الأقباط متحدون - تجدد اشكالية المواطنه فى مصر:الطريق الى منطق ثورى مدنى لليبرالية( الورقة التأسيسة السابعه)...(2)
أخر تحديث ١٧:١٢ | الجمعة ١٠ اغسطس ٢٠١٢ | ٤ مسرى ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٤٨ السنة السابعة
إغلاق تصغير

تجدد اشكالية المواطنه فى مصر:الطريق الى منطق ثورى مدنى لليبرالية( الورقة التأسيسة السابعه)...(2)


بقلم / جهاد عوة
وهؤلاء الطامحون لا يجدون وراءهم عادة سوى صلاتهم الخاصة وما قد يعملون على اثارته من تيارات شعبية لا يطول أجلها لعدم صدورها عن مصالح واعية , ومن ثم انتهاؤهم فى الغالب للاستناد إلأى احدى السلطتين القائمتين , أى سلطة العرش أو سلطة المحتلين , وتحول الأزمات المصرية عادة إلى مناوشات بين هاتين السلطتين , وقنوع المجالس التمثيلية الوطنية فى هذه المناوشات بدور ثانوى . واتجاه حركتنا القومية هذا الاتجاه يقصى عن مجالها القوى الشعبية التى لا قوى لديها دونها , ) كما يرى وحيدة ان اليبراليين قد اخذوا البلاد لابعد مما تحتمه من مظاهر ظنها اليبراليين من مظاهر تقدمه الا ان وحيدة نعاها نظرا للفارق الكبير بين طبيعة واختلاف المجتمعات وهو البعد الذى لم يراعى من قبل اليبراليين (. ثم انتقل الحكم فى هذه الأقطار إلى أيدى ممثلى الغرب فاتجهت هذه المحاولة وجهة جديدة ينقصها التقدير الصحيح للظروف القائمة ويبدو عليها الميل إلى الاعتقاد بأنها ظروف ثابتة لا تقبل التحويل البعيد كما يبدو عليها التغليب الظاهر للأغراض التى يرمى اليها هذا الغرب على الأغراض المحلية الخالصة . وأخذ الحكم يعود بعد ذلك إلى أهل البلاد فعادت هذه المحاولات تهدف إلى الأغراض المحلية ولكنا ظلت تتجاهل الظروف القائمة وتتأثر بالنضال السياسى وبذلك التفاوت بين هذه الظروف."
كما ياخذ وحيدة على رواد هذا الفكر تاثرهم بالحياة الغربية فى كل نواحى الحياة وينعى عليهم مثلا من الناحية الدستورية استرادهم لدستور غريب عن واقع الحياة المصرية وغير ملائم لها فيقول : " وهكذا لم يتهم الذين وضعوا دستورنا يوم وضعوه بدرس ماضينا الدستورى أو حاضرنا الاجتماعى كما اهتموا بدرس الدساتير الأجنبية , ولم يعن الذين وضعوا نظمنا الحكومية بماضى هذه النظم لدينا كما عنوا بنقل القوانين الفرنسية , وما زال الذين يضعون تشريعنا الاجتماعى والاقتصادى ينتهجون مثل هذا المنهج إلى حد بعيد". . ومن هنا ما نلاحظه - يقول وحيده - من تقلص قوانيننا عند التطبيق وطغيان السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى والهزات الشداد التى تتعرض لها حياتنا الاقتصادية والاجتماعية بين الحين والحين من جراء شطط التدخل الحكومى.
و يقدم صبحى وحيده  تحليلا للاوضاع فى تفسير موجز وحلا سريعا لما يجب ان تؤول له الاوضاع فيقول : " ونحن ننتهى من هذه النظرة السريعة لأوضاعنا الحاضرة إلى ما وصلنا اليه بالعرض لأهم أحداث تاريخنا تحت المماليك من أن الأمر فيما عليه حالتنا الراهنة هو قبل كل شئ أمرفقر الدم هذا الذى أصاب أطراف مصر جميعا بين القرنين الخامس العشر والتاسع عشر , فحد من نشاطها الاقتصادى , وهبط بحياتها الاجتماعية إلأى الحضيض , ودفع بفكرها إلى الجمود الأزهرى . أمر مجتمع يخرج من أقصى ما يستطيع أن يتردى فيه شعب من دمار إلى أحدث ما انتهت اليه البشرية المتمدنة , ويحاول أن يسايرها هذه الحياة الجديدة دون تقاليد أو مقومات حقيقية , وهو يتعثر لذلك بين هشيم الماضى وعقبات الحاضر ولا يريد أن ينظر إلى ظروفه الخاصة النظرة المجردة التى تستحقها , ويعالجها بالحزم الذى تقتضيه ومعالجة مثل هذه الحالة مثل هذه الحالة لا تستطيع أن تستقيم الا بتنقية هذا الدم وتغذيته والاكثار منه , وهو عمل يقتضى مجهودا كبيرا يشترك فيه جميع أفراد المجتمع , لأنه يتصل بنشاط كل منهم".
وأخيرا يقدم مفكرنا نقدا أخر لاهمال الجانب المادى لدى اليبرالييين  التقليديين :" ونحن لا نريد أن نعرض هنا للجدل القائم الآن فى كل مكان حول دور الاقتصاد فى الحياة الاجتماعية ونقنع بالاشارة إلى ما يقر به حتى أشد المفكرين انكارا للمادية التاريخية من ما بين حالة المجتمعات وحظها من الثروة , وبين الأوضاع التى تتخذها والطرق التى تنتهجها فى انتاجها وتوزيعها من صلة مباشرة . وقد سبق أن تحدثنا طويلا عغن الحالة الاقتصادية التى كانت عليها مصر فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ورددنا اليها قبل كل شئ ما كانت عليه البلاد وقتئذ وما زالتا عليه من ضعف ظاهر , كما رددنا اليها التوغل الغربى فى حياتها الاقتصادية والثقافية والسياسية . وقد كان أول ما يجب بذله فى سبيل الاصلاح الاجتماعى هو معالجة هذه الحالة بتنحية الثروة . ولكن الذى حدث وما زال يحدث هو أن محاولاتنا الاصلاحية تركت هذا الجوهر للعروض , وانصرفت عن معالجة الفساد الحقيقى لتقف عند معالجة آثاره , فوجهت تثقيفنا وجهة لا صلة لها بحياتنا اليومية وأقامت نظم الحكم الحديثة دون أن تعنى بايجاد الأساس الذى تقوم عليه . وهى تصرف الآن الملايين فى الارشاد الاجتماعى لتوجه وتهذب قوما تعلم أنهم لا يأكلون".

فالمفكر عند صبحى وحيدة  لا يقلد ولا يقتبس من افكار وتقاليد مجتمعات اخرى ليجعلها قوالب يصب فيها الاخرين وهو يرى علة لذلك حيث يقول (والعلة الأولى فى ذلك هى انفراد الشعوب الغربية بصفات لا تملكها الشعوب الشرقية ولا سبيل إلى أن تملك يوما ما . ومن هنا اتهام هؤلاء المفكرين العامة بالاستكانة والاغفلة والأثرة وكل جريرة أخرى كلما حاولوا شيئا وانتهوا إلى ما لاا يتوقعونه منه بعكس أقرانهم الغربيين الذين اذ حاولوا شيئا انتهوا فى الغالب إلى ما يريدون) وهو عندما يعود إلى قواعده التقليدية القديمة يعود عن وعي ولبلوغ هدف ما في حين أن العصري قد عجز في إدارك هذه القواعد بسبب عدم وعيه. المفكر هو من يملك رؤية نقدية كلية وجوهرية. بإختصار هى العصا التى  يوكؤء عليها في ولمجتمعه.

إن مسئولية المفكرفي زمانه هي القيام بالنبوة في مجتمعه وقد عبر وحيدة عن هذه المسئولية فى عرضة لمفهوم المواطنة بمعناها الحديث بلا تميز على حساب الدين او الجنس وذلك بقوله "  فهذا المجتمع الجديد يتجه قليلا قليلا إلى الشعور بنفسه كشئ يختلف عن المجتمعات الأخرى , اسلامية كانت أو غير اسلامية : يتجه إلى تكوين ما ندعوه بالوعى القومى . فالطهطاوى يكتب فى الوطنية والتاريخ المصرى القديم وواجب العمل لرفاهية مصر , وهو أمر لا نجده فى الجبرتى مع قرب العهد بينهما . وعلى مبارك يضع لفظ "مواطن" للتفريق بين أهل البلاد وغيرهم . وعرابى يستعمل لفظ "المصريين" و "الأمة المصرية" بمعناه الحديث , وبعد من ليسوا من أهل البلاد , سواء كانوا من الأرمن أو الأتراك , أى سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين , أجانب لا يحق لهم أن يحكموها , وهو أمر جديد أيضا لا نجد له أثرا فى التفكير المصرى منذ أن احتضنته الموجة المسيحية ."    المفكر هو الذي يهدي إلى الحقائق ويرشد إلى الطريق ويدعو إلى السفر ويدل على بداية الطريق هو نفسه رائد القبيلة وهادي القافلة وهو الماحي للظلام والظلم.  على سبيل المثال يمكن أن يقال إن فلانا مفكر في أفريقيا السوداء لكنه لا يصلح لشئ إذا جاء إلى المجتمع الإسلامي فهو يصبح غريبا ومشلولا وليس مفكرا بحال من الأحوال فهو مفكر حقيقي ونابغة وذو أثر بناء وفعال في مجتمعه لكننا إذا أخذنا نفس هذا الشخص إلى الهند فلن يعود مفكرا ولن يستطيع أن يكون صاحب دور كمفكر في هذا المجتمع.  وأعظم مسئوليات المفكر في مجتمعه هي أن يجد السبب الأساسي والحقيقي لانحطاط المجتمع ويكتشف السبب الأساسي للركود والتأخر والمأساة بالنسبة لمواطنه وجنسه وبيئته ثم يقوم بعد ذلك بتنبيه مجتمعه الغافل الغائب عن الوعي إلى السبب الأساسي لمصيره وقدره التاريخي المشئوم ويبدي لمجتمعه الحل والهدف وأسلوب السير الصحيح الذي يلزمه من أجل أن يتحرك ويتخلص من هذا الوضع.

ويعمل الفمكر على الحلول اللازمة لشعبه على أساس إمكاناته واحتياجاته وآلامه وعلى أساس الثروات الموجودة في مجتمعه. كما يقوم بكل هذا على أساس تخطيط مدروس قائم على أساس استخدام صحيح للثروات ومعرفة دقيقة للآلام باكتشاف الروابط الحقيقية القائمة والأسباب والنتائج بين أنواع الإنحطاط والإنحرافات والأمراض بين العوامل والظواهر الموجودة في الداخل والخارج ويقوم المفكر بنقل المسئولية التي يحسها هو من طائفة المفكرين المحدودة إلى السواد الأعظم لمجتمعه ويجعل التناقضات الاجتماعية الموجودة في قلب مجتمعه داخل وعي الناس وأحاسيسهم وفى هذا الصدد ينعى وحيدة حال معاصريه فيقول:  " ونبصر هذه المعاهدة العلمية التى أخذناها هى وبرامجها وسبلها فى التعليم عن الغرب والتى تنشئ بيننا وبين هذا الغرب هذه الصلة الفكرية التى تمكننا من تتبع تطوراته وتهيئنا لتلقى آرائه ونظمه وأساليب حياته . ثم نبصر نظمنا العامة جميعا من الدستور إلى أقل القوانين شأنا , ومن تنظيم السلطات إلى التقسيم الادارى ومن المجالس النيابية إلى المحاكم القضائية والادارية والدينية , وقد نقلت هى الأخرى عن مثيلاتها الغربية واستعيض بها عما كان فى ماضى البلاد البعيد أو القريب من نظم لم يعن أحد إلى اليوم أن يتبين ما الفاسد منها وما الصالح . نبصر هذه العناصر المصرية والغربية ونلمس أثر تفاعلها لمسا يسيرا فى اتجاهات هذا الجيل المصرى الجديد الذى شارفت طلائعه المراكز الأمامية من الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية فى البلاد . وهذا الجيل ان شئنا هو أول ثمار الحياة المصرية الجديدة فهو أو غالب الطاقة المتعلمة منه على الأقل ـ وهى التى تعنيننا هنا ـ من أبناء الطبقة المثقفة التى عاصرت كرومر وجاهدته . وهو قد تربى جميعه تربية حديثة . ونال فى الغالب هذه التربية على الأيدى المصرية التى كفلها له الاتجاه الوطنى فى الحكم . ثم هو ينعم الآن قطعته البلاد فى هذا النصف الأول من القرن العشرين من تقدم اقتصادى , نقصد أنه لم ينشأ فى بيئة كالبيئة التى نشأ فيها رفاعة الطهطاوى أو على مبارك أو عرابى أو مصطفى كامل . وهذا الجيل يعاب الآن من ناحية تربيته وناحية تشبهه بالغرب . وظاهرة التربية هذه , التى خشاها الشيخ محمد عبده وأتباعه اذا تركنا الأسباب الفنية التى يرده اليها المتخصصون فى هذا الميدان , ترجع ولاشك إلى ما سبق أن أشرنا اليه من الاختلاف بين الحياة فى المنازل والحياة خارجها وبين الحياة التى نصبوا اليها والحياة التى نحياها".
لم يضع وحيدة تعريفا واضحا ومحددا لمصطلحه لكنه أشار إلى المفكر الأوروبي باعتباره نموذجا للمفكرالأصيل الذي كان انعكاسا لواقعة ومجتمعه وملبيا لاحتياجات وطنه وزمنه وكان يسعى لتخليص أوروبا ومنح شعبه القوة والمنعة ورفع مستوى الحياه عند مواطنيه فالمفكر في أوروبا إبان القرن السابع عشر والثامن عشر استجاب لمجتمعه مباشرة وكانت ردود فعله من أجل تغير هذا الواقع وترشيده وكان مجتمعه في حاجة لكل هذه الخصائص والسمات من أجل رقيه وتقدمه وتحرره. وبالتالي نستطيع القول بأن المفكر الأصيل هو الذي يكون نتاجا لواقعه ومجتمعه وزمانه ومكانه ويلبي متطلبات عصره فيراعي الاستقلال والخصوصية الثقافية والفكرية ونسبية المقولات الاجتماعية.
فى قول محدد ان صبحى وحيده وفق القراءد الثورية لليبرالية يضع اربعه  قواعد اولية  للثورة المدنية ، وهى:
    اولا :  المواطنه هى جزء لا يتجزء واصيل ورئيسى من من منطق الحداثة وليس التحديث
ثانيا:   لابد من صياغة  الفكر والعمل فى نسق ثورى ليبرالى يسمح بتفجير الطاقات العقلية الفردية
ثالثا : لابد من فهم الواقع اى اعاده قراءة التاريخ بشكل فكرى –عملى – ثورى يسمح بخلق طريق مصرى مدنى ثورى للحرية
رابعا : ان التحول من الليبرالية التقليدية الى الصياغه الليبرالية الثورية للمنطق الدولة المدنية يتطلب ثورة فكرية نقدية مستمرة تستعدى القيم والممارسات والمؤسسات للسؤال النقدى بغرض اعاد التأسيس المعرفى حول الوحده المعرفية الصغيرة  epistemic  unite    لكل من هذه الهياكل والعلاقات.

2-  المدخل الثانى: تصور انطونيو جرامشى
تاتي أهمية بغرامشي وفكره من تشابه الشرط العالمي والوطنى الراهن مع شرط أوربا التاريخي عندما كتب غرامشي "الكراسات.".  حيث كتبت في اللحظة التاريخية لهزيمة الثورة الاجتماعية البروليتارية] في أوربا ، وتحديداً ألمانيا وإيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى. وتأتي أهميته اليوم من الأزمة البنيوية للرأسمالية تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية واعاد هيكله الخطاب والسياسات لتتلائم مع الايديولوجية  اليمين  بالمعنى الواسع للكلمه ، بالاضافه الى التراجع الحاد فى الثورة المدمية المصريه  التى انطلقت فى 25 يناير 2011 وانحرافها الثورى ناحية الفاشية الدينية.  لقد دشن تفكك الاتحاد السوفييتي نهاية مرحلة ثورية دولية خاصة خلال ما بين الحربين وخلال مرحله الحرب العالمية الثانية، مرحـــلة تعتمد " حرب الحركة  war of movement" باعتبارها هجوماً مباشراً على سلطة الدولة البورجوازية ، وبداية مرحلة جديدة تعبر عن جدلية جديده للعلاقات العولمية محلية . مرحلة يسميها غرامشي بـ "حرب المواقع" war of position  التى تدور رحاها في  وخلال مؤسسات الدولة البورجوازية الفاشيه ومجتمعها المدني،  او فى صياغة مصرية بين الدولة السلطوية الفاشية الفاشلة بالمعنى  العلمى  للمصطلح ومجتمعها البيروقراطى المتهالك غير القادر على الانجاز الراسمالى. أو كما يقول غرامشي : "القديم يحتضر والجديد لا يستطيع أن يولد بعد ، في هذا الفاصل تظهر أعراض مرضية كثيرة وعظيمة في تنوعها" . 
فهم الإسهام الذي أنجزه غرامشي يتلخص فى قيامه  بتحديد مستويين  نظريين عمليين فى آن الوقت للأبنية الفوقية أحدهما، ما يمكن تسميته بـ "المجتمع المدني" أو أجهزة الهيمنة في الدولة البورجوازية الحديثة مثل التربية والتعليم، والإعلام، والمستوى الثاني هو "المجتمع السياسي" أو سلطة الدولة . فى المستوى الأول نجد وظيفة الهيمنة الاجتماعية hegemony التي تمارسها الجماعة الحاكمة في المجتمع كله من جهة ، و المستوى الثاني تقبع وتمارس  وظيفة السيطرة المباشرة أو الأمر والإكراه  التي تمارسها الطبقة المسيطرة من خلال الدولة وحكم "القانون" من الجهة الأخرى . وهي بالتحديد وظائف ارتباطية  عضوية وتنظيمية شامله  كما يقول غرامشي في ص 28 .  فى هذا السياق ما يحكم تعريف المثقف ليس الخصائص الجوهرية لنشاطه الذهني فحسب ، بل السياق الاجتماعي أي الوظيفة الاجتماعية لهذه الخاصية أو تلك من النشاط الفكري بغض النظر عن نسبة العمل الذهني إلى العمل العضلي المبذول .  يكتب غرامشي : "تقتضي وظيفة الهيمنة /القيادة الاجتماعية وسيطرة الدولة ، بلا شك، نوعاً من تقسيم العمل ، وبالتالي تدرجاً هرمياً للمؤهلات اللازمة لوظائف بعضها لا ينتسب في الظاهر إلى وظائف القيادة والتنظيم " (كراسات ص28)… فقد ولد النظامالديموقراطي – البيروقراطي - بجهازه البيروقراطي الضخم-  عدداً هائلاً من الوظائف والتي لا تبررها ضرورات الإنتاج الاجتماعية ، وإن كانت تبررها الضرورات السياسية للجماعة الأساسية الحاكمة " (ص29).   جدير في هذا السياق أن نلاحظ الأهمية المتعاظمة للتلاحم بين الوظيفة الاجتماعية للمثقفيين وخاصه لمثقفي الريف:  " رجل دين، محامي، محضر، مدرس، طبيب وبين الوظيفة السياسية"  . إذ يصعب هنا كما يقول غرامشي: "فصل الوساطة المهنية عن الوساطة السياسية".  كراسات(  ص30) .  تنبع أهمية هذا التلاحم من الشرط العالمي المحلى الذي يجعل "حرب المواقع" هي الحرب المهيمنة وهي حرب تقوم في  وخلال مؤسسات الدولة البورجوازية دون الجاهزية او الرغبة الاستراتيجية لاستلام سلطة الدولة الان .    " إن موقف الفلاح من المثقف موقف مزدوج ومتناقض، فهو يحترم المركز الاجتماعي الذي يتمتع به المثقفون وموظفو الدولة عامة،ولكنه يتظاهر أحياناً بازدرائهم ، وهذا يعني أن إعجابه بهم يمتزج أحياناً بمشاعر غريزية ، مشاعر الحقد والغضب المتقد. " (كراسات .. ص30) .  أما بالنسبة لمثقفي المدينة فالأمر مختلف حيث تمارس الجماهير العاملة على الأقل من خلال مثقفيها العضويين تأثيراً سياسياً في الفنيين. .(كراسات ص30). ب هذه المقدمة الضرورية لصناعه اولفه فكرية مع انطونيو جرامشى قبل ان نبحر فى سبيلنا لا ستكمال بعض روافد المنطق الثورى المدنى لليبرالية كمدخل لاشكالية المواطنه من اشكاليات عده للدولة والمجتمع.

كيف يعالج غرامشي العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، التي تؤسس وتؤطر نظرية الهيمنة؟ لم تكن الدولة في الغرب قبل 1870 حاضره إلا بشكل جزئي، وهامشي، وقليل نسبياً، في حين كان المجتمع المدني يتمتع باستقلالية أكثر في علاقته معها. وهذا مفهوم في المراحل الأولى من تطور الليبرالية، التي ترتكز على مفهوم الفرد، والمبادرة، حيث تسود النزعة الاقتصادية الفردية، والمزاحمة الرأسمالية. غير أنه بعد العام 1870، تطورت الرأسمالية الصناعية الغربية، وأصبحت سلطة الدولة المتكونة من الأجهزة والتشكيلات المؤسسيه السياسية والايديولوجية المختلفة، والمتطابقة مع مصالح الطبقة البرجوازية المهيمنة، ضخمة، ومعقدة، في الديمقراطيات الرأسمالية الحديثة. وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع المدني، الذي تطور بشكل مواز، وأصبحت تشكيلاته وتجمعاته أكثر تعقيداً، ولكنه فقد "استقلاليته" في الوقت ذاته ، لأن الآلة البيروقراطية الضخمة للدولة، أصبحت "تدس أنفها في المجتمع المدني وتسيطر عليه، وتنظمه، وتشرف عليه وتحدد تقسيماته.."، على حد تعبير ماركس في كتابه "الثامن عشر من برومير".‏
والحال هذه، فإن الصراع من أجل الهيمنة في ميدان المجتمع المدني، على الصعد السياسية، والايديولوجية، والثقافية، والأخلاقية، يتطلب من الماركسيين والليبراللين الثوريين  في بلدان الغرب ودول العالم الثالث ودول الربيع العربى وخاصة مصر ، الانتقال من مفهوم "الثورة الدائمة" لعام 1848، التي تشكل نظرية تروتسكي، باعتبارها كما يقول غرامشي، تمثل أحد ترسبات النظرية السياسية، لفكرة "الهجوم على المقدمة- أي حرب الحركة- في فترة يكون فيها هذا الهجوم نفسه هو السبب في الهزيمة" إلى تبني استراتيجية جديدة  ، وتأخذ صيغه الصراع على "الهيمنة المدنية"، المرتبطة جدلياً بحرب المواقع.‏
وحين يشير غرامشي إلى أنه في "الدول الأكثر تقدماً" السائدة في الديمقراطيات الحديثة، حيث توجد أدوات الهيمنة السياسية، ولكن بدرجات متفاوتة، (البرلمان الأكثر ارتباطاً بالمجتمع المدني، والسلطة القضائية التي تقع بين الحكومة وبين البرلمان)، وحيث أصبح فيها المجتمع المدني "بنية شديدة التعقيد"، قادرة على أن تتحول إلى خندق وقلعه للمقاومة الفعالة، فإنه يهدف من وراء ذلك إلى نقض الخط السياسي، الذي كان ينادي بـ"الاضراب السياسي الجماهيري"، الذي كانت الأممية الشيوعية (الكومنترن)  تطرحه "كفاتحة للهجوم" على السلطة الأوروبية التي زعزعتها الأزمة.‏
للانتقال المفاهيمى من "الثورة الدائمة" إلى "الهيمنة المدنية"، يقول غرامشي: "أن انتقال حرب المواقع أيضاً إلى المجال السياسي يعني أنه قد تم الدخول إلى مرحلة انقلابية في الموقف السياسي التاريخي، لأن مع هذه الحرب في مجال السياسة يكون نهائياً. ويتابع قائلاً، "إن الانتقال من حرب الحركة إلى حرب المواقع. في المجال السياسي أيضاً هو اذن أهم مسألة نظرية سياسية تم طرحها في فترة ما بعد الحرب، وتعد من أصعب القضايا حلاً، إذا ما قصدنا بكلمة الحل، الحل الصحيح".‏ بعبارة اخرى، ان الثورة المدنية المجهضة فى مصر الان ليس اماها الا التجهيز لمعاوده الانقلاب المجتمعى المدنى لاحياءها فى شكل جديد.
يمثل مفهوم حرب المواقع  نقطة نوعية في الصراع السياسي من أجل الهيمنة على صعيد الساحة الأوروبية،  وانعطافا تاريخيا مفهوميا وحركيا من الناحية السياسية هاما وفاصلا في عملية الانتقال من "الثورة الدائمة" إلى ،"لهيمنة المدنية " منذ العام 1870، يشكل مفهوم الهيمنة عند غرامشي حدثاً معرفياً مهماً، وتقدماً فلسفياً يخدم حركة التقدم التاريخي.‏  إن التخطي الجدلي لمفهوم الهيمنة الغرامشي لمفهوم الهيمنة عند لينين، الذي يقف عند حدود التحالفات السياسية بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، والذي يعتبر مكملاً لمفهوم الدولة كقوة في حقل التنظيم والنشاط السياسي، يشكل إطاراً جديداً "كلياً" للهيمنة الاشتراكية السياسية والثقافية والايديولوجية والأخلاقية، الهادفة إلى ترسيخ هيمنة ثورية للكتلة التاريخية الجديدة، والمتكونة من الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء، والمثقفين العضويين، القادرة وحدها على الاستجابه لحاجات وتطلعات كل هذه الطبقات والفئات المستغلة والمضطهدة على النطاق القومي، بحكم التطور اللامتكافىء للرأسمالية بين مناطق متقدمة صناعياً، ومناطق أخرى متأخرة تاريخياً، وحيث تقع مهمة غزو الهيمنة للمجتمع المدني على عاتق الحزب السياسي المهيمن (المثقف الجمعي) والمثقفين العضويين، القادرين على تحقيق وحده ثقافية- اجتماعية تقود إلى توحيد هذه الارادات الطبقية، والفئوية، المبعثرة في أهدافها، وغير المتناسقة في نظرتها للعالم، إلى خلق ارادة جمعية قومية شعبية، تمتلك رؤية جديدة ومشتركة للعالم، وتحتل موقعاً في الصراع الاجتماعي والسياسي والثقافي، لكي تشكل هيمنة جديدة، لها فكرها، وأخلاقها، وفعلها السياسي، والتاريخي. ‏ 
...................يتبع


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع