الأقباط متحدون - تأملات فى «زينب» و«زوربا»
أخر تحديث ٠٤:١٠ | الأحد ١٦ نوفمبر ٢٠١٤ | ٧هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٨٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

تأملات فى «زينب» و«زوربا»

 فيلم «زوربا اليونانى»
فيلم «زوربا اليونانى»

يحتفظ صديق عزيز فى مكتبته الخاصة بشريط فيديو (VHS)، ملصقة على كعبه صورة فوتوغرافية طويلة لى، محفور عليها عنوان بالإنجليزية (Egyptian Zorba).

الشريط يتضمن نسخة من فيلم «زوربا اليونانى»، الذى أخرجه مايكل كاكويانيس عام (١٩٦٤)، عن رواية شهيرة بنفس الاسم للكاتب الكبير نيكوس كازانتزاكس، وقام ببطولته أنتونى كوين، وإيرين باباس، وآلان بيتس، وذاعت موسيقاه التى ألفها ميكيس ثيودوراكيس فى أنحاء العالم، خاصة المقطوعة التى يرقص فيها العجوز زوربا على أنقاض الفشل، ليجدد ثقته وأمله فى الحياة بعد انهيار المشروع الذى تعب فيه لسنوات مع المثقف الثرى باسيل.

تذكرت الشريط وقصته بعد انتحار الناشطة الشابة زينب مهدى، واستغراق الشباب فى بكائية «مفيش فايدة»، وتوسُّع الكثيرين فى عزف نغمة اليأس، ونثر رماد الحزن الأسود فى سماء المستقبل.

كان صديقا متيما بثلاثية «الأب الروحى» لفرانسيس فورد كوبولا، وكان فى بداية صداقتنا ينادينى «مايكل»، وعندما أسأله: مايكل مين؟ يقول: مايكل كورليونى، مضيفا أن تعبيرات وجهى لا تكشف أبدا عن الانفعالات التى تدور فى الأعماق.

كنت أسأله: وده كويس ولّا وحش؟

فيقول: لسه مش عارف.

بعد سنوات قليلة توقف عن مناداتى «مايكل»، وبدأ ينادينى زوربا، فسألته: إيه حكايتك؟

قال: اكتشفت سر الغموض، إنت «زوربا» وليس «مايكل»، ولكن «زوربا مصرى»، تجمع بين شخصية الشاب المثقف «باسيل» قارئ الكتب الغارق فى النظريات البعيد عن الواقع، وشخصية العجوز «أليكسيس زوربا» الأمىّ البوهيمى المنخرط فى الحياة بالتجربة، وليس بالقراءة.

سألته: وما وجه الشبه بين مايكل وزوربا من الأساس؟

قال: التحدى، الوجه صفحة بيضاء، لا ينعكس عليها أى مصاعب أو أزمات، لكن مايكل كان يستخدم وجهه الهادئ كقناع لرجل برىء تحول إلى قيادة عصابة انتقاما لمقتل والده، أما زوربا فلم يكن يرتدى قناعا من الأساس، كان وجهه مكسوا بالأمل فى غدٍ قادم، وبالتالى لم يكن يؤمن للحظة بأن الهزيمة قدر نهائى، فلم يفقد حبه للحياة بعد انتحار الشاب ابن العجوز مافراندونى، ولا بعد مقتل الأرملة هورانتس، ولا بعد انهيار حلمه فى بناء آلة لنقل خشب الغابة أعلى الجبل إلى منجم الفحم فى السفح، وعندما مات طفله الأول حزن بشدة، ولم يجد تعبيرا عن ألمه القاسى إلا الرقص.. فرقص بجوار جثة طفله، حتى ظن أهل القرية أنه أصيب بالجنون وحاولوا منعه، لكنه قال: أنتم المجانين، وأكمل رقصته.

كان يردد أن الشباب ليس نضارة الوجه وقوة الجسد بل الرغبة المتجددة والروح الوثابة التى تشعل الحياة فى الجسد المتهالك.

قال صديقى إننى أرقص كل يوم «رقصة زوربا»، مغازلا الأمل مهما ابتعد، ومتحديا اليأس مهما جثم.

لهذا لم أستسغ بكائية «الانتحار حلا أو نتيجة»، فهو ليس وسيلة لمواجهة الهزيمة، أو التعبير عنها، طبعا أنا لا ألوم المنتحر لأن دوافعه مرضية، وليست عقلانية، فالاكتئاب خلل كيميائى فى المخ، وقد بحثت فى هذا الموضوع تفصيلا قبل سنوات، وسألت عن الأطباء الذين أجروا دراسات عن المنتحرين، وناقشت الدكتور تامر جويلى مطولا فيما يقال عن «موت مدرسة التحليل النفسى» وعجزها عن تفسير دوافع الانتحار، لأنه مرض كيميائى بالأساس، أما مسألة الإحباط والفقر والحزن والهزيمة فهى مجرد عوامل ثانوية.

تبقى ملاحظة أعمق فى فلسفة زوربا، وهى أنه رجل، لذلك كان يرى أن حاله أفضل، لأن وضعية المرأة فى المجتمعات المتخلفة دائما أصعب، وعلى حد تعبيره «المرأة ضعيفة لا تملك سلاحا سوى دمعتين تذرفهما على خديها»، لكنه يضيف بطريقته فى الأمل: «لكن أقوى رجل مهما كانت قسوته وفظاظته ينهزم بسهولة أمام هاتين الدمعتين».

هكذا تتجاور القوة والضعف فى كل مكان وزمان، لكن أيهما نختار، وبأيهما نفكر؟!

رحم الله زينب، إنها ضحية، لكنها يجب ألا تتحول إلى نموذج، أو مدخل للانتحار.
نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع