الأقباط متحدون - المال مقابل الكرسى
أخر تحديث ٠٣:٢٠ | الثلاثاء ٢٠ اكتوبر ٢٠١٥ | ١٠ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المال مقابل الكرسى

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

حين أنزلُ من بيتى لأُدلى بصوتى فى الانتخابات البرلمانية الراهنة، سأقولُ لنفسى: إياكِ أن تُعطى صوتَك لمن يستجدى صوتك ويتهافت عليه. فمن يودُّ أن يفيد الناسَ، لا يتوسّلُ ولا يتحايلُ ولا يستجدى. إنما يستجدى ويقاتل من أجل كرسى البرلمان، مَن يخطط لأن «يرتزق» من ورائه، لهذا يدفع كل غال وثمين حتى ينال هذا الكرسى. فمن يُرد أن يكون صوت الغلابة، لا ينفق الملايين لشراء أصوات الغلابة!

منذ عقود، أسألُ نفسى: لماذا يتناحر الناسُ لكى ينالوا مقعدًا فى البرلمان؟! لماذا يتهافت الناسُ على التعب ووجع القلب؟ أحبُّ أن أعيد الأمورَ إلى صورتها المجرّدة الأولى كى أستوعبها. أُقشّرُ عنها التراكمات والخبرات التى قد تشوّه معناها الأولىَّ. بهذا المنطق، لا أفهمُ أن يدفعَ مُرشّحٌ برلمانىّ مبالغَ هائلة، بل يتعارك ويقاتل لكى يصل إلى مقعد، المفروض أنه سيقدّم من خلاله خدمات للوطن وللمواطنين! هل يُقاتل الإنسانُ من أجل أن ينالَ إنسانٌ آخر مغانمَ وحقوقًا؟ لو أرجعنا الأمور إلى أصولها وجرّدناها من الخبرات، سوف نقول إن المواطنين هم الذين يجب أن يجتهدوا حتى ينال مرشّحٌ نزيه مقعدًا فى البرلمان، لأنه سيجلب لهم الخير، ويكون صوتهم الجسور أمام الحكومة! لكن الخبرات تعلّمنا شيئًا آخر. للأسف. أن المرشحين يَعِدون الناخبين بالرغد والنعيم والغد المشرق، ثم سرعان ما ينسون وعودَهم بمجرد الاسترخاء على كرسى البرلمان! ينسون الفقراء فى فقرهم، والمرضى فى مرضهم، والمُجهّلين فى جهلهم، وينسون المظلومين فى قبضة ظالميهم!

زمان، سألتُ أمى: «لماذا يتصارعون على مناصبَ سوف تُشقيهم لأن مشاكل الفقر والمرض والأميّة فى مصر لا حصر لها؟ المفترض أن يسعى المواطنون لأن يقبل المرشّح أن يقتصَّ من وقته وجهده وأعصابه ليحلَّ مشاكلَهم؟» ابتسمت أمى ولم تتكلم. أعرفُ تلك الابتسامة. ترمينى بها أمى كلما أرادت أن تقول: «مازلتِ لا تدركين الحياة؛ الناس فى الواقع، غير الناس الذين تقرأينهم فى الكتب». أحببتُ أن أؤكد فكرتى وأبيّن لأمى أننى «فاهمة كل حاجة عكس ما هى فاكرة»، فقلتُ لها: «المفترض أن يُشطَب كلُّ من ينفق مبالغَ طائلة فى الدعاية الانتخابية. لأن الأموال التى ينفقها دليلٌ واضح على أنه ينتوى أن يجلس على الكرسى لكى يثرى ويستردَّ أضعافَ ما أنفق. فمتى وكيف يأتى بحقوق الفقراء؟!» هنا ابتسمت أمى الابتسامة الأخرى التى أحبّها. تلك التى تقول: «براڤو. بدأتِ تفهمين الحياة».

لماذا يُنذروننا فى وسائل الإعلام بدماء فى «المعركة» الانتخابية؟ لماذا هى معركة من الأساس؟! ولماذا تُراقُ فيها دماء؟! عجبًا! المفروض أن «فردًا» شريفًا ما، «يتطوّع» من أجل «الجمع». يُضحّى بوقته وفكره وجهده من أجل صالح الناس واسترداد حقوقهم. فهل «يُقاتِل» شخصٌ لكى يشقى؟! لا يفعلُ هذا إلا نبىٌّ. فهل المرشّحون المقاتلون من أجل الكراسى أنبياء؟! ربما. ولكن ما القول فيمَن يُنفقون المالَ هائلَه، لكى يحصدوا أصواتَ الناس بسيف الفقر والحاجة والعوَز؟! مَن يقفون بسيارات نقل ليُلقوا بأكياس اللحم للفقراءَ الجوعى، بعدما يجمعون صور بطاقاتهم الشخصية لكى تعيد استخدامَها منتقباتٌ يضعن قفازاتٍ لإخفاء الحبر الفوسفورىّ. يغتصبون أصوات الفقراء مقابل ما يقيم أود أطفالهم؟! من الحتمىّ، إذن، أن يعملوا على أن يظلَّ الفقيرُ فقيرًا كى يبيع صوتَه دائمًا. بكم كيلو لحمٍ تبيع صوتَك، أيها المصرىّ؟
نقلا عن المصرى اليوم
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع