الأقباط متحدون - تحليل سياسى على خلفية الفتة
أخر تحديث ١٩:٢٥ | السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٧ | العدد ٤٠٥٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

تحليل سياسى على خلفية الفتة

نهاد أبو القمصان
نهاد أبو القمصان

جاءت إجازة العيد لهذا العام هدية من السماء، إجازة طويلة تغسل إجهاد العمل طوال العام، ولأن الاستمتاع بالإجازة نسبى يتغير مع تغير الزمان والمكان والعمر، أصبح الاستمتاع بالنسبة لى هو الاجتماع مع الأحباء حول أكلات لا تتكرر إلا فى العيد وبعدها الاسترخاء مع الموسيقى والقراءة ومشاهدة الأفلام، القديم منها والجديد، فى السينما المصرية دائماً ما أبحث عن المؤلف والمخرج قبل الممثلين حتى أضمن فيلماً جيداً، أما فى السينما العالمية فأتابع كثيراً ومن ضمن العدد الهائل الذى شاهدته لفت نظرى فيلمان، الأول من سلسلة «مهمة مستحيلة»، وهو فيلم يتحدث عن الوصول إلى معلومات دقيقة عن شبكة إرهابية أسستها المخابرات الإنجليزية بأمر من رئيس الوزراء والمعلومات محفوظة ببصمة صوته وعينه وأصابعه،

شبكة تخيلية يمكن توجيهها لعمل عمليات إرهابية لتغيير أنظمة فى مناطق معينة، هذه المنظمة التخيلية أسموها «النقابة»، ويسعى البطل الأمريكى لمعرفة المعلومات حول هذه المنظمة وهيكلتها وتمويلها لأنها تحولت إلى منظمة فعلية تعمل على الأرض، وهو فيلم فى الحقيقة يشرح تفصيلياً عمل المنظمات من نوعية تنظيم القاعدة وداعش، رغم أنه استخدم شخصيات ببدل أنيقة وليس ملابس ذات دلالة عن الإسلاميين، لكن يمكن بسهولة تخيل صورة «تونى بلير» رئيس وزراء بريطانيا السابق الذى كان محامياً ناجحاً وشديد الذكاء، وكان المثقفون البريطانيون فى عصره يشعرون بالإهانة من كونه يعيد صياغة ما يرونه تخاريف يقولها الرئيس الأمريكى قليل الفهم ومحدود الذكاء لتصبح نظريات رصينة، ولهذا ظهرت آنذاك العديد من رسوم الكاريكاتير التى تصوره كلب الرئيس الأمريكى تعبيراً عن غضب الإنجليز من أن يستغل رئيس وزرائهم علمه وذكاءه لصالح تحالف رئيس أمريكى يبدو غبياً.

الفيلم الثانى هو فيلم «لعبة الجوع» وهو فيلم من عدة أجزاء يدور فى المستقبل، يستشرف مستقبلاً أسود للبشرية، حيث انتهت كل المفاهيم القومية والدينية والوطنية وأيضا الإنسانية التى تجمع الناس وتشكل أمماً قوية تستطيع إحداث توازن فى العالم. وتحول العالم إلى مقاطعات صغيرة تتحكم فيها قوة غاشمة واحدة يتجمع فيها المال والأعمال والترف فى العاصمة، أما باقى مقاطعات العالم فيتحكم فيها الجوع الذى يضطرهم للتضحية بأبنائهم فى لعبة قاتلة كنوع من التكفير عن مجرد التفكير فى الثورة أو التمرد.

فى أجواء استرخاء العيد وبعيداً عن أى تحليل سياسى جاد أو حتى فنى علمى قد نجد هذين الفيلمين رغم أنهما تجاريان بامتيار بما فيهما من مبالغات فى الحركة وكل شىء، قد نجد فيهما رسماً لصورة ما يحدث الآن وكأنه اعتراف للتطهر من الذنوب أو تنبيه للكون من معاناة مقبلة سيدفع ثمنها الجميع، فقد انتهت القوة المهيمنة فى العالم من تمزيق والقضاء على الفكر القومى الذى يجمع الشعوب على نسق قيمى واحد ويوحد الدول لتتحول إلى قوى أكبر، ثم بدأ فى بعث الهوية الدينية والعرقية التى تمزق الدول، ثم أبدع فى إنشاء تنظيمات كطالبان والقاعدة وداعش لتجعلنا طول الوقت فى موضع الركن الضيق فى غرفة العالم لا نعرف هل ندافع عن أنفسنا كبشر أو هويتنا القومية العربية، أم ديننا الذى تعمل هذه التنظيمات غربية النشأة والتأسيس والدعم على إظهاره ديناً وحشياً لا يعرف سوى القتل بالذبح والحرق بالنار والاغتصاب.

هذان الفيلمان بمثابة إنذار بأنه بعد الانتهاء من تفكيك العالم وتحويله إلى جزيئات صغيرة غير قابلة للتوحد أو التمرد، عندها تبدأ لعبة الجوع التى تعيد العالم إلى عصر العبودية، رغم أنى شاهدت فى هذه الإجازة أفلاماً كثيرة بديعة وممتعة، إلا أن هذين الفيلمين أصابانى بقليل من القلق، لذا قررت ترك المستقبل للخالق والاستمتاع بالفتة طالما ما زالت موجودة، وكل عام وأنتم بخير.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع