الأقباط متحدون - الحقيقة حول المعونة الأمريكية لمصر
أخر تحديث ١٣:٣٠ | الاثنين ١٨ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ١٢ | العدد ٣٢٩٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الحقيقة حول المعونة الأمريكية لمصر

بقلم منير بشاى
اثار مقالى الأخير بعنوان "محاولة لفهم العلاقة الأمريكية المصرية" ردود أفعال متباينة بين القبول والرفض، وعبر عدد من القراء عن شجونهم بتعليقات غاضبة.  ولم يكن هذا مفاجأة لى فعلى مدى عقود لم يتردد فى اعلامنا المصرى غير عبارات اهانة أمريكا ونعتها بكل كلمة بذيئة فى قاموس لغتنا العربية الثرية بهذه المفردات.  أما لغتنا العامية فهى تتفوق فى هذا المضمار، وكلمات الاهانة فيها اكثر تعبيرا وأقوى رنينا.  لذلك لا اكتب هذا المقال لكسب جائزة شعبية، فليس هذا مطمعى، يكفينى اننى حاولت كشف الحقيقة، وبكل الرضا اتحمل العواقب.

 وكان من بين المنتقدين لمقالى شخصية اقدرها واعتز برأيها كتبت تقول "أمريكا ليس لها أصدقاء يا عزيزى صديقها هو الذى يدعم مصلحتها السياسية ..ثم أى إعانات هذه التى تجبر مصر على التنازل عن مصلحتها لمصلحة دولة أخرى تعمل على هدمها وإضعافها وتقسيمها بشتى الطرق.  ثم أيضا كلمة إعانات هذه مجرد تسمية فقط ..هى يعنى أمريكا ستقدم إعانات لوجه الله يا أستاذى؟  مفيش حاجة إسمها إعانات  أمريكا تأخذ أمام هذه الإعانات الكثير.  والجميع يعلم هذا "

 بداية اتفق تماما مع التعليق الغاضب فى أن "صديق امريكا هو الذى يدعم مصلحتها".  وهو امر طبيعى ومنطقى ينبغى ان نعرفه حتى نجنّب انفسنا خيبة الأمل عندما لا تتحقق توقعاتنا.  ولكن هذا لا يعنى ان امريكا ليس لها اصدقاء فامريكا لها اصدقاء كثيرون يستفيدون من علاقتهم بها مثلما تستفيد امريكا من علاقتها بهم.

أما حكاية ان امريكا تعمل على هدم مصر واضعافها وتقسيمها فهى ادعاءات نسمعها فى الاعلام المصرى من اعداء امريكا وليس لها ما يؤيدها.  امريكا بلد مفتوح وسياستها تناقش فى الاعلام الأمريكى يوميا ولم نقرأ أو نسمع اطلاقا ان تقسيم مصر جزء من سياستها كما يروج فى اعلامنا. والدليل على ذلك ان امريكا لم تحاول تقسيم مصر فى كل معاملاتها معها. هذا خاصة ان مصلحة امريكا فى المنطقة لا تتحقق الا اذا كانت مصر دولة موحدة قوية وقادرة على التصدى لأعدائها ومكافحة الارهاب.  ولعل المدقق يعرف انه فى وقت فتور علاقة مصر بامريكا وكان هناك تفكير فى تخفيض المعونة فان الجزء الخاص بالمعونة العسكرية ومكافحة الارهاب لم يمس.

 نعم الحكومة الأمريكية لا تقدم المعونات العسكرية لوجه الله فمن المؤكد انها تقدمها للدول الصديقة التى تتبنى سياستها.  أما الدول المعادية التى لا تتفق مع سياستها فمن المنطقى انها لا تحصل على مثل تلك المعونات.  فهل المفروض ان امريكا تكافئ الدول المعادية التى تتصرف ضد مصالحها باعطائها السلاح حتى تستخدمه ضدها؟

 ولكن ان كنا نريد معونات لوجه الله فهناك اعانات انسانية كثيرة يقدمها الشعب الأمريكى لدول العالم، بتشجيع من الحكومة الأمريكية، التى تعطيها اعفاءات ضريبية، والمعيار فيها الاحتياج الانسانى الصرف.  وهى تقدم بدون النظر لعلاقات الصداقة او العداء.  وهى تشمل الغذاء والدواء وتوفير المأوى وتقديم المتطوعين من الخبراء فى اعمال الاغاثة للدول التى تجتاز فى الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والتسونامى والأوبئة والحروب والمجاعات وغيرها.

 وعلى عكس ما يتردد فالمعونة الامريكية لمصر تعود الى ما قبل معاهدة السلام بين مصر واسرائيل بزمن طويل.  تقول التقارير ان مصرتلقت بين 1946 الى 1979 معونة أمريكية قدرها حوالى 8 مليار دولار (غالبا مع استبعاد فترة حكم عبد الناصر) وهو مبلغ كبير باعتبار قيمة العملة فى

ذلك الوقت.  ولكن بعد توقيع المعاهدة سنة 1979 ارتفع المبلغ الى حوالى 2 مليار دولار سنويا.  وهو يمثل حوالى ربع اجمالى المعونات الأمريكية.  وكان هذا لحفز الدولتين على توقيع معاهدة السلام وعلى اساس ان السلام سيوفر لأمريكا اكثر مما ستنفقه على المعونة.  وقد قبل الرئيس السادات خيار السلام لاقتناعه انه لا جدوى من الحرب لحل القضية الفلسطينية فهو لن يستطيع هزيمة اسرائيل لأن ذلك معناه هزيمة امريكا.  عوضا عن ذلك اعتقد السادات ان الحل لا يمكن ان يتحقق الا بمساعدة امريكا لأن "أمريكا تمتلك 99% من اوراق اللعبة" حسب قوله.

 القيمة المالية للمعونة التى تقدم لمصر تختلف من عام لآخر، وهى فى المتوسط تبلغ حوالى 2 مليار دولار سنويا.  القسم الاكبر من المعونة يقدم فى شكل معونة عسكرية ومقداره 1.3 مليار دولار سنويا ولم يتغير منذ 1987 ولكن المعونة الاقتصادية قد تناقصت بمقدار الثلثين منذ 1998.
    ما تحصل عليه امريكا مقابل المعونة امرين.  اولهما استمرار مصر فى العمل بمعاهدة السلام مع اسرائيل.  والثانى اعطاء امريكا الأفضلية فى المرور فى قناة السويس وحق الطيران فوق اراضيها.  البند الأول هو اتفاقية ملزمة للطرفين المصرى والاسرائيلى.  أما الامتيازات الأمريكية فى البند الثانى فهى ليست معاهدة ملزمة بل تفاهمات قبلها الطرفان.  فالمعونات التى تقدمها الحكومة الأمريكية للدول والامتيازات تصحبها ليست فرضا ولكنها منح تهدف لتحقيق المصالح الاستراتيجية المشتركة لكل من الولايات المتحدة والدول المتلقية للمعونة فى فترة من الزمن.  وبنود المعونة قابلة للتفاوض والمراجعة بحسب ظروف كل مرحلة.

  توزيع الاعانة الأمريكية فى هذا العام  2014 هو كالآتى: 1.3 مليار دولار معونة عسكرية، 200 مليون دولار معونة اقتصادية، و7 مليون دولار برامج امنية من ضمنها تدريبات عسكرية وتدريبات على مقاومة الارهاب ومكافحة تهريب المخدرات وغيره.
    من هذا نرى اهمية المعونة الأمريكية التى تفوق قيمتها المالية.  فامداد  مصر بالسلاح الأمريكى المتفوق هو فى غاية الاهمية لمصر.  ولا يقل عنه اهمية تزويد مصر بقطع الغيار للاسلحة والذى يضمن استمرار اداء هذه الاسلحة بكفاءة.

 شىء خطر لى ونحن نكيل اللوم لأمريكا لتباطؤها فى مساعدة المنكوبين. وقد كتبت مقالا الوم فيه تقاعس الادارة الأمريكية فى انقاذ مسيحيى الموصل.  ولكن هل امريكا ملزمة قانونيا بمساعدة المنكوبين اكثر من بقية دول العالم مثل روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا ودول الخليج وغيرهم؟  ربما سبب لوم امريكا هو اننا نتوقع من امريكا مستوى ادبي واخلاقي يفوق ما نتوقعه من غيرها.  وهذا فى ذاته تقدير للدور الامريكى وان كان مغلفا فى صورة نقد.  ولكن مع كل النقد فأمريكا فى النهاية هى الدولة الوحيدة التى تحركت لمساعدة أهل العراق عسكريا وانسانيا بينما العالم كله لم يحرك ساكنا.  بل والغريب ان احدنا لم يوجه لهم كلمة نقد واحدة.

    خلاصة القول ان الدول فى العصر الحديث لا تستطيع ان تعيش بمعزل عن غيرها.  فالتعاون المشترك بين الدول لتحقيق المصالح المشتركة اصبح ضرورة بغض النظر عن اعتبارات تلقى المعونات.  وطبعا الوضع المثالى ان تتمتع كل دولة باستقلالها الاقتصادى بحيث لا تحتاج لمساعدات مالية من غيرها.  فالاحتياج المالى للغير يأتى معه الخضوع ولو جزئيا لارادة الغير.  ولا يختلف الأمر ان كانت المساعدات تأتي من أمريكا أو روسيا او بلد عربى.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter