الأقباط متحدون - ريهام وياسمين وأبوتريكة وابن الزبال!
أخر تحديث ٠٥:٢٧ | السبت ١٦ مايو ٢٠١٥ | ٨بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٦٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ريهام وياسمين وأبوتريكة وابن الزبال!

مفيد فوزي
مفيد فوزي

 موضوعات أربعة شغلت الناس خلال الأيام الماضية ومازالت تشغلهم، ريهام بالحكم الصادر عليها بالسجن لاعتدائها على مساعد مخرج، وياسمين صاحبة حدودتة سيدة المطار وتوابع حكايتها، ومصادرة أموال أبوتريكة نجم الكرة الإخوانى، وتصريح وزير العدل بعدم قبول أولاد الزبالين في وظائف النيابة والقضاء، وخروج الوزير من الحكومة لإهانته أولاد «عمال النظافة» بدلاً من الزبالين كمصطلح شائع.

 
هذه الموضوعات كانت لها الصدارة في اهتمامات المصريين، وأعترف أنى لجأت إلى عنوان جاذب لافت للنظر وهو أسماء «أبطال» الحكاوى بدلاً من عنوان أكاديمى هو: «من يصنع الرأى العام في مصر؟» وإن كنت أميل كثيراً لهذا العنوان الأكاديمى مدركاً أن ثمة تغييراً ما قد حدث للعقلية المصرية التي كبرت على تلقينها المعلومات بالبزازة أو تقديمها في سلوفان ملون، أرى أن العقلية المصرية- بعد ثورتين- مستعدة «كما الكشّافة»، يقظة كما الصقور، فما عاد الاسترخاء هو الطبع الغالب، ولذلك أردت الإجابة عن سؤال طالما زرعنى في أرض الحيرة وهو «من يصنع الرأى العام في هذا البلد؟» وسؤال آخر لا يقل أهمية: لماذا أخذت هذه الموضوعات ومثيلاتها كل هذا الوقت والاهتمام من الناس؟
 
-1-
 
أنا لا أعرف على وجه الدقة عدد قراء الصحف في مصر وإن كنت أخمن أنهم لا يتعدون المليون قارئ مستعيناً- قدر إمكانى- بأرقام التوزيع التي أفصحت عنها إدارات الصحف، ولابد من الإشارة إلى تضاعف هذا الرقم على شاشات النت والتليفزيون، وجدير بالذكر- بلغة الأبحاث- عزوف نسبة ما عن قراءة الصحف، أما قراء المجلات الأسبوعية، فالحق يقال إنها تذهب بحكم العادة إلى مدمنيها وهم من شريحة عمرية أكبر من الشباب، ونكتشف أن عدد قراء الصحف سواء الورقية أو الإلكترونية قد لا يتعدى الملايين الثلاثة من 88 مليون نسمة وأكثر، أما الملايين الأخرى فليس أمامها مصدر للمعلومات وأخبار البلد سوى شاشات التليفزيون على اختلاف برامجها ومشاربها وتوجهاتها و«زعمائها»، أقصد مذيعيها، فما يبث كل ليلة هو الذي يصنع «الرأى العام» ويشكل «وجدان الناس» ويدخل الفيس بوك والتويتر شريكاً في صناعة أي معتقد، من أول «هل كان فاروق ملكاً فاسداً؟» إلى «هل أبوتريكة يلعب الكرة والإخوان يلعبون به الكرة؟» زمان كان أي رأى أو وجهة نظر أو معتقد ما يستغرق وقتاً طويلاً ليثبت في الرؤوس، والآن تكفى رنة موبايل أو مجرد ضغطة لتنهمر معلومات وصور تثبت في رأسك المراد والمضمون المطلوب، ورويداً رويداً، تختفى الأوراق لتحل محلها الإلكترونيات، فأنا أتلقى تأشيرة دخول دبى وبطاقة السفر على الإيميل، ويكفى أن تلقى سلطات المطار نظرة عليها لتفعيلها، وأستطيع توقيع «عقد» يصلنى على الآى باد، وأى ورقة رسمية من الممكن استخراجها بسهولة عن طريق الكمبيوتر، إن هذا الانقلاب الإلكترونى أحدث خلخلة في المجتمع عبر السنوات الأخيرة واضعاً في الاعتبار دوره في أحداث ثورة 25 يناير بغض النظر عن «لاعبى العرايس» المختفين وراء الستار، أي وراء الثورة، وأظن أن الدولة فطنت إلى المباراة الخفية من لاعب أمريكى بمعاونة مثقف أو مثقفين مصريين أو لاعب «حماسى» من حماس ويملك حماساً في اقتحام سجون بمعاونة إخوان وعناصر أخرى، فقطعت الإرسال لمنع الاحتشاد والحشود، ويظل اسم «وائل غنيم» علامة استفهام في الثورة الينايرية.
 
-2-
 
بمقال أو اثنين تنشر الصحف التعليقات على ما أطلق عليه «سيدة المطار» أو النائب ابن الزبال أو نائب القروض أو أي موضوع شغل الناس دون أسلوب تفاعلى، فأنت تقرأ لكاتب مهما كان اسمه وحجمه، وتزن بعقلك ما يقول، وتصدر حكماً يظل حبيس عقلك، أما شاشة النت فالتفاعلية تحكم الأمر، هناك الخبر وهناك آلاف التعليقات التي تتراوح بين العقلانية والدونية والسفسطة، ومن الممكن أن تساهم ببوست مشاركاً برأيك، وهنا لابد أن نعى جيداً أن النت صار صحافة مستقلة، وما انتشار البوابات إلا مظهر، بل إن البوابات صارت مصدراً لأخبار الصحف.. وبالإمكان أن تكون بوابة الصحيفة أكثر نشاطاً وحيوية من الصحيفة ذاتها، ومعنى هذا أن مصادر الأخبار والتعليقات صانعة الرأى العام مستمدة من التوك شو والفيس بوك والتويتر وأخيراً الصحف. إن الدولة تعتمد منذ الأزل على الصحف، التكذيبات تنشرها الصحف، والبيانات تنشرها الصحف، وتغيير مسار قضية يتم في الصحف، لاتزال الدولة تعتمد على الصحف في «تجميل صورتها»، ومؤخراً صار من يدافع عن الوزارات هو المتحدث الرسمى باسم الخارجية أو الداخلية أو التموين، وحين لا يقتنع الناس بوجهة نظر المتحدث الرسمى فهم يملأون النت تعليقات وأحياناً تكون مصحوبة بسخرية أو شتائم، وإذا اتسمت المداخلات التليفزيونية الرسمية بالصدق والمعقولية والاعتراف بنسبة خطأ ما، صادفت الرضا والقبول عند الناس، أما إذا اعتمدت على العناد والمكابرة والمقاوحة فإنها تفقد ظلها وظلالها وتسقط، ولسقطوها دوى كبير: إن الناس تعتمد على الفيس بوك في التحرى عن الحقيقة، خصوصاً من يملكون فيديوهات مصورة حول حدث ما أو شخص ما، وبعض المعلومات التي تتحفظ الصحف في نشرها تسارع مواقع الاتصال بنشرها بدون تردد وبلا رقيب، صحيح لقد جنحت هذه المواقع إلى التدنى والانحطاط، ولكنها مازالت «الصحافة الموازية» إن أذن التعبير، وقراء هذه «البوستات» ربما كانوا من الجهلاء وأنصاف المتعلمين، مما يعتبرونه «معتقدات» لأنهم يستقبلون دون فرز، ولهذا فطن الإخوان إلى هذه النقطة، فدخلوا على هذه المواقع بأسماء مستعارة وبثوا «السم في العسل»، وأحياناً دعوات للاحتشاد بلغة خاصة، إنهم قد يحرضون بالصورة «شكاوى معدمين من الغلاء» أو يشككون في وظائف عمومية وراء تسويد الشاشات بقصد التضليل لمرتكب هذه الحماقة، وقد يروجون لأبوتريكة أنه «أدخل السعادة» على ملايين المصريين، وأنه مهارة كروية نادرة ولا تمت بصلة للإخوان، وقد «ينفرون» الناس من طيارى مصر الوطنيين بذكر رواتبهم بالدولار ويحسبونها بالمصرى بغية إثارة وتحريض على الكراهية.
 
-3-
 
هناك نقطة حيوية بالغة التأثير هي التي سمحت بانشغال الناس بـ «ريهام وياسمين وأبوتريكة وابن الزبال» وهى الفراغ السياسى، فالناس «زهقت» من السياسة، فلما بحثوا عن بديل كالكرة، فوجئوا بأحداث دامية على أبواب الأندية، وظل الفراغ قائماً، وفى بعض الأحيان ترتاح الدولة من انشغال الناس في قضية ما، لإلهائهم عن قضايا أكثر أهمية وربما شائكة، ومصر شهدت كثيراً صوراً من هذا الإلهاء أو توجيه الاهتمام لأمر ما حتى لا يفطن الناس لخطورة موضوع نخشى احتشاد الناس حوله.
 
لقد كنت طول عمرى أتوقف عند عبارة «المعادل البصرى» حتى فهمت مغزاها وجدواها، فهى أساس الفن المرئى، حتى الذين أتقنوا هذا الفن لم يدخلوا الإلكترونيات ليصنعوا «رأياً عاماً» في قضايا تهم الدولة وترد على المتشككين والمحرضين.
 
لقد كان من المفترض أن تلملم الدولة منذ 30/6 أشلاء ماسبيرو الجريح وتحتفظ بمنصب وزير الإعلام قليلاً حتى وقت لاحق. كان من الضرورى أن تتوافر لتليفزيون الدولة كل وسائل الإبهار والإقناع وكل مقومات النجاح لكى يقف مواجهاً الشاشات الخاصة بأجنداتها وسطوة شركات الإعلان التي تتحكم فيها، ولكنهم تركوا ماسبيرو يقع ويترنح حتى تسود شاشاته في حادث غير مسبوق ولا أرتضى في تفسيره حسن النية.
 
المفترض أن يكون تليفزيون الدولة ذراعاً للدولة وقد عجز فهمى عن إعادة بنائه ليقوم بدور فعال بدلاً من الدور الباهت الذي يلعبه الآن بصعوبة وبلا حرفية، كان من المفترض- دون أن أجلس على مقعد الناصح الواعظ- أن يكون إصلاح تليفزيون مصر الرسمى في مقدمة إصلاحات الثورة بعد أن عبث به الإخوان وشوهوه وجعلوه «مسخاً»، ولكنه أخذ مساحة من الجدل حول كونه «هيئة» وليس «وزارة» وتعددت الأسماء المرشحة لإدارة هذه الهيئة المنشودة، وتقدم البعض بأبحاث مستفيضة عن هذه «النقلة» الإعلامية، ولكن في ظل أجواء صاخبة لا صبر عند أحد عند قراءة بحوث في هذا الشأن، لماذا أهتم بتليفزيون الدولة؟ لأنه رافد أساسى في صناعة الرأى العام في مصر، لقد هرب نجوم ماسبيرو إلى «عزبة المليون» وسكنوا فيها وليس مهماً «الولاء لمن؟»، كذلك لم تفطن الدولة إلى خطورة مواقع التواصل الاجتماعى على النت في صنع رأى عام تجاه قضايا مهمة ومؤثرة، لقد تركت الدولة الناس فريسة «إرهاب» المواقع بآراء مناقضة لآراء الدولة بل تتجه إلى الجنوح بالفتاوى والبعد عن صحيح الدين، وأؤكد أن ريهام سعيد، مذيعة النهار الأكثر شهرة من أول النهار وآخره، لا يهمها سوى نسبة المشاهدة وتدفق الإعلانات في «دولة العفاريت» المزعومة وحالات الصرع المفروض علمياً ومهنياً ألا تذاع، أما «المعايير المهنية» و... سلم لى ع المترو.
 
-4-
 
لا يمكن التقليل من أهمية دراسة وفحص «اتجاهات» الرأى العام على الفيس بوك «أحدث صحافة تعليق على الأخبار والأحداث مهما كانت عشوائية»، فهى تعكس رأياً في الموضوعات شاغلة الناس، سمعت عمدة برلين تقول أيام محاكمة قاتل مروة الشربينى: «فحصنا اتجاهات الرأى العام على الفيس بوك إبان الأزمة، وقدمنا ملفاً بالإشارات العامة مقرونة بتحليل أساتذة الاجتماع في جامعة برلين، وكانت النتيجة أن هناك غربة وعدم اندماج بين الوافدين من العرب على ألمانيا والمجتمع الألمانى، فالعرب لا يألفون عادات الألمان وثقافاتهم، والألمانى لا يثق بسرعة في الأجانب، خاصة العرب، وقد ثبت بالفعل أن «عدم اندماج العرب في المجتمعات الألمانية ساهم في البغض المتبادل» الدرس المستفاد من هذه الملاحظة هو محاولة فهم «الرأى العام المستتر». زمان كنا نعتبر أن ما ينشر في جريدة الأهرام هو الصادق والحقيقى في صدق صفحة الوفيات و«الوقائع الرسمية». بعض الناس يكتفون بالقراءة والآخرون يضعون «لايك»، وفى كل الحالات، هناك مواقف نفسية تواجه هذه الأخبار منها: الشماتة، والتحريض «حادث سيدة المطار» نمطاً، وأحياناً تميل إلى تكسير العظام «أبوتريكة» نمطاً، وربما تتجه إلى التهليل بقصد الفوضى «استقالات الطيارين» نمطاً، وقد تميل إلى إثارة نعرة التفرقة بين طبقات المجتمع «النائب ابن الزبال المرفوض» نمطاً، وأحياناً تضمر السخرية المريرة شعوراً بالغضب الشعبى «الغلاء» نمطاً.
 
إن صفحات التواصل التفاعلى أسرع مما نتصور، فخلال حديث الرئيس الشهرى للأمة، كانت المواقع تعلق «الغلاء طحنَّا ياريس»، وآخرون يكتبون «وزير العدل لم يخطئ في حجب وكلاء النيابة من أصول متواضعة، وكان شجاعاً حين لم يعتذر»، وفى نفس اللحظة هناك من كتب «كلنا أولاد تسعة يا حضرة». إنه رأى عام لا يطفو على السطح، رأى عام- في الظل- لكنه مؤثر. إن الرفض والقبول في المجتمع حصيلة ميراث ثقافى وحضارى وعادات وتقاليد، إنه موجه ومحفز للأفراد في أي مجتمع، وقد تكون مواتية لاهتماماتهم ومصالحهم الشخصية، إنه الرأى الغالب أو الاعتقاد السائد أو الاتفاق الجماعى سلباً أو إيجاباً، تجاه أمر ما يشغل بال المدينة في وقت معين وزمان معين.
 
-5-
 
قد يظهر كاتب برأى مستفز حسب الأعراف، أو يظهر مذيع أسلوبه التحريضى لا يفوت على الأذكياء، وأتذكر أنى سألت الأستاذ هيكل في حوار طويل نشرته في كتابى «هيكل الآخر»، وكان السؤال: هل للقارئ أو المشاهد «سلطان» على الكاتب أو المذيع التليفزيونى؟ وقال هيكل وأنا أعود إلى نص كلماته «بإمكان القارئ أن يعزلنى، وبإمكان المشاهد أن يعزلك، فالقارئ أو المشاهد هو الذي يصنع قيمتك وهو الذي يقدر عمرك الافتراضى في العطاء. إنه قادر أن يستغنى عنه برقة، فإذا قال لك كفاية، لا تلح عليه طالما أنك «نضبت». وبإمكان القارئ أن يستغنى عن متابعة صحيفة ما، أو مشاهد.. ما عاد متابعاً لقناة ما، هذا هو السلطان.
 
■ ولما كان المسؤول لا يتمتع بالنفس الطويل في قراءة مقال، فقد يلجأ لقراءة أول سطرين وآخر سطرين ليحيط بالموضوع (!!) وهأنذا أساعده على قراءة آخر سطرين: الصحافة الموازية في الفيس بوك والتويتر من المهم يا أفندم أن تلقى عليها نظرة متأنية، فهى حصيلة الرأى غير الرسمى الكذاب أحياناً والمتفبرك أحياناً أخرى والمتستف في كثير من الأحيان! صدقنى- يا أفندم- إن عدم اطلاعك على الصحافة الموازية يخلق في البلد «أجواء غير صحية» مففففهوم؟
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع