الأقباط متحدون - متى ولماذا تثور الشعوب؟
أخر تحديث ٠٠:٤٦ | السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٧ | العدد ٤٠٥٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

متى ولماذا تثور الشعوب؟

د. عماد جاد
د. عماد جاد

 يستسهل قادة وكوادر الجماعة والتنظيمات القريبة منها فكرياً الحديث عن «الثورة»، يتحدثون وكأنهم يقبضون على أدوات «تفجير» الثورة، يتحدثون دون خبرة ولا دراية، يتعاملون مع الثورة وكأنها وليدة خطة قابلة للتكرار فى أى وقت وكأن الشعوب تثور كلما طلب منها فصيل ذلك، دون اعتبار للحقائق القائمة على الأرض وعلاقة مؤسسات الدولة بعضها ببعض، وحتى تتضح هذه القضية نعود لتذكر ما جرى فى أواخر عهد مبارك وماذا كانت طبيعة العلاقة بين مؤسسات الدولة.

تعرض الشعب المصرى فى آخر عشر سنوات من حكم مبارك لضغوط هائلة ولم يتحرك بشكل جماعى للاحتجاج ناهيك عن الثورة، تعرض لظلم بيّن من رجال مبارك على كافة المستويات، وتعرضت الطبقة الوسطى والشرائح الدنيا فى المجتمع المصرى لسياسات الإقصاء والتهميش وكان التدهور المتواصل هو حال هذه الفئات التى ظلت تنتقل من مرتبة دنيا إلى مرتبة أدنى، والنظام مهموم بتسمين قططه المحيطة بالوريث، ولم يتوقف ظلم النظام وتحديداً مع بروز وتقدم مشروع التوريث عند حدود، فالأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً، لدرجة أن وزير المالية يوسف بطرس عندما قرر فرض ضريبة على العقارات لم يستثن الشقق والعقارات التى يستخدمها أصحابها، وعندما تعالت أصوات بعض مالكى الشقق والعقارات فى مناطق مميزة لا تسعفهم قدراتهم المالية على دفع الضريبة لسكن ورثوه، لم يجد حرجاً فى أن يطالبهم ببيعه والبحث عن سكن أقل حتى لا يدفعوا عليه ضريبة عقارية، طلب من مواطنين مصريين أن يبيعوا شققهم وعقاراتهم التى عاشوا فيها عشرات السنين وورثوها عن آبائهم حتى يدفعوا ضريبة عقارية فى وقت كان كبار رجال الأعمال يربحون مئات الملايين بل والمليارات عبر شراء أراض ومشروعات وشركات عامة وتشغيلها أو بيعها بعد إعادة تأهيلها، ازداد ظلم نظام مبارك وتضخمت ثروات رجال الوريث، وعانى بسطاء المصريين من ظلم بيّن وبات بعضهم عاجزاً عن توفير مستلزمات علاج الأبناء فى وقت سطا فيه رجال الأعمال على مخصصات العلاج على نفقة الدولة، بل إن مواطنين مصريين أقدموا على الانتحار هرباً من العجز عن الإنفاق على الأسرة والأبناء، كل ذلك ورجال أعمال النظام يراكمون الملايين والمليارات،

وهناك من كان لديه أكثر من طائرة خاصة، اعتمد مبارك على عصا الأمن لحفظ النظام وتمرير مشروع التوريث، تمددت قدرات الأمن واتسعت وباتت الشرطة جاهزة للتصدى للقوات المسلحة إذا فكرت الأخيرة فى التحرك لمنع تنفيذ خطة التوريث، وكان الوريث سخياً مع وزير الداخلية حبيب العادلى فوفر له كل ما يحتاج من أموال لشراء قنابل الغاز وأحدث منتجات مصانع أدوات القمع والقهر، حول وزارة الداخلية إلى ترسانة سلاح وحرص على أن يكون عدد قوات الأمن التى تتصدى لأى مظاهرة ضد النظام أو مشروع التوريث، أضعاف عدد المتظاهرين حتى تصل لهم رسالة الإحباط، حانت اللحظة وقرر شباب مصرى «التنكيد» على الشرطة فى يوم عيدها الوطنى الذى يصادف الخامس والعشرين من يناير، وهى كانت مناسبة عزيزة على المصريين عندما تصدى رجال الشرطة فى مدينة الإسماعيلية فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ لقوات الاحتلال البريطانى واستشهد عدد منهم، فاتخذ اليوم عيداً للشرطة، قرر شباب مصرى التعبير عن رفضهم لسياسات جهاز الشرطة وعمليات التعذيب والسحل، والظلم الذى تجسد فى قتل الشاب خالد سعيد، لم تكن القضية قتل خالد سعيد بطريقة بشعة، ولكن المشكلة الأكبر كانت فى غطرسة وغرور النظام، فى فبركة تقرير للشرطة وتواطؤ مصلحة الطب الشرعى على النحو الذى جعلهم يخرجون مسرحية أن الشاب خالد مات مختنقاً بعد أن ابتلع لفافة بانجو،

جرى ذلك بينما كانت آثار التعذيب والضرب المبرح بادية على جسد خالد سعيد، امتلأت الصدور غضباً على نظام يقتل شباباً مصرياً فى عمر الزهور، وتصاعد الغضب بفعل تواطؤ مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية التى حولت شاباً مات تحت التعذيب وهو فى عمر الزهور إلى مدمن اختنق من ابتلاع لفافة بانجو، حانت اللحظة وخرج الشباب للاحتجاج على ظلم الأمن، فكان الرد العنيف وتبلد رأس النظام، فاتسعت كرة اللهب حتى تهاوت الشرطة فى الثامن والعشرين من يناير، وعبثاً حاول الرئيس العجوز إنقاذ الموقف ولكن بعد فوات الأوان، ولم يكن أمامه إلا الرحيل ثم السجن ومعه الوريث فى نهاية مأساوية لعسكرى مصرى نال نياشين عدة، استهان بقوة الشعب وصبره فكانت الثورة التى زجت به إلى السجن، كان موقف القوات المسلحة المصرية هو الفيصل فى نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير، فقد كان الجيش المصرى مستعداً لتبنى مطالب الشعب ولم يكن وارداً لديه استخدام القوة ضد الشعب دفاعاً عن نظام قهر المصريين وخطط للتوريث.

لم يستوعب مرسى وجماعته الدرس، ومارس سياسة استهداف مؤسسات الدولة، وواصل العمل من أجل مصلحة الجماعة، الأهل والعشيرة، ومن ثم كانت الثورة من جديد فقد كرر مرسى فى عام واحد أخطاء مبارك التى تراكمت على مدار سنوات طويلة، ويكفى أن نشير هنا إلى تعامل نظام مرسى مع قضية محمد الجندى على نحو لم يختلف عن تعامل نظام مبارك مع قضية خالد سعيد، أيضاً لم يختلف بطء مرسى وتبلده عن مبارك، ردد الإخوان أن مرسى رئيس منتخب ولا يجوز الخروج عليه!! ويقول لنا جون لوك الفليسوف الإنجليزى أحد آباء نظرية العقد الاجتماعى «إن الحكم أمانة شعب عند الحاكم ويمكنه استردادها فى أى وقت عند إساءة التصرف»، ويضيف «الحاكم يتعهد بالحفاظ على حقوق الشعب فى الحرية والحياة والتملك، فإذا لم يلتزم الحاكم بأحكام الوديعة وإذا ما سلب المحكومين حقوقهم، من حق المحكوم أن يثور ضد السلطة دفاعاً عن النظام العام وليس بغرض تحقيق الرغبات الفردية، ومن ثم فالثورة هدفها تحقيق النظام والأمن وليس العصيان، هدفها تحفيز السلطة الجديدة على مراجعة أخطاء السلف والتفكير فيها لإصلاحها حتى لا تقع الثورة مجدداً، فالثورات تقع نتيجة ظلم النظام ورغبة الشعوب فى تصحيح الموقف»،

أما الأب الروحى لنظرية العقد الاجتماعى الفرنسى جان جاك روسو فيقول «الشعوب تملك السلطة والسيادة ولها الكلمة الفصل، والمناصب العامة تعين من قبل سلطة الشعب التى تمنح وتحاسب فى نفس الوقت»، باختصار تثور الشعوب على الحاكم الذى يصم أذنيه ويغلق عينيه ويصمت كالقرود الصينية الثلاثة، أو الحاكم ذى الجلد «التخين» تثور عليه استرداداً لوديعتها، فمن لا يكون أميناً فى حفظ الوديعة وصيانتها تنزع منه وتمنح لغيره، وقد نُزعت الوديعة من مبارك ومن بعده الإخوان لأن أياً منهما لم يكن أميناً على الوديعة فاستردها الشعب فى يناير ٢٠١١ ثم يونيو ٢٠١٣.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع