تواجه سوق الحديد في مصر تحديات كبيرة في الوقت الحالي خاصة مع ارتفاع أسعار الخامات العالمية وزيادة أسعار الكهرباء من أول شهر يوليو، الأمر الذي يزيد أعباء التكلفة عليها في وقت تتراجع فيه معدلات الطلب في السوق المحلي.

وقال بنك استثمار شعاع في تقرير له، أمس الأحد، إن هناك ضربة قوية يتعرض لها منتجو الصلب في مصر ذوي نموذج الأعمال المتكامل، مثل شركة حديد عز، وتابعتها عز الدخيلة، وهي الشركات التي تنتج الحديد بجميع مراحله محليا.

وأضاف أن هذه المتغيرات تتمثل في ارتفاع مؤشر الحديد الخام بنسبة 62% خلال الأسبوع المنتهي يوم الجمعة الماضي، مسجلًا أعلى مستوى له في 5 سنوات ليصل إلى 127 دولارا أمريكيا للطن، بزيادة 80% منذ بداية العام.

ثاني هذه العوامل يتمثل في ارتفاع تكلفة الكهرباء، فبينما تظهر نتائج أعمال الشركات في الربع الأول من 2019 أنها تعاني من رفع أسعار الكهرباء العام الماضي، طبقت وزارة الكهرباء زيادة جديدة في الأسعار بداية من يوليو الجاري.

وقال شعاع إن زيادة تكاليف الطاقة بشكل مستمر ستؤثر بشكل أكبر على شركتي حديد عز، وعز الدخيلة، في النصف الثاني من 2019، حيث ارتفعت تكاليف الكهرباء 10% مقومة بالجنيه المصري (16% مقومة بالدولار الأمريكي) اعتبارا من يوليو الجاري.

خسائر "حديد عز"
وبحسب القوائم المالية المستقلة لشركة حديد عز، تفاقمت خسارة الشركة خلال الربع الأول من العام الجاري حيث ارتفعت إلى 369.3 مليون جنيه مقابل 187.4 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، بنسبة زيادة 97.1%.

ويأتي ذلك مع ارتفاع تكلفة المبيعات بنسبة أكبر من زيادة المبيعات نفسها، حيث ارتفعت تكلفة المبيعات خلال الربع الأول إلى نحو 2 مليار جنيه بنسبة زيادة 11.2%، بينما زادت المبيعات إلى نحو 2 مليار جنيه أيضا (بقيمة أعلى قليلا من تكلفة المبيعات) بنسبة زيادة نحو 3.6%.

وبحسب مؤشرات نتائج الأعمال المجمعة غير المدققة للشركة، تحولت حديد عز إلى تحقيق صافي خسارة خلال الربع الأول بقيمة نحو 1.3 مليار جنيه مقابل 184 مليون جنيه صافي ربح خلال نفس الفترة من العام الماضي.

كما تحولت شركة حديد عز الدخيلة إلى الخسارة خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث سجلت صافي خسائر بقيمة 611 مليون جنيه مقابل صافي أرباح بقيمة 431.8 مليون جنيه خلال نفس الفترة من عام 2018، وذلك بحسب القوائم المالية المجمعة للشركة.

وساهم في تحول عز الدخيلة إلى الخسارة تراجع مجمل ربح النشاط بعد زيادة تكلفة المبيعات بنسبة 13.2% لتصل إلى نحو 10.4 مليار جنيه، بينما شهدت المبيعات زيادة طفيفة بنسبة 1% لتسجل 10.6 مليار جنيه.

أسباب الخسارة
أرجع شعاع تسجيل شركة العز الدخيلة صافي خسائر خلال الربع الأول من العام إلى انخفاض هامش مجمل الربح بسبب انخفاض أسعار البيع 5% على أساس سنوي، وارتفاع تكلفة الكهرباء 38% إلى 1.02 جنيه لكل كيلووات ساعة، وارتفاع تكلفة خام الحديد 13% على أساس سنوي.

وقالت شركة حديد عز في بيان للبورصة اليوم الاثنين، أن أبرز أسباب انخفاض النتائج المحققة عن الفترات المالية السابقة يتمثل في انهيار أحد السدود الملحقة بمنجم لخام الحديد التابع لشركة "Vale" البرازيلية في يناير الماضي، وهي أحد أهم موردي الحديد الخام العالميين، كما أنها أكبر مورد لمجموعة حديد عز.

وأضافت أن الشركة البرازيلية أعلنت لعملائها على أثر ذلك أن هذا الظرف يعد "قوة قاهرة" طبقا للعقود، ونتج عن ذلك ارتفاع غير مسبوق في سعر الخام بسبب عدم وضوح الرؤية بالنسبة لقدرة شركة فالي بالمحافظة على التزاماتها بالتوريد.

وذكرت حديد عز أن الزيادة في سعر الخام استمرت على الرغم من تصريح شركة فالي بعد ذلك باستمرارها في توريد أغلب الكميات المطلوبة من عملائها، مشيرة إلى أن زيادة سعر خام الحديد مع استمرار الضغوط على سعر المنتجات النهائية.

وأشارت إلى أنها خفضت سعر حديد التسليح بحوالي 600 جنيه للطن في ديسمبر 2018، واستمر ذلك طوال الربع الأول من العام الجاري، موضحة أنه عالميا ما زالت إجراءات الحماية التي اتخذتها أغلب دول العالم تؤثر بالسلب على حجم التجارة العالمية من الصلب المسطح وسعره.

متغيرات جديدة وصورة لم تضح
قال محمد حنفي مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، لمصراوي، إن المتغيرات التي يتعرض لها سوق الحديد في مصر هي متغيرات جديدة لم يظهر تأثيرها حتى الآن، ومن المنتظر أن يتضح الوضع بشكل أكبر خلال أسبوع أو 10 أيام.

وأضاف أن من ناحية، ينعكس ارتفاع الأسعار العالمية للخام، وزيادة أسعار الكهرباء على تكلفة الإنتاج بالزيادة، بينما يصب انخفاض أسعار الدولار أمام الجنيه خلال الشهور الأخيرة في ظل الاعتماد على استيراد بين 85 و90% من الخام، إلى جانب الحكم الأخير بإلغاء الرسوم على واردات خام البليت في صالح خفض تكاليف الإنتاج.

وشهد سعر الدولار تراجعا أمام الجنيه في النصف الأول من العام الجاري بنحو 6.7%، ليصل إلى حدود 16.75 جنيه مقابل 17.96 جنيه في نهاية 2018.

وقضت محكمة القضاء الإداري، الخميس الماضي، بإلغاء قرار وزير التجارة رقم 346 بفرض رسوم على واردات البليت، وقررت إحالة القرار إلى المفوضين لإبداء الرأي الفني.

وكان وزير التجارة والصناعة قرر في أبريل الماضي، فرض رسوم وقائية مؤقتة بنسبة 15% على واردات البليت (خام الحديد)، لمدة 180 يومًا، من أجل "حماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة من المنتجات الأجنبية".

لكن مصانع درفلة الحديد تضررت من القرار وأعلنت رفضها له، وأقامت دعوى لإلغائه أمام القضاء الإداري، وبالتالي فقرار المحكمة يعد في صالح هذه المصانع، بينما ينعكس بالسلب على المصانع المتكاملة ومنها حديد عز، وعز الدخيلة.

وقال محمد حنفي إن الارتفاع في أسعار الخام لم يظهر بشكل ملحوظ إلا خلال الشهر الأخير، ولكن تأثيرها لم يظهر على الأسعار في السوق بسبب أن استيراد الخام يتم عبر عقود طويلة، وأن الشركات لديها احتياطي، وعند تجديد هذه العقود يبدأ ظهور مشكلة الأسعار.

وقال: "كل مصنع ظروفه مختلفة عن الآخر.. هذا يملك خامات زيادة.. الثاني لا يملك.. الثالث سيستورد الخام.. كل مصنع له ظروفه.. ومنتصف الشهر الجاري ستبدو الصورة أوضح".

ماذا سيحدث لحديد عز في 2019؟
يتوقع بنك استثمار فاروس، في تقرير له، زيادة خسائر حديد عز مستقبلًا نتيجة لعدة عوامل منها "قرار المحكمة بإلغاء الجمارك على واردات البليت، وانكماش هامش الحديد/ الصلب الخام إلى 303 دولارات مقابل 329 دولار في الربع الأول 2019، وارتفاع أسعار الكهرباء بدءً من أول يوليو 2019، وارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار.

وتتأثر تنافسية صادرات حديد عز سلبا بارتفاع سعر الجنيه أمام الدولار، رغم أن هذا الارتفاع ينعكس إيجابا على أسعار الخامات المستوردة.

وذكر فاروس أنه "في ظل ديناميكيات السوق المتدهورة بشكل أسوأ من المتوقع، نعتقد كل من الشركتين (حديد عز وعز الدخيلة) لن تحقق تقديراتنا لعام 2019 وستظل في منطقة سلبية في عام 2019. ستستمر الشركة في تمويل العمليات التشغيلية من خلال الحصول على المزيد من القروض، الذي من المتوقع أن تزيد عن 28 مليار جنيه".

ولكن شعاع كان أكثر تفاؤلا، حيث قال إن شركتي حديد عز، وعز الدخيلة تمتلكان بالفعل استراتيجية مرنة لمواجهة الوضع الحالي، حيث يمكنهما تقليل الاعتماد على الإنتاج عن طريق الحديد المختزل بالطريقة المباشرة، ورفع وزن الخردة في مزيج الإنتاج، وأيضا يمكنهما استيراد قضبان الصلب مثل صغار المنتجين إذا كان هذا سينتج عنه قيمة اقتصادية أعلى.

وأضاف: "في الوقت الحالي، وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن تتعرض كلتا الشركتين لضغوط قوية بسبب العوامل المذكورة سابقا، سنراقب أسعار خام الحديد تحسبا لأي محفز أو قرار حكومي قد يغير نظرتنا".

تدخل الحكومة
يرى شعاع أن الحكومة قد تتخذ قرارات تساعد على أزمة الشركات "العالقة حاليا في وضع سيء" مثل حديد عز، وعز الدخلية، في ظل معاناة المنتجين المحليين بالفعل من ضغوط على أسعار البيع مع تباطؤ حركة التجارة العالمية.

ومن بين هذه القرارات المقترحة من شعاع للحكومة "لإنقاذ الصناعة المحلية"، توفير الغاز الطبيعي بأسعار تنافسية، (حيث يقوم المنتجون المحليون بشراء الغاز بتكلفة عالية مقارنة بالمنافسين الإقليميين)، وتطبيق تدابير وقائية على واردات الصلب بما في ذلك المنتجات نصف المصنعة للسنوات الثلاث المقبلة عن طريق فرض رسوم جمركية أو منع واردات الصلب منخفضة الجودة.

ومن بين هذه المقترحات أيضا، تخفيض تكاليف الكهرباء إلى أي حد من شأنه أن يساعد المنتجين المحليين على تحقيق هوامش جيدة، وفقا لتقرير شعاع.

وقال فاروس، "في حين إننا نستبعد خفض أسعار الغاز الطبيعي، نعتقد أن فرض الجمارك على واردات المنتجات الجاهزة والنصف جاهزة على المدى الطويل قد يوفر مصدر راحة".