الأقباط متحدون - رؤية جيش السلام؟!
أخر تحديث ٠٣:٠٠ | الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠١٤ | ١٤كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٢٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

رؤية جيش السلام؟!

د. عبدالمنعم سعيد
د. عبدالمنعم سعيد

 يحكى نقلا عن المستشار الألمانى هيلموت شميدت أنه قال: أعتقد أن كل من يتحدث عن «الرؤية» ربما كان عليه أن يبحث عن طبيب للعيون!!. المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الذى لا ينام قال فى أكثر من مرة «إننا أصبح لدينا الآن رؤية»، وكان المعنى الواضح هو أن ما يفتتحه من مشروعات أو يؤسسه من مبادرات، لا يتم بطريقة اعتباطية، وإنما وراءه «رؤية» تمسك بكل الأمور وتضعها فى إطار واحد. وعلى عكس ما يرى قائد الحكومة، فإن الأستاذ محمد حسنين هيكل فى حديثه إلى الأستاذة لميس الحديدى فى قناة سى.بى.سى أثار نقطتين فى غاية الأهمية: الأولى أن المستقبل لن تشكله «مجموعة المشروعات» الجارى تنفيذها أو الحديث عنها على أهميتها، وإنما «الرؤية» التى تقف وراءها، وربما كان ذلك ما نحتاجه بشدة. والثانية أن ما كان مثيرا فى السنوات الأخيرة، أى بعد عهد الثورات، أن الجيش المصرى كان مُرادا له من قبل قوى لم يحددها أن يكون «جيشا للسلام»، وفضلا عن أن فى ذلك تناقضا فى التعبير حيث الجيوش للقتال والسلام للا عنف، فإن إعادة اتصال القوات المسلحة بالوطنية المصرية أعاد لمصر ما يجعل آخرين يتساءلون، وينزعجون، وربما يرتعدون. غياب الرؤية عن المشروعات، وتماس الجيش مع الوطنية المصرية، يخلق تناقضا لا يحله إلا أن يقوم الرئيس السيسى بثورة أخرى فى البلاد.

 
الأستاذ هيكل لا شك فى أنه من أقدر كتابنا وأكثرهم ثقافة ومعرفة، وهو المفكر السياسى النقى حتى ولو رصع كل حديثه دوما بأبيات الشعر التى لا بد أن تنبهر كيف نجح الرجل أطال الله عمره فى حفظها. ولكن المدهش أن أستاذنا لم يحاول أن يطرح شيئا عما يعتقد أنه «الرؤية» التى تجعل البلاد تسير فى الطريق الصحيح على الأقل كما يراه ويرضاه. أليس ذلك هو وظيفة المفكر فى النهاية الذى يقدم لرجل السياسة «الرؤية» التى تجعله مبصرا على الطريق ما بين هنا حيث الواقع، وهناك حيث المستقبل الذى نريده؟ والحقيقة أنه لا الأستاذ طرح، ولا الزميلة سألت، ولا أحد ممن علقوا انتهزوا الفرصة لطرح تلك «الرؤية» التى يتحدث عنها الجميع، ولكن لا أحد يعرف كنهها شكلا ومضمونا. كل ما لدينا من إرشادات هو أن نقطة البداية كانت نهاية «جيش السلام»، وبداية الجيش المتصل بالوطنية المصرية، الأول ليس له علاقة بالحرب، والثانى له علاقة بالدور الذى تلعبه مصر. وبدون أن ينطق أحد لا فى البرنامج ولا خارجه، ومع قدر من المغامرة فى التفكير، فإن الرؤية التى جرى التلميح إليها ليس فيها الكثير عن المستقبل، وإنما عودة مصر «الناصرية» مرة أخرى، وهذه المرة دون هزائمها السابقة.
 
للحق ودون تجن فإن «الرؤية» بقيت فى عقل الكاتب الكبير، لم يخرج منها إلا ومضات وإشارات، وبعد «العشم» فى المستقبل، فإن الماضى كان حاضرا وبقسوة بعد تجريده من الذنوب والمعاصى التى تم ارتكابها بعد الفترة الناصرية خلال رئاسة السادات ومبارك. هنا توجد إشكاليتان: الأولى أنه ليس صحيحا أن جيوش السلام لا تحارب تاريخيا ولا واقعيا لأن الوظيفة الأولى للجيوش هى حماية أرض الدولة وتكاملها الإقليمى. فلا يختلف أحد على أن الجيش السويسرى هو من أقوى جيوش العالم، ولا يوجد فيه من يعتقد أن حياد الدولة يجعلها لا تحتاج للدفاع عن كيانها؛ هو جيش فى النهاية لحماية السلام والازدهار السويسرى. الجيش المصرى رغم أنه قام بهذه المهمة بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل إلا أنه أولا حارب من أجل تحرير الكويت؛ وثانيا فإنه لم يتوقف عن المشاركة بفاعلية فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقى؛ وثالثا أنه لم يتوقف قط عن القيام بعمليات التدريب المشتركة سواء مع قوى عظمى مثل الولايات المتحدة، أو مع الدول العربية مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة؛ ورابعا أنه بسبب السلام والعلاقات الدولية المتسعة لمصر مع الدول المتقدمة، أصبح الجيش المصرى أقوى وأكثر قدرة، مما كان عليه الحال فى أى وقت مضى؛ وخامسا أنه الجيش الذى قاد الذود عن البلاد ضد الإرهاب.
 
وهنا نصل إلى الإشكالية الثانية وهى أن الجيش المصرى لم يتوقف قط ليس فقط عن التماس مع الوطنية المصرية، وإنما احتضان هذه الوطنية والتعبير عنها. وكان هذا الرصيد هو الذى جعل القوات المسلحة تتدخل فى العملية السياسية فى ١١ فبراير ٢٠١١و ٣ يوليو ٢٠١٣ لكى تحافظ أولا على الوحدة الوطنية وتبعد عن مصر شبح الانقسام والحرب الأهلية؛ وثانيا أن حصاد تجربة الحرب والسلام كان أن مصر تستحق ما هو أكثر من كل ما جرى لها بعد يوليو ١٩٥٢. ما تستحقه مصر ليس الدروشة فى حضرة زعيم أو أيديولوجية أو التمسح فى الدين، وإنما الدخول فى سباق الأمم والفوز فى هذا السباق بمكانة تكفل لها التقدم المستمر والمستدام. ولعل ذلك هو الهدف الذى عنده تتشكل «الرؤية» التى يبحث عنها أستاذنا هيكل، ومن عندها يكون الطريق الذى يصل إليها. ولمن يريد «رؤية» جديدة فإن الهدف فى حد ذاته جديد، فالدخول فى سباق التقدم ليس هدف تحقيق الوحدة العربية، ولا إقامة الخلافة الإسلامية، ولا بالتأكيد بالوطنية المصرية المنغلقة على ذاتها تجتر الماضى وتعزف عن المستقبل. التقدم هو مجموعة من القيم المرتبطة بالحداثة، والمعاصرة، والعمل الشاق، والتجديد ليس فقط فى السياسة وإنما فى رؤية مصر وكيفية تعبئة مواردها البشرية والمادية.
 
الطريق إلى ذلك سوف نجده فى حصاد الفكر التنموى المصرى السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وجاء بعضه فى البرنامج الانتخابى للرئيس السيسى، ومنذ عقدين وكتاب مصريون من بينهم كاتب السطور يطرحون أنه آن الأوان لانتقال مصر من كونها دولة نهرية لتكون دولة بحرية؛ وأنه آن أوان الكف عن خداع الذات بحيث يتم استيعاب الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمي؛ وأنه آن الأوان لكى تكون ملكية أرض مصر للشعب المصرى وليس للحكومة أو البيروقراطية؛ وأنه آن الأوان لكى تتغير الخريطة الإدارية لمصر بحيث نعيد توزيع الموارد من جديد على المحافظات المختلفة؛ وأنه آن الأوان لكى يكون النظام السياسى معبرا عن الشعب المصرى كما هو بمصالحه وجماعاته وتركيبته الاجتماعية، وليس كما تريدها «نخبة» تريد تفصيل نظام لشعب آخر. فهل نحتاج وثيقة سياسية تفصل فى هذه الرؤية وتضع لها استراتيجية للتنفيذ؛ أم أن هناك رؤى أخرى لدى مفكرينا وقادة أحزابنا وقادة السياسة فى البلاد؟ الساحة مفتوحة للجميع، المهم أنه لم يعد هناك داع دائما لطرح التساؤلات، فربما آن الأوان لطرح الإجابات.
نقلا المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع