بقلم :محمد حسين يونس
هذا الكون لم يوجد من أجلنا.. ونحن نمثل جزء ضئيل منه حتى بإجمالي تاريخنا البشرى الطويل .. بل الحياة بكاملها إنما هي "فيمتو ثانية" في عمر الكون اللا متناهي .
 
معرفة الكون الدقيقة قد تقود إلى التعرف على المجرة التي نعيش عليها ...ثم مجموعة الكواكب التي تتجاور معنا وتدور حول الشمس ...وعلي الأرض بتنوع مناخها وتضاريسها وبحارها ومحيطاتها..
 
مساحة واسعة تحتاج للدراسة المتعمقة حتى يدرك الإنسان بأنه لا يمثل النموذج المتفرد المميز الوحيد الذى يحدثونه عنه ليل نهار ..وان هناك بشر غيرة لهم صفات و عادات أخرى ,,ولا يحبون (الملوخية بالأرانب)التي يعشقها المصري .. فالملوخية عند اليمني تسمى حق الحمير..وعند العراقي ( مالة البهائم).. والأرانب يطاردونها بالألغام في استراليا .
 
قبول الأخر واحترام تواجده وتجربته من أساسيات التنوير التي بدونها تستمر المعارك إلى مالا نهاية .. وتتغلب قوى الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية مكان التناغم البشرى القائم على التنوع 
 
أسلوب تعامل البشر مع الطبيعة .. يحتاج لتنوير آخر .. فالطاقة الشمسية والرياح والأمواج خير من البترول و الفحم و الخشب ..وما فوق الأرض وما تحتها من كائنات أوموجودات عليها أن تعيش في هارموني يقوده الإنسان .
 
فإذا ما كان إنسانا أو عاقلا .. فهو لن يدمر المكان الذي يضمه بين إرجاءه ولن يبصق في الكوب الذى يشرب منه ...و لن يحرق الغابات التي تمتص ثاني أكسيد الكربون وتفرز الأكسجين ... ولن يلوث النهر مصدر حياته 
 
التكنولوجيا الحديثة قد تتسبب في مخاطر أبرزها الانفجارات الذرية والاحتباس الحراري .. والحروب المدمرة وتلوث المياه بالعوادم وبقايا الإنتاج الصناعي لذلك علينا ترويضها و الحذر عند إستخدامها . 
 
العجز عن ملاحقة التطورات الاجتماعية قد يتسبب أيضا في مخاطر أهمها تهميش نصف المجتمع من النساء بسبب( قرن) في بيوتكن التي كانت تخاطب نساء النبي(صلعم ).. واضطهاد الأقليات والتعليم الموجه دينيا والفروق الطبقية الواسعة وكلها قضايا قد تستغرق عمر الإنسان ولا يحدث فيها تقدم. 
وهكذا يقودنا التنوير إلى حظيرة العلم ..
 
والعلم لا يوجد له تعريف دقيق ففي شرقنا العلماء هم رجال الدين .. في حين أن المخاطرة بارتياد المجهول وتقنينه وفحصه وترويضه في أوسع مجالاته الكونية أو في أدق عناصره النووية يحتاج إلى فكر مفتوح غير مقيد وغير مربوط بأوتاد تمنعه من التحليق بدعوى أنه مخالف للطبيعة أو الدين أو التقاليد أو ما هو متعارف عليه ..
 
كسر المألوف واستنباط طريق المستقبل من رحم الواقع هو هدف العلم .. الارتقاء بقدرة الإنسان على مواجهة الطبيعة والتحكم فيها والتقليل من عنفوانها وبطشها هو العلم .
 
والعلم بهذه ألصورة يجعل الإنسان في بؤرة اهتمامه .. ماضيه وحاضره ومستقبله .. تاريخه ونظمه الاجتماعية والاقتصادية .. انجازاته ونكساته .. فلسفاته وسفسطاته .. من يحكمه وكيف يحكم .. كيف يكسب عيشه ويدير اقتصاديات مجتمعه .. يقينه وغيبياته ... أساطيره ورواياته.. قوانينه وتمرده عليها .. قدرته وعجزه .. صحته ومرضه .. نجاحاته ومخاوفه..اختراعاته وتأثيرها المفيد أو الضار.. الإنسان كيف يأكل ويلبس وينمو ويمرض ويتطور ويندثر.. لقد أصبحت مهمة العلم وهدفه هو تشريح هذا الكائن ومعرفة أدق تفاصيل تكوينه .. وان يزيد من وعيه وعمره حتى يصل إلى سن متوشالح فى سفر التكوين ... كائنا سامقا راقيا كما تخيله نيتشه.
 
التنوير عليه أن يزيل تراكمات البدائية على السلوك البشرى .. ويجلو عوامل النمو والبعث بعيدا عن تقاليد موروثة منذ زمن القبيلة جامعة الثمار او الراعية للإبل .. فإذا لم يقم بهذا .. فهو ليس تنويرا .. إنما هي خبطات عشوائية فاقدة للهدف.
 
التمرد جزء من التنوير..التغيير أساس التنوير ... والإبداع البشرى نتاج للتنوير..الفن والثقافة والتهذيب تنويرا ..من حق الإنسان أن يستمتع بإبداع متقدم عصري مركب .. بعيدا عن الإبداعات البدائية البسيطة التي تحيط مجاميع عريضة من البشر... التذوق للفنون علم .. يجب دراسته والتدريب عليه .. ورفع الذوق العام يحتاج لثورة لينقل الفن من البسيط إلى المركب ومن المباشر إلى الحداثة والإبداع المعاصر .
 
القرن الحادي والعشرين على وشك استكمال عقده الثاني .. ولازال مطروحا أمام الإنسان المصرى الكثير ليخطو خارج البدائية والسذاجة ويتجه بخطى ثابته نحو تحقيق حلمه بالقدرة على مغالبة مقاديره .. والتحكم فيها... و هذا ما سنكمل حديثنا به غدا ).