الأقباط متحدون - ذاكرة النهر.. الثقة والمعركة!
أخر تحديث ٠١:٣٣ | الاربعاء ١ ابريل ٢٠١٥ | ٢٣برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٥١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ذاكرة النهر.. الثقة والمعركة!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتبت مصر صفحة جديدة فى معركة سد النهضة سطرتها بحروف الحكمة ولغة الدبلوماسية، أغلقت صفحات الصراع والعداء والاستعلاء والتجاهل، ونفضت ميراث الغضب والتجاهل وتبادل الاتهامات من ذاكرة النهر، لم تنزلق أقدامها فى شباك مؤامرة حيكت بليل من خلف ستار، ومدت جسور التعاون وبناء الثقة، واستجابت لرائحة الخبز وأنين شعوب النيل، ولم تمضِ قدماً معصوبة العينين نحو خطة رسمت بإحكام للدفع بالوطن نحو هاوية المعارك والصراعات، وقفزت فوق أحراش النهر وتماسيح النيل، رفضت نداءات من يسكبون الزيت فوق النيران ويدقون طبول الحرب، وتجاهلت أصوات من يؤججون الخلافات، ويزجون بالوطن نحو طريق لا يزيدنا إلا خسارة!! وها هى وثيقة المبادئ ترسخ قاعدة بناء الثقة والتعاون وحسن النوايا بين أبناء أفريقيا الحكيمة، وتمهد الأرض أمام استراتيجيات التفاوض للوصول إلى حلول تحقق المكاسب للبلدين، صحيح أن الاتفاق لا يتعلق بحصة مصر فى مياه النيل، ولكن الصحيح أيضاً أنه قفزة على الطريق لحل قضية مصيرية تهدد أمننا المائى ومستقبل أجيالنا، وتحمى مصر من التورط فى خضم مصالح وتحالفات وصراعات دولية ما أنزل الله بها من سلطان! ولا يخفى على أحد أن حديث «هيلا مريام ديسالين» رئيس الوزراء الإثيوبى فى شرم الشيخ، الذى أقر فيه بالمصير والمستقبل المشترك للبلدين، لم يكن سوى انعكاس للدبلوماسية التى انتهجها النظام المصرى لإصلاح ما أفسدته الأنظمة السابقة، تلك الأنظمة التى أساءت لصورة الوطن على المستوى الدولى والإقليمى ولدى شعوب دول حوض النيل، وكانت كلمات رئيس حكومة الحبشة بمثابة رد فعل للثقافة الجديدة التى انتهجتها مصر فى إدارة القضايا والأزمات، لاستعادة مكانتها ودورها فى القارة السمراء، تلك الثقافة التى أثمرت المصالحة التاريخية، وغيرت المواقف والقناعات ورسخت قواعد التعاون المشترك، وبناء علاقات طويلة الأمد قائمة على الثقة والتفاهم، والعمل الموحد لمواجهة التحديات وتحقيق التنمية ليس للدولتين فحسب، وإنما لكل شعوب دول حوض النيل.

لقد اختلفت فكرياً ومنهجياً -وما زلت- مع الأصوات التى تشكك فى الوثيقة وتطالب بتدويل قضية السد الإثيوبى، ونقل الصراع إلى التحكيم الدولى، وطالبت فى مقالات سابقة بأن يظل الصراع شأناً أفريقياً خالصاً، وحذرت من اللجوء إلى مجلس الأمن لصعوبة استصدار قرار يدين أديس أبابا، فى ظل الدور الخطير الذى تلعبه إسرائيل، والتغلغل الصهيونى المطرد فى القارة الأفريقية، والدعم غير المحدود الذى تقدمه تل أبيب للحكومة الإثيوبية، ليس فى بناء السد فحسب، وإنما فى شتى المجالات الاقتصادية والسياحية والاجتماعية، وفى ظل الخطط الدنيئة التى تقوم بها كل من تركيا وقطر لإذكاء نيران الخلافات والوقيعة بين مصر ودول حوض النيل وإنهاك مصر اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً!! إننا جميعاً ندرك الميراث الثقيل من المشاكل والهموم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإننا نحصد ثمار سياسة تمزيق الروابط والعلاقات مع دول القارة السوداء، ونعى أن أى تفاوض تحكمه عوامل كثيرة تستند فى مجملها إلى قوة الدولة، لذا فإن السبيل الوحيد أمامنا هو الاستمرار فى التفاوض، والضغط بكل السبل والوسائل الدبلوماسية، حتى نتمكن من استكمال الأمور المتعلقة بالدراسات الفنية وإحكام السيطرة عليها، واستثمار القيود الأدبية والسياسية التى فرضتها وثيقة المبادئ، وحققت نقلة نوعية فى سياسة إثيوبيا وتعاملها مع القضية!

لقد أصبح مبدأ التعاون والانتفاع المشترك الوسيلة الوحيدة للاستفادة القصوى من المجارى المائية المشتركة فى العالم، وذلك فى ظل اتفاقية الأمم المتحدة للمجارى المائية الدولية، والتى دخلت حيز التنفيذ مؤخراً بعد 17 عاماً من إجازتها فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، واشتملت الاتفاقية على كلمة «التعاون» ومرادفاتها 15 مرة، لذا أتمنى أن تصمت الأصوات المحرضة والمشككة، وتعى جيداً أن «عالم التفاوض» ليس فيه رابح ولا خاسر، وإنما كل طرف يسعى لتحقيق أكبر المكاسب وأقل الخسائر، وأن يدرك الجميع أن شعوب دول حوض النيل تحتاج للتعاون والثقة المتبادلة أكثر من أى وقت مضى. يا سادة.. ما كان أسهل على مصر دق طبول الحرب التى يؤججها مرتزقة الحروب، وندخل فى دائرة شيطانية لا يعرف مداها إلا الله، وما أبسط من اللجوء لمجلس الأمن وتدويل القضية، ونضع مصيرنا تحت رحمة التحالفات والتكتلات والمصالح الإقليمية!! لكن «مصر الواثقة» لن تسقط فى براثن المؤامرات والصراعات، والنهر حتماً سيعبر فوق جسر الثقة.. وستظل مصر دائماً هبة النيل الخالد.

نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع