الأقباط متحدون - الكنيسة القبطية واشكالية التعليم
أخر تحديث ٠٧:٢٧ | الخميس ٣٠ يوليو ٢٠١٥ | ٢٣أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٣٧السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الكنيسة القبطية واشكالية التعليم

كمال زاخر
كمال زاخر

قرر قداسة البابا تواضروس إيقاف عظته الأسبوعية التى كانت ملمحاً اعتاده الأقباط بامتداد نصف قرن ويزيد منذ ان بدأه البابا شنودة فى منتصف ستينيات القرن الماضى بعد رسامته اسقفاً للتعليم وامتد معه بعد رسامته بابا وبطريركاً، ولم يتوقف إلا فى الفترة من 5 سبتمبر 1981 وحتى 7 يناير 1985 التى كان فيها قداسته رهن العزل والتحفظ بدير وادى النطرون بقرار رئاسى.

وقد أثار قرار التوقف ردود فعل متباينة بين الرفض والقبول وخرج به البعض من سياقه، وتوجس البعض من تداعيات القرار فى تقديرهم واعتبروه قطعاً للتواصل بين البابا والرعية، فى تضخيم يقلص منظومة التعليم الكنسى فى لقاء لا يزيد على ساعتين فى الاسبوع.

لذا نجدُنا بحاجة للتعرف على تطور منظومة التعليم فى العصر الحديث ونتوقف أمام محطاتٍ رئيسية لنفهمَ تضاريسَ اللحظة المُعاشة، بتشابكاتها وتعقيداتها وصراعاتها وايجابياتها واضاءاتها، كانت البداية المنظورة عندما انتبه أراخنة الأقباط الى حالهم مقارنة بما حملته رياحُ الانفتاح على الشواطئ المقابلة للبحر المتوسط، والتى استهدفت رعية الكنيسة.

يبادرُ البابا كيرلسُ الرابع التنويرى (1853 ـ 1861) فى سنى بطريركيته القصيرة بخوض غمار التعليم، والتثقيف بإمكانات عصره، عبر سلسلة مدارس عامة وفنية ويلتفت الى تعليم البنات، مستبقا قاسم أمين بنحو 30 سنة، ويستقدم ثانى أكبر مطبعة بعد مطبعة محمد على الأميرية.

وبعده بسنوات نقفُ مع البابا كيرلس الخامس (1874 ـ 1927) لنضع أيدينا على أول مؤشر لملامح الأزمة والحل، فى تعاطيه مع منظومتين تأسستا عبر شباب ورجال الكنيسة من المدنيين (العلمانيين)؛ المجلس الملى ومدارس الأحد، وكيف قاوم الأولى فتعثرت على مدى عقود بين المواجهة والتهميش وأحياناً التجميد، ثم الاحتواء والتدجين. وكيف دعم الثانية فصارتْ واحدة من أعمدة التعليم فى ربوع مصرَ بل وقفزت لتحتل مقاعدَ القيادة فى الكنيسة.

ويأتى البابا كيرلسُ السادس (1959 ـ 1971) ليلتفتَ إلى منظومة التعليم الكنسى فيؤسس لأول مرة نسق الأسقفيات العامة، برؤية خرجت فيما بعده عن مفهومها، ويختار لها من شبابِ الرهبان من يتولون مهامَها، فى ثلاثة محاور التعليم والخدمة الإجتماعية والدراسات العليا، وتشهد الكنيسة إضافة نوعية أسست لانطلاقة جادة ومؤثرة انعكست على مسار الكنيسة إيجاباً. ويبنى البابا شنودة الثالث (1971 ـ 2012) على هذا الأساس ويحملُ حُلمَ التنوير الذى إنشغل به شاباً علمانياً وراهباً، لكنه يتواجه مع تغيرات مباغتة فى الفضاء العام مع غياب عبد الناصر ومجىء السادات، ليتعثرَ الحُلم، مع ارتباكات المرحلة، لكن تجربة الإكليريكية تستنسخ، بشكلٍ باهت، فى عدة إيبارشيات دون أن يتوافر لها القواعد الأكاديمية، باستثناء إكليريكية المُحَرَّق وإكليريكية دمنهور، اللتين استطاعتا ترسيخ أقدامهما، إلى حد ملحوظ، وإن ظل السؤالُ هل تحتاج الأديرة إلى إكليريكيات تعلِّم علومَ الكنيسة أم إلى منظومة تعلمهم العلوم الرهبانية وضوابط الحياة الديرية؟، لكنه يحاول تعويض اختلالات منظومة التعليم فيؤسس اجتماعه العام الأسبوعى.

ويأتى البابا تواضروسُ الثانى (2012) ساعياً فى عودٍ على بدء،إلى وصل ما إنقطع، بشكل مؤسسى ينتبه الى البنية التحتية، فيشرع فى معالجة منظومة الإكليريكيات بهدوء وإصرار بدعم إكليريكية القاهرة بكوادر جامعية من الجامعات المدنية المصرية، من أساتذتها المتخصصين، ومجموعة الدارسين الذين حصلوا على درجات علمية فى العلوم الكنسية المختلفة من جامعات اليونان، كبادرة توفر للإكليريكية إعترافاً رسمياً من المجلس الأعلى للجامعات المصرية، بما يتيح لها التواصل العلمى مع الجامعات الكبرى، وتوفير المنح الجامعية لخريجيها، وعلى جانب آخر يُخضع إكليريكيات الإيبارشيات لمظلة مجلس أعلى للتعليم الكنسى يوحِّد المناهج ويدعِّم الارتفاعَ بمستوى الأداء، ومن ثم الخريجون.  

على أن مسارَ التنوير يواجه بكثيرٍ من المعوقات، بفعل تراكمات موروثة، وتجريف القيم المصرية خارج الكنيسة وداخلها، وقصور الإمكانات، وحاجتها إلى إعادة توجيه، وقد يتطلب هذا إعادة النظر بجدية فى بعض المستقرات فى مفهوم الموارد الكنسية، وابتكار آليات جديدة توظفها لخدمة منظومة التعليم المؤسسى، بالتوازى مع البعد الاجتماعى والتنموى.

وهناك مستجداتٌ فرضها النمو البشرى والامتداد الجغرافى للكنيسة على امتداد الفترة محل التناول، والتى واكبت فى طرف منها التغيرات السياسية المصرية والإقتصادية فى كثير منها، ودفعت بعضاً من الأقباط إلى الهجرة إلى الغرب والولايات المتحدة تحديداً، ثم كندا واستراليا ودول أوروبا، ومسارعة الكنيسة لبسط مظلة رعايتها عليهم، ولا يمكن النظرُ إلى هذا الأمر دون الإشارة إلى الدور المؤسِّس للأنبا صموئيل أسقف الخدمات الاجتماعية، باعتباره الأب الحقيقى لكنائس المهجر، ثم ظهور الحاجة إلى تأسيس إيبارشيات هناك وما أنتجته من قضايا وإشكاليات جديدة خاصة فى التعامل مع الأجيال الجديدة من الأمريكيين من أصل مصرى، الجيل الثالث وما بعده، وما يتطلبه من إعادة هيكلة الهرم الرعوى التدبيرى الكنسى بما يتفق ومستجدات الواقع هنا وهناك ويضمن استمرار وحدة ونمو الكنيسة.

بغير أن تنزلق الكنيسة إلى علاجاتٍ تفصلُ بين القادمين الجدد ومن سبقوهم بسبب اختلافات النشأة ومنظومة القيم التى تنتهى إلى حالة التمييز العنصرى، التى تفتح الباب إلى انفصال الكنيسة  فى نهاية الأمر. ولابد أن ندرك تداعيات الانتقال من مرحلة الثورة الصناعية إلى مرحلة الثورة التقنية فى فضاءات الاتصال والمعرفة وما تفرضه من تغير فى ادوات التعليم، ويصبح معها الوعظ التقليدى سير فى عكس الاتجاه، فضلاً عن أن الشخوص والتجارب لا تستنسخ، ولكل عصر أدواته. نحن فى لحظة الانتقال من الفرد الى المؤسسة ومن المركزية الى التفويض ومن المعلم الفرد الى منظومة تعليم ترتبط برؤية وتنتشر فى ربوع الوطن، وهو ما أدركه البابا تواضروس وامتلك شجاعة التفكير خارج الصندوق.

نقلا عن الاهرام


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع