الأقباط متحدون - التعويم «والمعوّماتية»
أخر تحديث ٢١:٣٦ | الخميس ٢٧ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ١٧ | العدد ٤٠٩٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

التعويم «والمعوّماتية»

د. محمود خليل
د. محمود خليل

 عرف المصريون مصطلح «التعويم» أول ما عرفوه من خلال متابعاتهم لأزمة الدولار، والارتفاعات المتتالية التى يتعرض لها أمام الجنيه، سمعوا المصطلح مراراً وتكراراً على ألسنة مسئولين، على رأسهم رئيس الوزراء شريف إسماعيل، الذى تحدث غير مرة عن مسألة تعويم الجنيه، حتى تتمكن مصر من الحصول على قرض صندوق النقد الدولى. التعويم يعنى ببساطة عدم تدخل الدولة لتحديد سعر الدولار أمام الجنيه، وترك مسألة تسعيره لظروف العرض والطلب داخل السوق، ليرتفع السعر عند زيادة الطلب، ويقل عند زيادة العرض. التعويم فى مصر أصبح وسيلة ناجحة يوظفها بعض الرسميين وغير الرسميين فى التعامل مع القائمة الطويلة من المشكلات التى تعانى منها مصر، وأصبح يشكل ملاذاً آمناً للإفلات من تقديم إجابات متماسكة عن الأسئلة، أو تقديم رأى أو رؤية ممسوكة إزاء قضية أو مشكلة.

 
تعال نشرح ذلك بأمثلة عملية، مثلاً إذا خرج أحد المواطنين وبدأ يتحدث عن مشاكل تواجه قريته، يمكن الرد عليه بأن هذه المشاكل موجودة فى كل قرى مصر، وليس فى قريته وحدها، يخرج آخر ويشتكى عن اختفاء السكر فى المنطقة التى يعيش فيها، فيكون الرد عليه: ماذا نفعل.. التجار الجشعون يخزنون السلع ليضغطوا على المواطن ويضطروه لشرائها بأسعار مرتفعة، ماذا نفعل معهم؟. يخرج ثالث ويتحدث عن مشكلة التعليم فى مصر، ويتطرق إلى مسائل مثل كثافة الأعداد بالفصول، وضعف أداء المعلمين، وعدم توافر الكتب المدرسية، ناهيك عن ضعف المقررات، وغيره، فيُرد عليه بأن هذه ليست المشكلات الأساسية أو الجوهرية التى ينبغى أن نتحدث عنها ونحن نتناول أوضاع التعليم، لا بد أن نتحدث عن قصور دور المؤسسات التعليمية فى بناء الشخصية. من يسأل عن الإرهاب وبعض أوجه القصور فى مواجهته عليه أن يتفقد أوضاع الإرهاب فى الدول الأخرى، ليجد أن الأزمة تضرب الجميع. من يتحدث عن ديمقراطية الحكم عليه أن يفتش أولاً فى ديمقراطية الحياة الاجتماعية، ويفهم أن المشاكل التى نعانيها أساسها ثقافة هذا الشعب الذى يمكن التلاعب به بسبب سيطرة الأمية، وقلة الوعى، والانجرار وراء المكاسب الصغيرة، وبالتالى لن تستطيع أن تحقق ديمقراطية حقيقية، إلا بتغيير ثقافة الشعب. ومؤكد أن ثقافة الشعب تتطلب سنين طويلة لتغييرها. انتظر حتى يتغير المصريون!.
 
الردود التى قدمت على الأسئلة النموذجية السابقة ردود موضوعية فى ظاهرها، لكنها تحمل فى باطنها نوعاً من الميل إلى التعويم، وهو وسيلة مريحة للغاية للتعامل مع المشكلات. فكل ما تشتكى منه معروف ونعترف به، لكنه ليس خاصاً بك، بل ظاهرة يعانى منها الجميع، وبذلك يغرق الموضوع فى بحر من التفاصيل التى يتوه معها عقل الشاكى. إغراق المستمع فى بحر لجىّ من التفاصيل وسيلة لطيفة لتعويم أى مشكلة أو قضية، حين تخرج به من موضوع ممسوك ومشكلة واضحة الأبعاد إلى بحر من التفاصيل. إنها وسيلة قديمة جداً تقوم على إهدار دم أى موضوع بين مجموعة من القبائل، بحيث لا يستطيع من يواجه المشكلة أن يمسك طرفاً فى يده، يستطيع أن يبنى عليه. والنتيجة الحتمية لهذا الأسلوب تتمثل فى تعويم المشاكل.. المشكلة أن تنتهى لعبة التعويم بالغرق!.
نقلا عن الوطن

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع