الأقباط متحدون - ساطور الدراما وإبداع الردح
أخر تحديث ١٣:٣٥ | الأحد ٢٨ يونيو ٢٠١٥ | ٢١بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٠٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ساطور الدراما وإبداع الردح

 سامى عبدالعزيز
سامى عبدالعزيز

كما كانت الدراما التليفزيونية المصرية إحدى نقاط القوة فى مصر لعدة عقود ماضية، فإنها يمكن أن تصبح إحدى نقاط الضعف فى سنواتنا هذه.. وكما كانت مصدراً من مصادر القوة الناعمة التى يتم استخدامها فى البناء والتنوير، فإنها يمكن أن تكون معولاً من معاول الهدم و«ساطوراً» يتم استخدامه بغشومية لتهشيم كل القيم والمثل التى تربط كيانات هذا المجتمع وتؤدى إلى بقائه.. الدراما التليفزيونية، «ومسلسلات رمضان» نموذج صارخ لها، تقود المجتمع إلى المجهول، وتدفع بكل ما حرصنا عليه من قيم إلى ما «وراء مصنع الكراسى»، بلغة هذه المسلسلات، حيث يتم افتراسها وتصفيتها من كل شىء جميل.. جميع عناصر المسلسلات تحتاج إلى وقفة.. وجميع مقومات الدراما تحتاج إلى «لحظة سكون».. فيه حاجة غلط!!

لغة الدراما التليفزيونية لا نقول إنها انحدرت، لكننا نقول إنها أصبحت مفتوحة على «مستنقع» لفظى عميق.. كل الأبطال يتبارون فى إظهار قدراتهم على الإتيان بألفاظ من «قاموس الردح الشعبى»، «وموسوعة الألفاظ القبيحة» الكبرى.. الشتائم لم تعد تلفت الأنظار.. وذكر الألفاظ التى يعتبرها المجتمع «بيئة» أصبحت علامة جودة، ودلالة على عمق الاحتكاك بالواقع.. سامح الله بعض مخرجينا فى السينما، عندما سمحوا بتصوير العشوائيات على أنها الواقعية الجديدة، ونقل النماذج المشوّهة، على اعتبار أنها مؤشر من مؤشرات الاستغراق فى المحلية، وتشويه النماذج الإنسانية الرفيعة، على اعتبار أننا لا نعيش فى مجتمع ملائكى.. عندما شتمت فاتن حمامة فى عام 1971، فى فيلم «الخيط الرفيع»، البطل الذى خانها ووصفته بأنه «ابن كلب» قامت الدنيا ولم تقعد.. كيف استطاعت فاتن حمامة أن تنطق هذا اللفظ، وكيف سمح صناع الفيلم بذلك؟.. الآن.. هذا اللفظ يعتبر من قبيل «الغزل العفيف» إذا ما قورن بأنواع السباب المنتشرة فى المسلسلات، وكأنها تميمة النجاح والحظ التى يحرص كل الكتاب على التمسّك بها..

هدم النماذج المثالية تيمة أخرى تركز عليها الدراما التليفزيونية.. رجال الشرطة منحرفون.. الشيوخ يقولون ما لا يفعلون.. الشخصيات الناجحة وصلت إلى ذلك بطرق غير مشروعة.. أساتذة الجامعة «خمورجية» وكلهم عاهات.. السياسيون كاذبون وانتهازيون.. والبشر العادى والإنسان العادى محبط ويعانى من أمراض نفسية متعدّدة.. ماذا تبقى لنا بعد ذلك؟ لا شىء، ما دمنا كلنا مرضى وفاسدين.. إذن لا تعايرنى ولا أعايرك، الهم طايلنى وطايلك.. المجتمع بكل عناصره فاسد، والناس، كل الناس، مرضى، فلماذا تحزن على مرضك أو على فسادك؟

فى الدراما الأمريكية ممنوع الاقتراب من النماذج الإنسانية أو التركيز على سلبياتها.. الممرضات والأطباء نموذج على سبيل المثال.. لا يجب الاقتراب من هذا العالم وإلا ترتب عليه الشك فى الخدمة الصحية.. قد يكون هناك دور أو عدة أدوار سلبية لهؤلاء الناس، ولكنه ليس اتجاهاً عاماً أو تيمة درامية.. الأسرة ككيان تيمة أخرى ونموذج تحرص الدراما الأمريكية على بقائه.. فى مصر، تشويه كل الفئات أصبح تيمة وفكرة وملخص فكرة..

يقولون إن الفساد عدوى.. وعندما يصبح الفساد هو التيمة الأكثر انتشاراً فى الدراما يتآلف معه الناس، ويتعودون عليه، ويفقد الناس حساسيتهم تجاهه.. من يعمل فى المجارى لا يشم رائحتها ويتعود عليها.. ومن يشاهد الفساد آناء الليل وأطراف النهار تصبح لديه القابلية للتسامح معه وقبوله.. أرجوكم.. أبعدونا عن هذه الفكرة.. تآلفنا وتعودنا على العنف، وعلى تعاطى المخدرات.. لا تجعلونا نتعود على الفساد والعشوائية والقبح أيضاً.. فى الدراسات الإعلامية توجد نظرية اسمها «التبلد الإعلامى» Video Malaise تشير إلى أن كثرة التعرّض لمشاهد العنف والجرائم تجعل الناس لا يتأثرون بها وتجعلهم يمارسون بعض طقوسهم الحياتية معها دون إحساس بالذنب.. فقد تشاهد عمليات «داعش» الإرهابية وأنت تشرب الشاى وتتسلى ببعض الشيبس.. لا تعارض ولا إحساس.. هل وصلنا إلى ذلك؟ أم نحن فى طريقنا إلى ذلك؟

فى أحد مشاهد الدراما فى هذا العام، تشير بطلة المسلسل إلى أنها «باحب أجيب A فى كل حاجة، فى الدراسة، فى اللعب، فى الجنس!!».. وللأسف، نجحت البطلة فى تحقيق ذلك، ولم ينجح المؤلف سوى فى الحصول على F..

نقلا عن الوطن
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع