ألفى شند
رأى عدد من اباء مدرسة الاسكندرية القديمة الذين اعتنقوا المسيحية أن الفلسفة التى يعود تسميتها فلسفةً إلى الكلمة اليونانيّة " فيلوسوفيا"  أي حب الحكمة كانت تسعى إلى أن تصل إلى ما وصلت إليه المسيحية.فى الكشف عن حقيقة الله ، وان الفلسفة ، كانت تمهيدا للإنجيل.  و‏اعتبر العلامة اكليمنضس الإسكندري(150 – 215)  أن بعض الفلسفات هي «لاهوتٌ حق»، ، ويقول "الفلسفة أُعطِيت مباشرة من الله لليونانيين إلي أن يتجسد الرب ، الفلسفة كانت لليونانيين مثل الناموسالذي قاد العبرانيين إلي المسيح اللوغوس ( كلمة الله ) الذى  صار إنساناً".‏وفى ذلك يقول للفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بايكون: "قليلٌ من الفلسفة يجعل الإنسان يميل إلى الإلحاد، لكن التعمق في الفلسفة يقرب عقل الإنسان من الإيمان".وورد فى كتاب تاريخ للمسيحية الاولى  ‏‏:‏ «كان علماء الماورائيات المسيحيون يصفون اليونانيين الذين عاشوا في العقود التي سبقت مجيء المسيح بأنهم كانوا يجاهدون بعزم لكن على غير هدى لمعرفة الله،‏ محاولين مجازيا ان يبتدعوا يسوع من فكرهم الاثيني الفارغ،‏ وأن يخترعوا مسيحية من خيالهم الوثني الضعيف».‏

الايمان والعقل  :
يرى القديس أوغسطينوس(354 - 28 430) ان الإيمان ليس مجرد عاطفة مجردة من أي سبب عقلي، بل هو حقيقة يتقبلها العقل، وأنه لابد للإيمان الصادق من التعقل، وما دام الإيمان يقتضي العقل فإن الايمان  لا ينفر من نقد العقل ، فهو لايستقل بذاته في ادراك الحقيقة المطلقة ، بل لابد له في ذلك من سلطة اخرى وهي عند اوغسطينوس سلطة الكتاب المقدس وسلطة الكتاب المقدس تعني الايمان به ، فالايمان ضروري للتعقل كما التعقل ضروري للايمان .وإذا كانت الحقائق الايمان  لايمكن البرهنة عليها ، لكن بالامكان البرهنة على انه يمكن الاعتقاد بها وتلك هي مهام العقل ، فالعقل يسبق الايمان ، فيقول اوغسطينوس: "اعقل كي تؤمن وآمن كي تعقل".

وُصِف الاسقف والاهوتى أنسلموس) 1033 – 1109(فى كتاب بعنوان مفال / خطبة / أوكلام فيما بعد ( Proslogion) الإيمان  المسيحى أنّه إيمان البحث عن العقل  ، وإيمان البحث  يرتبط إرتباطًا بما يتوصل اليه العقل، وكلّ ما يصيب التفكّر العقليّ يصيب بالضرورة التفكّر الإيمانيّ، وماعدا ذلك يعنى ان الانسان مصاب بالانفصام .و"الايمان باحث عن العقل"، بمعنى ان العقل لا بد يستند الى شيء في بدايته ، على قاعدة او مرجعية او منطق اخر سواه ، وليس من خاصية مزروعة فيه ،  ولا يوجد شيء اخر سوى الايمان، فالايمان هو الحجر الاساسي والمنطلق الاول لدى العقل، لانه لا يستطيع التفكير في لا شيء  .

 ويتصور انسلمون ان  الكون كلّه مفطورًا على العقلانيّة لأنّ مهندسه الأوّل (الخالق)  هو عقل وحكمة وتدبير.  وان الله الذى وهب العقل ، لايعطى الانسان شريعة تناقضه، وأن في العقل نورًا غرسه الله في فطرة الإنسان ليدرك به الحقّ في مجرى يحثه عن الحقيقة .

أما الفيلسوف واللاهوتى توما  الأكوينى (1225 - 1274 ) ،  الذى تقوم فلسفته  على الملاحظة والتجربة ويعتبر المجردات ليست سوي أسماء وألفاظ جوفاء. فقد وضع صياغة جديدة لقاعدة القديس اغسطينوس التى تقول  " أومن كى تعقل"  . إذا كنت مخطئا ، فأنا موجود ، وعلى هذا النحو: " أعقل ثم أؤمن"، هذه الصياغة الفلسفية تجعل إدراك الحقائق المطلقة جزء لا يتجزأ من سيرورة ان العقل يسبق  الإيمان .  وعلى عكس للقديس اغسطينوس  يتصورالاكوينى  ان الطبيعة البشريّة حسنة  ، وعلينا ان نثق ثقة ثابتةً بمقدُرات العقل الإنسانيّ. ، واعتبار ان الايمان والعقل نورين من الله، الا ان الله قد احلّ في  "الانسان نور العقل"، اذا لا يمكن ان يختلفا او يتناقضا؛ بل العكس هما يتعاونا ومن ثم يمكن معرفة الله عن طريق االمعرفة الايمانية والمعرفة العقلية أى عن طريق اللاهوت والفلسفة ،ويرى ان «كل حقيقة أيّاً كان قائلها، هي من الروح القدس» .

ويرى القديس توما الاكوينى اذا تعارضت العقيدة مع نفسها أو الحقائق المعروفة  ، فهذا علامة على أنها غير صحيحة   وذهب اخرون الى ان الايمان والعقل مصدرين للمعرفة منفصلين لكل منهما اختصاصه ومجاله ،  بتم حسم  الخلاف الظاهرى بينهما من جانب الدين اذا كان الامر دينيا ، ومن جانب العلم اذا كان الخلاف  دنيويا .

وفى هذه القضية بقول الفيلسوف الالمانى ايمانويل ( 1724  - 1804 ) في كتابه الشهير "نقد العفل المحض" أنّ كلّ ما هو خارجُ التجربةِ الحسيةِ لا يستطيعُ العقلُ أن يدركَه ، وتلك هي حدودُ العقل. فقضايا مثلَ وجودِ الله، وماهيتِه، وحريةِ الإرادةِ، وخلودِ الروحِ، وغيرِها من القضايا الميتافيزقيةِ لا يمكن التعاملُ معها بالعقل. االعقل يعمل بناء على المدخلاتِ الحسيةِ ومعالجتِها داخلَ قوالبِ المبادئِ العقليةِ لكى  تتحوّلُ تلك المدخلاتُ لمعرفةٍ .ويضيف : "إنّ المدخلاتِ الحسيةِ بدون المبادئِ العقليةِ هي شيءٌ خارجُ الوصفِ والتحديد،والمبادئُ العقليةُ بدون المدخلاتِ الحسيةِ ليس لها معنى" . وبالتالي كلُّ ما هو خارجُ التجربةِ الحسيةِ هو خارجُ نطاقِ العقلِ ،   وأى محاولةٍ للعقلِ في سبرِ أغوارِها تصل به للتناقض؛ فلا يستطيع إنسانٌ تقديمَ برهانٍ مطلقٍ سواءٌ بالإيجابِ أو بالنفي .

 ويالتالى  كلّ الأدلةِ العقليةِ على وجودِ الله هي فكرةٌ مغرقةٌ في عقلانيةٍ خاطئةٍ تخطّت حدودَها فتاهت عن الحقّ؛ لأنّ إدراكَ الحقيقةِ العُليا وطبيعةِ الإلهِ هو إدراكٌ يقعُ خارجَ نطاقِ الحواسِّ وبالتالي خارجَ نطاقِ العقلِ والمعرفةِ، وأيُّ تصوراتٍ من تلك النوعيةِ أساسُها العقلُ ستؤدي لتناقضات. وشق كانط طريقًا آخرًا غيرَ العقلِ – الذي أثبتَ قصورَهُ – لإثباتِ القضايا الميتافيزيقيةِ السابقةِ وهو طريقُ إرادةِ تنفيذِ القوانينِ الأخلاقيةِ التي بداخلِ كلِّ إنسانٍ. "إنّ الأخلاقَ إنّما تقودُ على نحوٍ لابدّ منه إلى الدّين، وعبر ذلك هي تتوسّعُ إلى حدِّ مشرّعٍ خَلْقيّ،  في إرادته تكمن تلك الغايةُ النهائيّةُ من لخلقِ الله العالم.