الأقباط متحدون - قراءة هادئة فى ملف شائك (٦)
أخر تحديث ٠٦:٥٧ | الاربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦ | ٦ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٨٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

قراءة هادئة فى ملف شائك (٦)

د. عماد جاد
د. عماد جاد

 لن يحل مشروع قانون بناء وإصلاح الكنائس، وفق النص الذى قدمته الحكومة لمجلس النواب، هذه المشكلة المعقدة التى باتت مصدراً رئيسياً من مصادر التوتر الدينى والطائفى، وهناك تعمد تقييد عملية البناء والإصلاح والترميم، واستمرار وضع الملف بيد الأمن الوطنى الذى هو جزء من المشكلة وليس الحل، ولا يُتصور أن يكون جزءاً من الحل فى يوم من الأيام بسبب طريقة تنشئة وتدريب أفراد الجهاز وقناعاتهم الأيديولوجية وتوجهاتهم الفكرية. كما أن هناك تعمداً واضحاً فى بنود مشروع القانون من أجل تصعيب عملية منح الترخيص القانونى، إضافة إلى الاعتراف فقط بالكنائس التى بُنيت واستُخدمت على مدار السنوات الخمس الماضية، ومن ثم عدم تقنين أوضاع الكنائس التى أُنشئت قبل السنوات الخمس الأخيرة، وهى نسبة لا بأس بها من كنائس مصر.

فى تقديرى أن القضية لا تتعلق فقط بنصوص القانون والقيود الواردة فيه على عملية بناء وإصلاح الكنائس بقدر ما تتمثل فى العقلية التى وقفت وراء صياغة القانون، فهى نفس العقلية الطائفية المنغلقة التى لم تستوعب بعد قيمة المواطنة والمساواة، القضية إذن لا تتعلق بتحفظات على بنود القانون ومواده، بقدر ما تخص قناعات من قاموا بصياغة مشروع القانون، فقراءة متأنية للبنود ومناقشة هادئة مع بعض من وضعوا هذا المشروع وعناصر من الذين سيُعهد لهم بالتنفيذ تكشف عن استمرار العقلية الطائفية التمييزية. تلك العقلية التى تعتبر التضييق على بناء الكنائس وتصعيبها نوعاً من الجهاد ومصدراً من مصادر اكتساب الحسنات، فلديه قناعة أنه سوف يُثاب على ذلك.

فى تقديرى أن المشكلة الأساسية هى عدم قناعة من بيدهم الأمر تشريعاً وتنفيذاً بأن الأقباط جزء من النسيج الوطنى، فرغم أن تاريخ الأقباط يكشف عن انحيازهم على الدوام للوطن وعدم تأييد غاز أو محتل مشابه دينياً، وأن ولاءهم الأول والأخير للوطن وترابه، فإن من بيدهم الأمر مستمرون فى التعامل مع الأقباط باعتبارهم ملفاً أمنياً وُضع بيد جهاز أمن الدولة الذى تم تغيير مسماه إلى الأمن الوطنى دون حدوث أى تغيير يُذكر فى الرؤى والقناعات الفكرية والأيديولوجية.

يبدو واضحاً أننا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة شاملة للعقلية التى تدير وتحكم على المستويات المختلفة، وأن القناعات الفكرية والأيديولوجية التى تم بناؤها على مدار سنوات العمر لا يمكن تغييرها بسهولة، والتغيير لن يحدث بمجرد طلب ذلك من رأس السلطة، بل لا بد من صياغة رؤية شاملة للتغيير فى البلاد، رؤية مركبة تشمل كافة المجالات: التعليم، التنشئة الدينية، الفكر الدينى وليس مجرد الخطاب فقط، وسائل الإعلام ومجال الثقافة أيضاً، نريد إعادة صياغة أدوات التنشئة بالكامل وفق رؤية وطنية شاملة تحترم الدين وتقدسه وتضعه فى مكانه المحدد وهو العلاقة بين الإنسان وخالقه، رؤية تنطلق من الاقتناع بأن وظيفة الدولة إسعاد المواطن على الأرض وتلبية حاجاته المادية ولا علاقة لها بالجانب الروحى فى حياة الإنسان ولا قناعاته الدينية فتلك قضية خارج سياق العقد الاجتماعى الذى يحكم علاقة الحاكم بالمحكوم.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع