الأقباط متحدون - الكنيسة واستنساخ فكر السلطة
أخر تحديث ٠٧:٢٥ | الخميس ٣ فبراير ٢٠١١ | ٢٦ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٩٢ السنة السادسة
إغلاق تصغير

الكنيسة واستنساخ فكر السلطة

بقلم: عزت بولس
صبيحة 25 يناير انطلقت مظاهرات الغضب بقيادة الشباب في كافة أنحاء القطر المصري، مع اتخاذ ميدان "التحرير" نقطة ارتكاز أساسية لمُظاهراتهم المُطالبة بالتغيير الشامل الكامل الجذري لنمط حكم سياسي ظل جاثمًا على صدور المصريين لسنوات طويلة تقترب من الثلاثون عام.
 خلال كل تلك السنوات الطويلة أستخدم ذلك النظام السياسي كل الوسائل المُتاحة له لترويج صورة غير حقيقة عن الواقع الذي يعيشه الشعب المصري للعالم أولاً وللشعب ذاته ثانيًا،فبدت مصر صورة ضبابية المعالم داخل إطار كاذب مُحدد بلون أسود من الإنكار التام للأزمات الكبيرة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والطائفية وغيرها التي يعيشها المصريين ومن شدة وطأتها عليهم ومحاصرتها لهم جعلت حجم مشاركتهم بوجه عام و السياسية تحديدًا لصناعة تغيير ما لواقعهم الصعب شبة معدومة.
 بفعل النظام السياسي الحاكم أصبح المصري محدود أو لنكون أكثر وضوحًا "عديم الدور" داخل وطنه خاصة مع اتساع مساحة إبعاده عن الساحة المصرية وكأنه ليس منها أو لها، ذلك التحجيم المُتعمد للمصري أخذ أشكالاً متباينة على شخصيته أبرزها اللامبالاة، مما أعطي إشارة خضراء لرؤوس النظام لتتمادي في تجاهل حجم المسئولية الموكلة إليها لخدمة مصر والمصريين ومن ثم أصبحت حرفة هؤلاء- رؤوس النظام- التجاهل التام لاحتياجات الشعب وأناته التي انطلقت عن كثب من حين لأخر مُحذرة إياهم من فورة غضب "الحليم" ولكن غطرستهم ونجحاتهم المُزيفة بحقيقتها سدت أذنهم عن السمع وعقولهم عن الإدراك إلى أن جاء صباح 25 يناير ليؤكد لهم جميعًا بصفعة قوية أن "صبر" المصريين نفذ فلكل شيء نهاية حتى الصبر مهما طال أمده.
خرج الشباب- فخور جدًا بهم- ليقودوا مصر نحو صحوة مختلفة دون مُحرك سياسي بعينه مُلتحفين بشجاعة نادرة وعجيبة تحدت سنوات الخوف والبطش التي سمعوا عنها من أبائهم أو ربما هم أنفسهم تعرضوا لبعضها...خرج الشباب وطالبوا دون مواربة بإسقاط رأس النظام السياسي الحاكم المُتهالك في حقيقته.
ذلك النظام الذي ظل لسنوات طويلة لا يعترف باحتياجات ومطالب شبابه- الذين هم القطاع الأكبر من المحكومين به-  بعنجهية وتعالي وعند وعدم اكتراث مما عمق من هوة الفجوة بين النظام العجوز وشبابه وخلق الصدام القوي الذي أتخذ من 25 يناير بداية له لتنتفض مصر كلها من تلك المواجهة بين سلطة متهالكة عجوز غاشمة وشباب حيوي نابض بالحياة يملك رؤية مُغايرة لكل ما هو قائم ويريد غدًا مختلفًا به أمل لحياة أفضل كغيره من أبناء جيله بمجتمعات أخري حرة.
مطالب الشباب لم يكن النظام السياسي غير عارف بها إنما فقط عاجزًا عن إدراكها لأنها تزعجه لهذا فهو فضل عن مناقشتها أو حتى السماع لها إنكار وجودها تمامًا، وذلك رغم أن الشباب أعلنوا عن فكرهم وطموحاتهم وأزماتهم مرارًا بروح مصرية ساخرة حقيقية عبر الوسائل التي يتقنها جيلهم – الانترنت وتحديدًا شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات- وعندما وجودا الأذان صماء والعقول مغلقة قرروا المواجهة وقد كانت لهم النصرة رغم الثمن الذي دفعوه من دماء بعضهم وحريات البعض الأخر.
 الشرارة الأولى لمظاهرات الصحوة المصرية الشابة برأيي كان هناك تمهيد لها أقل من أن نصفه بالبداية، لكنه تمهيد قوي دق صوته من بعض أقباط مصر بعد إحداث العمرانية وسقوط قتلي وجرحي من جراء الصلافة والشراسة الأمنية المعهودة في التعامل مع المصريين مما ذكر كثيرين بالأفعال الأمنية الغاشمة الغير مُستساغة من الجانبين المسيحي والإسلامي،تبع ذلك التمهيد درجة أعلي تقترب من اعتبارها بداية للصحوة الحالية وهو  الصدام بين جموع المُتظاهرين وحشود الأمن أثناء المُظاهرات العفوية التي اجتاحت غالبية أرجاء القاهرة والأسكندرية بعد مجزرة كنيسة القديسين ليلة رأس السنة،تلك المُظاهرات التي لم تكتفي بالتنديد بالمجزرة إنما طالبت من الحكومة بكامل هيئتها العمل على إطفاء نار الطائفية والبعد عن الاستخفاف بعقول المصريين بتوجيه الاتهامات إما إلى مُختلين عقليًا أو جهات أجنبية، ولكن النظام لم يُنصت وأستمر في مواصلة تعامله مع أبناء وطنه باستعلاء واستخفاف بعقولهم معتمدًا على وسائلة القديمة في ترويج وجهات نظر وشعارات وتحليلات لم تتغير على مدار نحو ثلاثون عام مما دفع المصري للشعور بعمق السأم.
صحوة الشباب في 25 يناير قوبلت بترحيب وحماس كبير من الشباب المسيحي والمسلم دون التفريق بين مصري ومصري،ولهذا كان هناك رفض من بعض الشباب المسيحي الانصياع إلى دعاوى بعض رجال الدين المسيحي الذين استنسخوا أفكارهم من  فكر قادة النظام السياسي الحاكم المُتهالك، وتناسوا ما تطالبهم به عقيدتهم من" دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ابتعدوا عن ذلك الفصل العقائدي بين ما هو ديني وسياسي وخلطوا الأوراق والأدوار ببعضها البعض.
 تلك الإستنساخات الفكرية من دعاة التخاذل المُلتحفين بالدين الخالطين عن عمد لأدوارهم الحقيقية ذهبت أدراج الرياح، حيث طغي الوعي المصري وفطرة الشباب الغضة البازغة والانتماء الوطني على الشباب المسيحي، مما جعلهم يرفضون بقوة ودون خوف مبادرات من يدعونهم للانسلاخ عن وطنهم والمشاركة في تغييره بلحظة تاريخية لن تتكرر –على الأقل بجيلهم- ليؤكدوا للجميع بأن مصر تجمعهم مسيحيين ومسلمين كمواطنين حقيقيين على قدر من المساواة في المشاركة بالتغيير نحو مستقبل أفضل يستحقونه معًا فلا أحد يدفع الثمن والأخر ينتظر هكذا النتائج دون مشاركة.
إن اشتراك الشباب المسيحي مع المسلم في صناعة الصحوة المصرية وعدم اكتراثهم لمطالب بعض المُتخاذلين من رجال الدين بالابتعاد عن المشاركة في صنع التغيير لهو النواة الحقيقة التي أدت فعليًا إلى إعادة الثقة المفقودة بين المسيحي والمسلم، لقد شعر الجميع أنهم مصريون في المقام الأول أمالهم وتطلعاتهم واحدة تجمعهم بوتقة واحدة منصهرين فيها ولها.
 25 يناير لهو يوم تاريخي سُيدون بكتب التاريخ الحديث بحروف من نور، كما سينصفنه الاجتماعيين بأنه نقطة تغير وتحول كبير في  أظهرت معدن المصري الأصيل الذي غفل النظام السياسي المُتهالك عن تقييمه بشكل صحيح وتبعه بعض رجال الدين المسيحي الذين تصورا بمؤزراتهم لسلطة غاشمة متغطرسة إنهم  يحمون أبنائهم من عواقب حكم جماعة دينية كالإخوان المسلمون على سبيل المثال، تلك الورقة المُتهالكة كالنظام السياسي الذي برع في استخدمها لإرهاب المسيحيين ودفعهم إلى مزيد من الانسلاخ عن المجتمع والاحتماء بنظام لا يعمل لصالحهم أو لصالح أي مصري ومن ثم لايصلح للحماية أو حتى تقديم أي دعم.
المسيحي الواعي لم "يبلع طعم" نظامه السياسي المُتهالك وبحس وطني أولاً وسياسي ثانيًا ألتحم مع شريك وطنه المسلم ضد ذلك النظام الذي أفضت سياساته الغاشمة إلى التفرقة والطائفية وزيادة الاحتقان بين المسيحي والمسلم مما جعل الأول يشعر بالغربة على أرض وطنه،لقد ترك النظام السياسي الذي يدعوا بعض رجال الدين المسيحي إلى دعمه المشكلات الدينية المُتعلقة بطبيعة العلاقة بين المسلم والمُسيحي معلقة دون علاج مما جعل المسيحيين يدفعون ثمنًا غاليًا لذلك الوضع والحوادث الدامية التي وقعت خلال الثلاثون سنة الأخيرة لهي خير دليل لمن يدعي بالعكس.
ليتذكر من يطالبوا بدعم النظام السياسي الُمتهالك الحاكم كيف أنه أختلق ببعض الأحيان أزمات بين مسيحيين ومسلمين لإلهاء المصريين عن مشاكلهم الكبرى الحياتية غيرها ...ليتذكروا كيف أن ذلك النظام أرهب بعض رجال الكنيسة بالتنكيل بشعبهم وتركهم "لقمة" سائغة للمتطرفين في حالة عدم انصياعهم لأوامره وتوجيه أبنائهم بالأبوة الروحية والدينية لما يروق النظام ويخدم مصالحه.
أرجو أن يعي رجال الكنيسة القبطية أن ما قام به بعض قيادتها الدينيين من دعوة الشباب المسيحي بعدم الاشتراك في مظاهرات الصحوة المصرية لهو يرقي برأيي إلى  منزلة الـ" خيانة عظمى" لأمال الشعب المصري أولاً  المسيحي ثانيًا في التطلع لمستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا  وحرية وعدالة، ومن الأفضل لتلك القيادات الكنسية أن تنأي بنفسها عن اللعب السياسي حتى لا تقع بين براثن نظام يهوي وسيُسقط معه كل أدوات دعمه القديم.
 يا رجال الدين أسمعوا جيدًا لقد مضى وقت قيادة الشباب الواعي كالخراف لن تجدوا" أمين" في انتظار توجيهاتكم السياسية له تلك التوجيهات التي ستؤدي بهم لمزيد من العزلة والانفصام عن مجتمع هم منه وله سواء أن أردتم ذلك أو لم تريدوا.
علينا جميعًا كمصريين بعض النظر عن إنتمائتنا الفكرية و الدينية وغيرها أن نكون يدًا واحدة في اللحظة التاريخية التي أتاح لنا القدر أن نحياها بتفاصيلها المؤلمة ببعض الأحيان الناجحة النتائج بكل الأحوال والمقاييس لمستقبل وطننا الغالي مصر،وليترك لنا رجال الدين لحظتنا التاريخية لنصنع منها غدًا يليق بتاريخ وطننا وحضارته ولينصرفوا هم لما كلفهم الله به من أمور عقائدية من أجل رفعنا روحيًا ودينيًا، أما الأرض وشئونها فليتركونا لصناعتها والاهتمام بها.
المسيحي الآن بجوار المسلم جنبًا إلى جنب ويدًا في يد لحماية مصر من السقوط فريسة في أيدي أتباع التوجهات الدينية الذين يريدوا لنا العيش بدولة دينية تغضب على كل مواطنيها المُخالفين لدينها الرسمي،ولهذا عملنا معًا كمصريين سيحمي مصر وكلي ثقة بأصالة وذكاء شعب مصر العظيم الذي لن ينساق لهوه السلفية وتعاطي الغيبيات وسينقل مصر لمكانة تليق بها في ركب الحضارة المعاصرة كما كانت في الماضي السحيق.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter