ثروت الخرباوي
أنا الآن في رحاب هيئة كبار العلماء، هيئتنا الأزهرية الكبرى، تلك الهيئة التي تضم أكبر علماء العالم في الإسلام، ورغم أنني أعلم أن الله سبحانه أنزل الإسلام على الناس، ويسر لهم ذكر القرآن، ولم ينزله على طائفة بعينها اختصها بفهم دينه ثم عليها هي أن تتولى إفهام باقي الناس هذا الدين، كما أن الدين نفسه ليس لغزا ولا غامضا، ولا باطنيا لا يفهمه إلا فئة دون فئة وناس دون ناس، سبحانه هو الذي قال "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" وعليه أفضل الصلوات سيدنا محمد الذي قال لأحد الصحابه عن الإسلام:"قل آمنت بالله ثم استقم" الأمر إذن جد بسيط، الإيمان بالله والاستقامة، ليس فيه تعقيد ولا كيمياء ولا معادلات، ومع ذلك فقد تعودنا أن يكون بيننا رجال دين، لا ضير، فليكن بيننا هؤلاء الرجال رغم أن ديننا لا يعرف هذا المسمى:"رجال الدين" لأن هؤلاء هم مجرد رجال مثلهم مثل باقي الرجال، حاولوا الاجتهاد والبحث في شئون الدين،

وكل ما يقولونه ينبغي أن ننسبه لهم لا أن ننسبه إلى الله سبحانه وتعالى، فالله قد حذرنا وحذر أمثال هؤلاء الرجال من أن نفعل ذلك فقال لنا "ويل للذين يكتبون الكتاب بإيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" إذن ينبغي أيها المجتهد العظيم أن تنسب ما تكتبه إلى نفسك، ولا ينبغي عليك أن تنسب ما تكتبه إلى الله سبحانه، ينبغي أن تقول هذا رأيي، ولا تتكلم نيابة عن الله سبحانه، فأنت لست وكيلا عنه جل في علاه، كما أنك ما شاء الله تتكسب من عملك، الذي هو إفهامنا ما غمض علينا من أمور الدين، عفوا، فأنت الذي تقول: "إنني أستطيع أن أشرح لكم ما عجزتم عن فهمه، خذوا مني ولا تأخذوا من غيري، فإن أخذتم مني كانت معيشتكم حلالا، وإن أخذتم من غيري كانت حراما حراما حراما، فأنا الحبر الفهامة والعالم العلامة، ولكن لأنني سأشرح لكم إذن يجب أن آخذ أجرا ماليا، فقد انقطعت عن كل شيء في المعايش إلا عن مهمتي المقدسة، وهي إفهامكم أمور الدين الغامضة التي عجزت عقولكم عن فهمها" هذا شيء عظيم يا مولانا وسنقبله منك رغم أن العلماء القدامى لم يتكسبوا من إفهامنا الدين، وكان لكل واحد منهم عمل يتعيش منه، ومع ذلك يا مولانا سنقبل أن تأخذ الرواتب والإضافات وأجور اللجان، وتجمع بين معاش ومعاش وراتب وراتب، فالحق أنك تكد وتتعب وتقوم بمهمة جليلة الشأن، ولكن فقط أطلب منك شيئا صغير هو أن لا تنسب ما تقوله إلى الله وإلا لحق عليك وعيد الله الذي قال فيه" "وويل لهم مما يكسبون" وفي النهاية الأمر كما قلت بسيط، والذي يكتب لكم هذه الرسالة يا علماء الأمة رجلٌ ليس لديه ما لديكم من علم فأنتم ما شاء الله كبار العلماء.

ما علينا نقلب الصفحة إلى صفحة أخرى فلدينا ميراث طويل من تقديس العلماء، فهذا هو الإمام الغزالي الذي أطلقنا عليه حجة الإسلام، وهذا هو الإمام ابن تيمية الذي أطلقنا عليه شيخ الإسلام، وهذا هو شيخ الأزهر الجليل ألحقناه بابن تيمية وجعلناه شيخا للإسلام، هذا خطأنا نحن أيها السادة الكرام، فقد جعلنا في الدين مراتب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، المرتبة الأولى هي مرتبة نبي الإسلام، وهي لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم مرتبة حجة الإسلام وهي كما قلنا للغزالي، ثم مرتبة شيخ الإسلام وهي لابن تيمية ولشيوخ الأزهر العظماء من بعده، ولو أردنا الإنصاف وصممنا على تعظيم العلماء لكان يجب أن نقول عن الغزالي إنه "حجة المسلمين" لا الإسلام، فالإسلام حجته القرآن والرسول لا العلماء ولا الفقهاء، ولو أردنا تبجيل ابن تيمية لكان يجب علينا أن نقول عنه إنه "شيخ المسلمين" لا الإسلام، فالإسلام ليس له شيخ وليس عليه شيخ، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولكن ماذا نفعل وقد وقعنا في هذه الأخطاء فسامحونا يا علماء الأمة الكبار.

والآن سأدخل في الموضوع، ولكن لأن المقال طال لذلك سأستكمل غدا إن شاء الله