الأقباط متحدون - مجتمع لا يبدع يحنط التراث ويمنع تأويله
أخر تحديث ٠٣:٤٦ | الاربعاء ٣ اغسطس ٢٠١٦ | أبيب ١٧٣٢ش ٢٧ | العدد ٤٠٠٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

مجتمع لا يبدع يحنط التراث ويمنع تأويله

خالد منتصر
خالد منتصر

جذب نظرى كتاب بعنوان «أزمة الإبداع فى ثقافتنا المعاصرة» لأستاذ الفلسفة والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة د. سعيد توفيق، الكتاب برغم صغر حجمه، يُعتبر من أهم الكتب التى تطرح سؤال «لماذا لا نبدع؟»، ويحاول د. سعيد الإجابة من منظور ورؤية الفيلسوف الذى لا يرضى بالسائد والبديهى والمألوف والمعتمد والجماهيرى، يجيب ويحلل بغرض الوصول إلى الحقيقة التى هى أهم من أفلاطون وأهم من مغازلة مشاعر كسالى العقل وسقيمى الوجدان. أهم ما طرحه الكتاب كبداية لتحليل وتفسير هذا العطل والعقم الإبداعى فى المجتمع العربى والإسلامى عموماً والذى جعلهم متخلفين عن ركب الحضارة العلمية بسنين ضوئية، وجعل مساهماتهم فى الاكتشافات وبراءات الاختراعات ومقالات المجلات العلمية خافتة شبه منعدمة تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، أهم طرح لمانيفستو الحل أن نبدأ بتأويل التراث بمعنى التفسير الذى يسعى إلى بلوغ المقاصد والمعانى من وراء ما يقال بهدف تفهمه وليس بهدف ترسيخ تصوراتنا المسبقة التى تعمق الفجوة وتزيد الاغتراب، لذلك لا بد أن نؤمن مبدئياً بأنه لا يوجد تفسير واحد يدّعى بلوغ الحقيقة لأنه ببساطة لا يوجد حقيقة مطلقة، هى حقيقة بالنسبة لنا وليست حقيقة فى ذاتها، لذلك لا بد أن نقتنع بأن هناك إمكانية لتعدد التفسيرات،

يترتب على هذا التعدد قناعة لا بد أن نصل إليها وهى أنه لا يوجد تراث مقدس لأن التراث نتاج إنسانى بشرى مرتبط بلحظات تطور الوعى التاريخى، ولذلك ففهمنا للتراث ينبغى أن ينطلق من اللحظة التاريخية التى نحن فيها ونحياها الآن وليس ما نفعله بإسقاط الماضى على الحاضر أو تحنيطنا فى سكون الماضى ومحاولة إدخال واقعنا إلى تابوته. إذن باختصار تطورنا وإبداعنا وتأويلنا الصحيح للتراث لن يكون ولن يحدث ولن يتحقق إلا بتجاوزه، ولكن هل تجاوز التراث يعنى إلغاءه أو إسقاطه أو شطبه؟! لا بالطبع، إنه ليس القطيعة الكاملة معه، لكنه زعزعة الراسخ والجامد الذى اكتسبناه وترسخ فى تلافيف أمخاخنا ووعينا من خلال تفاسير تدّعى احتكار الحقيقة، مما منح هذا التفسير سلطة رهيبة علينا جعلته مرجعية لتصرفاتنا وسلوكياتنا وطرق تفكيرنا. يجب أن نتعامل معه كما قلنا على أنه غير مقدس، لا بد أن نفهم اللحظة التى قيل فيها هذا التفسير وشروطها التاريخية. يخلص د. سعيد توفيق إلى نتيجة مؤداها أن التفسير الدينى فى معظم عالمنا العربى تفسير متخلف نكوصى ولا شأن له بالتأويل.

إنها نظرة مهمة من مثقف مهم ومهموم، ولا يمكن أبداً ونحن مكبلون بكرات رصاص التراث فى أقدامنا أن نتقدم خطوة على طريق الحضارة، نستلهم معانى التراث الكلية لا تفاصيله، نرصد مناطق التغيير والثورة والتمرد والنقد والنقض والحركة والنور فيه، وليس مناطق السكون والتخلف والظلام والتكلس، لا نتعامل معه بمنطق الزنزانة التى نستمتع بدفئها ونخاف من الطيران والتحليق خارجها حتى لا نتوه. التراث ليس وصياً علينا وليس وصية يجب تطبيق كل بنودها، فلنحلق ونكتشف، فما زالت الأجنحة قادرة على الطيران خارج القفص الحديدى، ولكن المطلوب فقط أن نفتح الباب ونخرج وننظر إلى البراح بحب واستمتاع ونبدأ فى الطيران، وحتماً سنصل.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع