الأقباط متحدون - أذان الكنائس!
  • ٠٣:٤٤
  • السبت , ٤ فبراير ٢٠١٧
English version

أذان الكنائس!

مقالات مختارة | عبد الناصر سلامة

٠٦: ١١ ص +02:00 EET

السبت ٤ فبراير ٢٠١٧

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

يجب أن نتوقف طويلاً أمام ظاهرة انطلاق الأذان فى عدد كبير من الكنائس بالولايات المتحدة الأمريكية، خلال الأيام الماضية، احتجاجاً على مواقف الرئيس الجديد دونالد ترامب بحق المسلمين، وقبل ذلك انطلاق الأذان من الكنائس فى إسرائيل تضامنا مع المسلمين تجاه قرارات دولة الاحتلال بمنع الأذان، وغير ذلك من مواقف التضامن، التى كان آخرها فى الولايات المتحدة إعلان بعض المنظمات الحقوقية تسجيل أسماء أعضائها كمسلمين، فى حالة تصميم ترامب على تسجيل أسماء المسلمين، وما شابه ذلك من احتجاجات فى أوساط كبريات الجامعات، والفنانين، والمثقفين، والسياسيين، والدبلوماسيين.

إلا أن ظاهرة انطلاق الأذان من المساجد سوف تظل تمثل قمة العمل الراقى أخلاقياً ودينياً وإنسانياً على الإطلاق، والتى جاءت بمثابة رسالة إلى عالمنا الثالث، قبل أن تكون رسالة إلى ترامب نفسه، ذلك أننا فى منطقتنا العربية تحديداً، نتميز بأخوة الدم والجنس والعرق، نتميز بالأصل الواحد فى معظم الأحوال، على خلاف الولايات المتحدة نفسها، بما يجعل التنوع الدينى مسألة ثانوية، كان يجب ألا تشكل نقطة خلاف أو صدام من أى نوع، وهو الأمر الذى كان يجب أن يُغَيِّر من نظرتنا للمسجد والكنيسة، باعتبارهما نقطة التقاء، وليس العكس.

العقل الأمريكى المتحضر فى معظمه، تعامل مع المسجد والكنيسة، باعتبارهما مكاناً للعبادة، أياً كانت، هناك فى النهاية واحد أحد، فرد صمد، تتجه إليه الأفئدة، نطلب منه العون فى الدنيا، والمغفرة فى الآخرة، الاعتراف بالآخر هو بداية الوصول إلى ذلك الرقى أو ذلك التحضر (لكم دينكم ولى دين) بما يمنع التداخل أو مجرد التنافر، وقد بلغت هذه النظرة فى الإسلام مبلغاً لا حدود له، فى قول الله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ذلك أن الحرية الشخصية هى الأصل فى كل الممارسات.

أعتقد أن هذه الظاهرة التى شهدتها الولايات المتحدة فى معظم الولايات، كان يحب أن تنال لدينا اهتماماً إعلامياً وسياسياً ودينياً، يتناسب مع حجم الحدث، مع حجم التسامح الذى مثلته، مع حجم الرسالة التى تم توجيهها إلى ذلك الرئيس القادم بعقلية لا ترقى أبداً إلى الألفية الثالثة، وأيضاً إلى كل المتشددين والمتعصبين فى العالم، على اختلاف دياناتهم، سواء كانوا رجال دين، أو رجال سياسة، أو غيرهم من الذين اعتادوا افتعال التوتر والقلاقل والأزمات من خلال الدين، سواء داخل المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات المختلفة.

كنت أتمنى أن يكون ما حدث فى إسرائيل والولايات المتحدة على السواء، هو موضوع خطبة الجمعة على المنابر، بدلاً من تلك الخطب التى ركزت فى الفترة الأخيرة على التبشير بالفقر، وتحمل البلاء وغلاء الأسعار، فى إطار دعم التوجه السياسى، كنت أتمنى أن يتصدر ذلك الحدث نشرات الأخبار، كما إشادات المسؤولين، كنت أتمنى تصريحات رسمية، ومواقف فعلية تستنكر ممارسات الرئيس الأمريكى، ذلك أننا فى المحروسة لسنا بمنأى أبداً عن تلك الممارسات كما قد يتوهم البعض، وقد رأينا تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض، الذى أكد أن مصر والسعودية تحديداً، قد تكونان قريباً، ضمن قائمة الدول التى حددها ترامب، كمقدمة لقوائم أشمل وأوسع نطاقاً.

فى الوقت نفسه، أثق أن الكنائس فى مصر، على مختلف توجهاتها، سوف تنهج نفس الأسلوب، على اعتبار أن ما جمَّعته الأوطان لن يستطيع أىٌّ كان العبث فيه أو تفريقه، ذلك أن هذا الوافد الجديد على السياسة الأمريكية، يضع دول العالم الثالث فى سلة واحدة، دون النظر إلى الدين، أو العرق، أو اللغة، هى نظرة عنصرية قبل أن تكون طائفية أو دينية، تتطابق تماماً مع النظرة النازية أو الفاشية وغيرها، والتى تسببت فى مقتل ما يزيد على ٥٠ مليون شخص، خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، معظمهم وربما جميعهم من نفس ديانة من دقوا طبول الحرب.

الأمر إذن على قدر كبير من الخطورة، بما كان يتطلب استنفاراً سياسياً، على مستوى قمة عربية أو إسلامية، تحدد سبل التعامل أو الرد على مثل تلك الممارسات، إلا أنه فى ظل غياب القادة الذين يمكن التعويل عليهم، فإن الدبلوماسية الشعبية هنا يمكن أن تؤدى دوراً ما، من خلال نقابات ومنظمات المجتمع المدنى عموماً، بالتواصل مع مثيلاتها فى الخارج، وتحديداً فى الولايات المتحدة، على الأقل لتوجيه الشكر، وإرسال رسالة قوية، مفادها تثمين هذه المواقف، التى أكدت أن الأذان لن يصمت أبداً، كما أجراس الكنائس تماماً، وأن ترامب أو غيره ما هم إلا هفوات، تناوب منها على العالم الكثير، ولم يستطيعوا أبداً منع عبادة الله، أو حتى تغيير هذه الديانة أو تلك.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع