الإثنين الماضي، "بقلب ثابت"، معلنا فوزه فيها بشكل غير مكتمل، على الرغم من اتهامه في قضايا فساد تهدد بضياع مستقبله السياسي للأبد..

 
أظهرت نتائج فرز 99% من أصوات الانتخابات الإسرائيلية، حصول حزب نتنياهو "الليكود" اليميني، على 36 مقعدا، مقابل 33 مقعد لحزب "أزرق أبيض" بزعامة منافسه بيني جانتس.
 
وحلت القائمة العربية المشتركة، وهي تحالف من 4 أحزاب عربية، في المرتبة الثالثة، بحصولها على 15 مقعدا، فيما حصلت الأحزاب اليمينية، "شاس" على 9 مقاعد، و"يهودوت هتوراه" على 7 مقاعد، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيجادور ليبرمان على 7 مقاعد، وتحالف"يمينا" اليميني على 6 مقاعد، بينما حصل تحالف "العمل -جيشر-ميرتس" الوسطي على 7 مقاعد.
 
ويتم اختيار رئيس وزراء إسرائيل عن طريق فوز الحزب الذي يتزعمه المرشح للمنصب، بأغلبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي البالغ عددها 120، بحد أدنى 61 مقعد، أما في حال عدم حصد الأغلبية يتوجب على المتنافسين تشكيل حكومة وحدة مشتركة.
 
وبهذا الفوز- غير المكتمل- أصبحت فرص نتنياهو في تشكيل حكومة وحدة أكبر من السابق، نتيجة تقدمه على جانتس بفارق 3 مقاعد في البرلمان، ولكنه وفي الوقت نفسه تنتظره المحاكمة بعدة تهم منها الرشوة والفساد في 17 مارس الجاري، ما يجعل نتنياهو يسابق الزمن كي يتمكن من الوقوف أمام المحكمة بوصفه رئيس وزراء وليس منتخَبًا على وشك تشكيل حكومة، وقد يكون هذا الهدف صعب المنال، ما يفتح التساؤل حول كيف ستكون محاكمته؟
 
- المحكمة العليا تتحكم في مستقبل نتنياهو!
 
الإجابة على هذا السؤال تبقى في قبضة محكمة العدل العليا، وهي الجهة الوحيدة المخول لها محاكمة نتنياهو وسجنه أو الحكم ببراءته؛ فمن المقرر أن يمثل نتنياهو أمام المحكمة لبدء محاكمته، في يوم 17 مارس القادم، مواجها اتهمات تتعلق بالاحتيال وانتهاك الثقة وقبول الرشاوى بخصوص صفقات مزعومة لممارسة السيطرة السرية على وسائل الإعلام.
 
ولأن الدستور الإسرائيلي يمنع تولي أي فرد رئاسة الوزراء بعد الحكم بإدانته، أصبح خيار بقاء نتنياهو في منصبه، كرئيس وزراء مؤقت، لتشكيل الحكومة في يد المحكمة العليا، فإذا حكمت بإدانته سيتم الإطاحة به، وفي حال حكمت بالبراءة سيستمر في تشكيل الحكومة اليمينية التي يسعى إليها.
 
ومن ثم يتم التعويل على المحكمة العليا في إسرائيل بأن تحسم الأمر، بمنع نتنياهو- كونه متهما ولم تثبت إدانته بعد- من تشكيل حكومة، وهو الأمر الذي لا وجود له في الدستور الإسرائيلي، الذي لا يمنع أي شخص متهم بتشكيل حكومة أو تقلد منصب رئيس الوزراء طالما لم تثبت إدانته.
 
ولكن في حال حكمت المحكمة العليا بأن لائحة اتهام نتنياهو ستبعده من تشكيل حكومة، فإنها ستثير بذلك غضب مؤيديه، الذين يلوحون باتهام المحكمة بمساندة محاولات "الدولة العميقة" اليسارية لإسقاطه، بحسب موقع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية "NPR".
 
- مزيد من الحصانة وانتقام من القضاء؟
 
وفي حال استطاع نتنياهو الهروب من هذا المأزق وتشكيل الحكومة الجديدة، بشكل الذي يريده، فهناك قلق من أن ينتقم مؤيدي نتنياهو من المحكمة؛ بالحد من سلطات القضاء حتى يتمكن المشرعون اليمينيون في الكنيست من إلغاء قرارات المحكمة العليا في المستقبل، وإضافة لذلك، كان أول سؤال سأله نواب الليكود، بعد الفوز، هو ما إذا كان نتنياهو المنتصر سيقيل أفيشاي ماندلبليت، المدعي العام الذي اتهمه، وتعيين مسؤلين يشرفوا على المؤسسات التي حققت مع معه، ما يفتح احتمال محاولة نتنياهو تأخير محاكمته أو إقرار قانون يؤجلها حتى انتهاء ولايته.
 
وفي سياق متصل، قالت الإذاعة العبرية، الأربعاء، إن هناك محاولات تجري من قبل بيني جانتس، منافس نتنياهو الأشرس، لمنعه من تشكيل الحكومة، بعدما تقدم جانتس بمشروع قانون يمنع الأشخاص المعرضين للمحاكمة من تشكيل الحكومة.
 
وذكرت صحيفة "جويرزاليم بوست" أن المحكمة العليا، أمرت نتنياهو، في وقت سابق قبل الانتخابات، بعدم الترشح خشية الوصول للوضع الراهن، لكنه رفض بحجة الأوضاع القائمة في إسرائيل.
 
- تأجيل للمحاكمة؟
 
وأشارت الصحيفة إلى أنه يمكن لنتنياهو طلب تأجيل المحاكمة؛ بحجة أن الادعاء لم يسلم جميع المواد الإثباتية، ومن المحتمل أن يشير نتنياهو إلى أنه متورط بشدة في محاولة تشكيل حكومة ائتلافية وأنه لا يريد تشتيت انتباهه، وفي حال التأجيل ستبعث المحكمة رسالة للشارع مفادها أنها تعاملت بشكل أفضل مع نتنياهو بطريقة مختلفة وبعناية، كونه حصل على أغلبية أصوات الجمهور.
 
- ماذا بعد الفوز؟
بعد إعلان نتائج الانتخابات الرسمية، سيجري رئيس إسرائيل مشاورات مع الأحزاب، لتشكيل حكومة وحدة تضم جميع الأطراف، لكن بحلول 17 مارس، سيجب عليه أن يطلب من أحد المرشحين محاولة تشكيل الحكومة، ولأن نتنياهو حصل على أغلبية المقاعد لذا فمن المرجح اختياره لتشكيل الحكومة، وسيحصل على مدة 42 يومًا كحد أقصى لتشكيل الحكومة.
 
- انتخابات رابعة؟
 
لم تقدم هذه الانتخابات أي جديدا عن سابقتها التي جرت في سبتمبر الماضي، لتتقارب النتائج بشكل كبير، بفارق مقعدين على الأكثر لبعض الأحزاب، بالزيادة أو النقصان، وبالتالي لم يحسم أحد المرشحين الأغلبية، لتدخل إسرائيل للمرة الثالثة في دائرة تشكيل حكومة وحدة جديدة بين المرشحين متباينين السياسات، ما يجعل سيناريو الانتخابات الرابعة مطروحًا!
 
حيث أفضت نتائج الإنتخابات السابقة المجراه في سبتمبر الماضي، إلى حصول حزب “ازرق ابيض” على 33 مقعداً، و32 مقعدا لليكود، وفاز تحالف “القائمة المشتركة” للأحزاب ذات الأغلبية العربية بـ 13 مقعدا، يليه حزب “شاس” مع 9 مقاعد، و”يهدوت هتوراة” مع 7 مقاعد، وحزب العمل-جيشر 6 مقاعد، كما حصل “يسرائيل بيتينو” بزعامة أفيغدور ليبرمان على 8 مقاعد، وحصل “يمينا” بقيادة ايليت شكد على 7 مقاعد، والمعسكر الديمقراطي ( تحالف ميرتس وايهود براك) على 5 مقاعد.
 
- فشل سياسي غير مسبوق في إسرائيل!
 
ومنذ الإعلان عن تأسيسها، لم تشهد إسرائيل فشلًا سياسيًا طويل الأمد كالذي شهدته خلال العام 2019، حيث تعتبر هذه الانتخابات الثالثة التي جرت في أقل من عام، بعد فشل المرشحين- في مقدمتهم نتنياهو- خلال دورتي الانتخابات السابقتين، في حسم الأغلبية، بحصول أي منهما على 61 معقد من البرلمان، وفشلهم الزريع في التوافق على تشكيل حكومة وحدة طيلة عام.