الأقباط متحدون - فى مثل هذا اليوم.. ذكرى وفاة نجيب محفوظ
  • ٢١:٢٧
  • الخميس , ٣٠ اغسطس ٢٠١٨
English version

فى مثل هذا اليوم.. ذكرى وفاة نجيب محفوظ

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

٢٨: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ٣٠ اغسطس ٢٠١٨

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
فى مثل هذا اليوم 30 اغسطس 2006م
سامح جميل
فى ذكرى,وفاة عميد الرواية العربية..
 
المصريون يختزلون نجيب محفوظ فى "قعدة" على مقهى الفيشاوى و”سى السيد”..والمثقفون يصفونه بالمحايد والرجل الساعة والعائش فى الحارة..والمتأسلمون يرونه المتطاول على الله ..
 
عالم نجيب محفوظ متسع مثل البحار والمحيطات، أدبه وفنه يقبل أطنانا من التأويلات والآراء المتغايرة، ولا ينتهى الكلام عن إبداعه، ومع هذا نجد الكثيرين الذين أراحوا أنفسهم، ووضعوا نجيب محفوظ فى مجموعة من الاختصارات وأغلقوا دفتى رواياته وراحوا يستنسخون محفوظ فى صور مكررة، ومن ذلك بعض الصور التى أصبحت أكليشيهات نرددها فى ذكرى ميلاد أو رحيل عميد الرواية العربية بدون التثبت من معناها. قعدة على مقهى الفيشاوى "كانت أول قهوه نجلس بها (قشتمر)، ثم (إيزيس) ثم انتقالنا لـ(عرابى)، ولم نبدء بالأخيرة لأنها كانت قهوة الأغنياء يجلس بها بشاوات العباسية، وكنا نتهيبها.. فى رحلتنا للحسين كنا نجلس أما فى (زقاق المدق) أو (الفيشاوي)، وعندما عرفت الأخيرة أحببتها جدا"، بصوت هادئ تكلم محفوظ عن المقاهى التى يتردد عليها مع "حرافيشه". ثم أصبحت علاقة نجيب محفوظ مع المقاهى من الكليشهات التى تطارده حيث يقول جهاد فاضل "إذا كان نجيب محفوظ قد قضى نصف عمره فى مصر الملكيَة ونصفه الآخر فى مصر الجمهورية، فقد قضى أكثر من عمره بالكامل فى المقاهى. فقد ظل يتردد لأكثر من عشرين سنة على مقهى عرابى فى حى الجمالية. أما جمال الغيطانى فتحدث عن المقهى الذى شهد لقاء محفوظ بأصدقائه وتلاميذه من الأدباء والمفكرين وكان أول مقهى هو «صفية حلمى» بالأوبرا والذى أغلقت ندوته الأدبية والتى كان يقيمها محفوظ كل أسبوع فى بداية الستينيات بعد الممارسات الأمنية المخيفة التى وجهت ضد تلك الندوة ثم كان الانتقال إلى «مقهى عرابى» وهناك كان اللقاء مع كثير من أبطال قصصه الحقيقيين، ثم كانت الانتقالة الكبرى إلى مقهى «ريش» والتى ظل يجلس عليها حتى عام 1977 وتركها بعد اتفاقية كامب ديفيد لينتقل إلى «كازينو قصر النيل» والذى كان يجلس عليه مع شلة «الحرافيش». علينا الآن أن ندرك أن مفهوم "المقهى" الآن اختلف عن المعنى القديم، حيث كان قديما يمثل ندوة ثقافية، تحول الآن إلى مضيعة للوقت تقريبا ومكان للصخب، لذا لا يمكن أن يقوم الأدباء والمبدعون الآن بتقليد نجيب محفوظ وإضاعة الوقت على المقاهى، كما علينا أن نضع ملاحظة التزام محفوظ فى الكتابة وملاحظة جلوسه على المقاهى وجها لوجه لنصل للتوازن الذى كان يعيشه نجيب محفوظ، ويلاحظ أيضا أن جلسات نجيب وتسامره مع أصدقائه كانت بواعث للكتابة لديه، كما أنه بعد المحاولة الهمجية لإصابته طلب منه الدكتور يحيى الرخاوى الخروج بكثرة لملاقاة أصدقائه حتى لا يتأثر نفسيا جراء الطعنة الغادرة. شخصية سى السيد شخصية السيد أحمد عبد الجواد فى الثلاثية، ربما هى الشخصية الأكثر تواصلا مع الطبقة الوسطى والعامة من قراء نجيب محفوظ، وكذلك الأكثر تأثيرا على غالبية مشاهدى أعماله التى تحولت لأعمال درامية على شاشات السينما والتليفزيون وربما هناك الكثيرون الذين لا يعرفون أن لنجيب محفوظ أعمالا سوى "سى السيد".. ويرجع ذلك لأهمية الشخصية ودورها فى كشف الكثير من طرق التفكير التى كانت سائدة فى هذا الوقت، وكذلك لأن حسن الإمام مخرج الثلاثية قد أدخل الكثير من مستلزمات السينما من غناء شعبى ورقص بما يوضح التناقض اللازم لشخصية السيد أحمد عبد الجواد، ولأنها شخصية شرقية ذكورية تماما فقط سلط حتى الكتاب الغربيون المهتمون بأدب نجيب محفوظ أقلامهم على تشريحها وقراءتها، وكذلك لأن كثير من الأعمال الدرامية الأخرى التى قامت على روايات نجيب محفوظ أظهرت بشدة رؤيته الفلسفية التى قصدها مثل "الشحاذ" أو عدم التعاطف مع سعيد مهران فى "اللص والكلاب"، أو شخصية جريحة مثل "زينب" قى ميرامار ،أو إنسان ضائع مثل "محجوب عبد الدايم" فى القاهرة 30، وهى تيمة صعبة على المشاهد فلسفيا ونفسيا بعض الشىء. المتطاول على الله أما المتأسلمون فقد أراحوا أنفسهم تماما ولم يجدوا فى نجيب محفوظ سوى المتطاول على الله، معتمدين تفسيرات تخصهم تماما لرواية "أولاد حارتنا" والتى نشرت مسلسلة فى الأهرام قبل أن تثير الكثير من الجدل، وبسبب هذه الرواية كُفر نجيب محفوظ وتم اتهامه بالإلحاد والزندقة، حتى أن الشيخ عمر عبد الرحمن قال بعد نشر رواية سلمان رشدى "آيات شيطانية"، "أما من ناحية الحكم الإسلامى فسلمان رشدى الكاتب الهندى صاحب آيات شيطانية ومثله نجيب محفوظ مؤلف أولاد حارتنا مرتدان وكل مرتد وكل من يتكلم عن الإسلام بسوء فلابد أن يقتل ولو كنا قتلنا نجيب محفوظ ما كان قد ظهر سلمان رشدى". ولم يشفع لديه أن نجيب محفوظ لم يوافق على نشر الرواية إلا بموافقة الأزهر قد وانتهى الأمر بمحاولة اغتيال نجيب محفوظ . وهناك زاوية أخرى لمهاجمة محفوظ تتعلق بما يكون فى الأفلام المأخوذة عن أعماله مما يراه المتأسلمون المعتدلون خروجا عن القيم والأخلاق خاصة ما كان فى "الثلاثية" من طريقة رآها حسن الإمام الذى اكتشف فكرة الغريزة الإنسانية التى يمكن أن تحرك حتى السلوك السياسي والفكري للبشر، على حد قول يوسف القعيد، لكن نجيب محفوظ كان دائما ما يقول بأن الرواية هى التى كتبتها أما ما يراه المخروجون فى هذه الأعمال فهى أمور تخصهم وحدهم. الرجل الساعة كثير من المثقفين يختزلون نجيب محفوظ فى انضباطه وعمله لساعات محددة يوميا وعدم الانقطاع عن ذلك، حتى وصفه أحد أصدقائه بـ"الرجل الساعة" وهم بذلك يؤكدون شيئين متنافضين، الأول حبه للكتابة والتزامه بها وأخذ نفسه بالقوة حتى يتم فعل الكتابة كما يشاء "محفوظ"، لكن الأمر الثانى أن هذه الطريقة تدل على "آلية" محفوظ وحرفيته، وأنه يبحث عن الروح التى لم يجدها إلا تحت الضغط والتهيؤ للكتابة، حيث ذكر الكاتب الكبير جمال الغيطانى أنه حينما كان يتوجه إلى بيت نجيب محفوظ لاصطحابه بالسيارة إلى مكان التقائهم، كان الغيطانى ينظر فى ساعته ويقول: «فى السادسة إلا خمس دقائق أنتظر، فى السادسة تماما يخرج من باب العمارة». ويقصد أنه اعتاد على دقة مواعيد نجيب محفوظ والتزامه بالوقت، ويضيف كان "محفوظ"«يمضى فى المقهى ساعتين بالضبط» ثم يغادر إلى منزله كعادته، ومن المعروف عن "محفوظ" أنه كان يكتب ثلاث ساعات فقط ثم يضع القلم، وقال عنه البعض إنه لا يكمل «الجار والمجرور» إذا انتهى الوقت المخصص للكتابة من شدة التزامه. والناس يتناسون أن نجيب محفوظ تقريبا كان مجبرا على هذا الفعل، لأنه فى فترة ليست بالقصيرة من العام تصل لـ"6شهور" لا يكون قادرا على "الكتابة" كما يقول الكاتب الكبير يوسف القعيد نظرا لأنه كان مصابا بحساسية فى عينيه، تمنعه من ممارسة الكتابة فى فصل الصيف، لذا كان "محفوظ" مجبرا على الكتابة بكثافة وانضباط فى المتبقى من الوقت. الكتابة عن الحارة عندماحصل نجيب محفوظ عام 1988 على جائزة نوبل، كان هناك بعض الكتاب الكبار على رأسهم الكاتب الكبير يوسف إدريس يرون أنهم أولى منه بالجائزة، حتى أن يوسف إدريس قال، بأن من المتعارف عليه فى كل مكان أن الرواية هى فن المدينة، ولكن نجيب محفوظ حوَلها إلى فن الحارة، ثم أن روايته بوجه عام رواية بلزاكية تقليدية فى العمق، لا رواية حديثة أو فنية، أما الدكتور لويس عوض فلم يَرَ فى روايات محفوظ، سوى أنها وصف آخر لمصر، على غرار كتاب وصف مصر الذى وضعه مثقفون وباحثون فرنسيون رافقوا حملة بونابرت على مصر، ثم كرر المثقفون بعد ذلك هذه المقولات، مثل كتابته عن الحارة على أساس أنها جملة إيجابية جدا، وهى فى الحقيقة ليست قيمة سلبية، لكنها تختزل نجيب محفوظ وإلا أين نضع رواياته "الشحاذ والطريق وميرامار وثرثرة فوق النيل وغيرها الكثير. المحايد من الصيغ التى صاحبت نجيب محفوظ "المحايد" وهى كلمة تصل لحد السلبية، والبعض يرون أنها ميزة لأن المبدع لا داعى لأن يكون غارقا فى الانحياز سوى للكتابة، لكن كان انتماؤه الأول للشعب وللمشاكل الناتجة عن الطبقية، ومع هذا فقد انتقد غياب الديموقراطية فى مصر فى فترة "ناصر"، إذ نشر مرة فى الأهرام قصة بعنوان سائق القطار، وبعد النشر سرى همس فى أوساط المثقفين أنه كان يقصد عبدالناصر، وتدور القصة حول سائق قطار يفقد صوابه، ويتسبب فى حادث مرور مروّع. كان التفسير الذى أعطى للقصّة هو أن نجيب محفوظ يشير إلى أن عبدالناصر يقود مصر إلى الكارثة.. وكادت الكارثة تحلّ بمحفوظ لولا أن محمد فريد أبو حديد رئيس تحرير مجلة الثقافة كتب مقالاً فى مجلته توصل فيه إلى أن كاتب القصة يرمز إلى الصراع بين الشرق والغرب، كذلك فإن رواية "ميرامار" هى إدانة كاملة للمعتقلات والتنكيلات التى كانت تحدث فى العصر الناصرى. ..!!