الأقباط متحدون - من الذى أضاء النور فى أبوقرقاص؟
أخر تحديث ٠٩:٢٤ | الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١٦ | ٢٣بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٤٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

من الذى أضاء النور فى أبوقرقاص؟

خالد عكاشة
خالد عكاشة

فى البدء كانت النكتة، وفى النهاية ربما أيضاً تكون! والنكتة فى النكتة ليست نكتة، ولكنها واقعة حدثت لأهل النكتة، صناعها المهرة، ورواتها العتاة.

بتلك البداية المثيرة افتتح الكاتب الكبير يوسف إدريس روايته القصيرة الأكثر من بديعة «أكان لا بد يا لى لى أن تضيئى النور»، باسمها الغريب الذى يحمل تساؤلاً مستنكراً يحملنا الكاتب فى حبكة رائعة لصناعة مشهد معقد للغاية، وهو على الأقل ما دفعه إلى الاستهلال بتلك المقدمة الملتبسة، ولكن مع سطور قليلة بعدها نجدنا فى العالم الغرائبى الأكثر واقعية مما نظن، عالم ظنه وخبره وعرفه إدريس تمام المعرفة، فاختاره كى يحمله ما يريد من روايته وإبداعه، إمام مسجد شاب تولى مهمة إقامة الشعائر فى مسجد الشبوكشى بحى الباطنية، وهو الحى الذى وصفه إدريس وقت كتابة الرواية بأنه وكر للحشيش والأفيون، والنكتة المشار إليها هى أن الإمام وهو يصلى صلاة الفجر بمجموعة من «أنصاف المساطيل، أنصاف يقظى»، تركهم وهم فى السجدة الأخيرة على وضعهم وفر إلى شقة «لى لى» صانعة الغواية التى حطمت مقاومة الإمام الشاب، وتجسدت النكتة بين يدى هؤلاء العتاة أنصاف المساطيل ومدمنى المرويات الحريفة، أنهم لم يفهموا ما يحدث عندما طالت مدة سجودهم دون أن يقدروا على فعل شىء حتى وقت صلاة الظهر، عندها دخل أحد أهالى الحارة مطلقاً ضحكات عارمة ثبتت فعل النكتة، معلقاً على جيرانه قائلاً: «شوفوا الناس المساطيل اللى ساجدة وبتصلى من غير إمام».

فيما أتابع أحداث وشخوص ما حدث بقرية كرم أبوعمير/ أبوقرقاص بالمنيا طوال الأيام الماضية، لم تغادرنى جملة التساؤل عمن هذا الجهنمى الذى أضاء النور هكذا فجأة، فأهالى القرية وكبراؤها تواطأوا بالصمت الحرام والنار تمتد إلى الهشيم، والرسميون انصب جهدهم على تفريغ المأساة من مضامينها وحقائقها، فمنهم من كذب صراحة ومنهم من وضع بعض الأصباغ لإخفاء القبح، وبالطبع كان هناك سؤال الأمن الذى لم يجهض الحدث قبل اندلاعه، وهو فى هذا ممثل لذروة تعقيد المشهد، فغالبية الضباط غرباء وسيف واقع الخصوصية مصلت على أعناقهم، وربما خطوة واحدة غير محسوبة أو متوازنة مع باقى الأطراف، كفيلة بنقل الاتهام الجاهز سريعاً ليطيح برقاب الأمن، متهماً إياه بأنه المتسبب فى الحريق، لذلك تظل مساحة حركته وفاعليته مرهونة بالآخرين، ويغلب عليها الجمود ورد الفعل، رغم كونه قادراً على الإجهاض وضبط الإيقاع بالفعل، لكن المهمة بهذا الشكل تستلزم دعماً وتكليفاً صريحاً وظاهراً وهذا هو الغائب الدائم، لتظل مساحات الفراغ الموحش والالتباس قادرة دوماً على صناعة الجرم.

يوسف إدريس وهو يقص عن حياة أهل الحارة ذكر أنه رغم اشتغال وانشغال الجميع بالاتجار وتعاطى المخدرات، إلا أنهم أدوا فرائض الحج لضمان إطلاق الأيمان المغلظة أثناء معاملات الشراء والبيع اليومية، ومن بضاعتهم وريعها يؤدون الزكاة، وعندما حاول الشيخ الشاب فى البداية أن يجتذبهم ناحية الدروس والوعظ، أبلغوه صراحة أنهم ربما يجذبهم صوته الشجى فى القراءة خاصة بعد أن أطربهم بالفعل، لكن ما هو أبعد من ذلك فهذا خارج اهتمامهم، والكثيرون هناك فى أبوقرقاص عقدوا فيما بينهم مثل تلك الصفقات، أشهرهم نواب البرلمان الذين يمثلونهم، يأتون ويغادرون من دون الدخول فيما يمكنه أن يخصم من الأصوات، لذلك كانوا وسط جوقة المنادين ببقاء كل شىء على حاله، فالمنادى بتطبيق القانون على من ارتكب جرماً، يعتبر مؤججاً لفتنة طائفية، وهذا التوصيف بحد ذاته أحد أشهر أساليب الخداع، فالواقع يشهد حفنة من الجرائم الجنائية ارتكبت بحق مواطنين، لكن أدبيات المشهد هناك تحتم فى كل مرة أن تسحب مفرداته ناحية هذا المربع المهيب، ليبتلع الكل ألسنته، فتهمة عدم فهم الواقع على أرض الصعيد مشهرة، وادعاء الخبرة الزائفة بكيفية تفكيك الأزمات من خلال المجالس العرفية للتراضى وتبريد الساحات هو العنوان الأبرز، وهى الهدف الأثير الذى يصنع ويخدم التوازنات، فرغم وجود القانون دواء كفيلاً بتصحيح الأدوار وإعادة صياغتها، بالشكل الذى يصنع حلولاً وعلاجاً، فإن الجميع تحت سطوة مشهد السجود الزائف سيسعى حثيثاً لعدم الوصول إليه.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع